مدرسة فرنسية اشتهرت بتخريج مترجمي المؤتمرات الدولية

عمرها 60 عاماً وطلابها بارعون في «رقصة» التنقل بين اللغات

مقصورات المترجمين التي لا ينتبه لها كثيرون
مقصورات المترجمين التي لا ينتبه لها كثيرون
TT

مدرسة فرنسية اشتهرت بتخريج مترجمي المؤتمرات الدولية

مقصورات المترجمين التي لا ينتبه لها كثيرون
مقصورات المترجمين التي لا ينتبه لها كثيرون

تحيي «المدرسة العليا للمترجمين» في باريس، هذه السنة، الذكرى الستين لتأسيسها. وتعد هذه المؤسسة ذائعة الصيت أحد أرفع «مصانع» المترجمين شأناً في العالم. فقد خرّجت، منذ تأسيسها في عام 1957، أجيالاً من خيرة الطلاب الذين يجيدون رقصة التنقل بين اللغات، وأيضاً بعض الدبلوماسيين، منهم سفيرة فرنسا في الكويت.
الاسم المختصر لـ«المدرسة العليا للمترجمين الفوريين والمترجمين»، هو «إيزيت». ولا يختلف العاملون في المنظمات الدولية أو قصر رئاسة أو وزارة ما، على كفاءة خريجيها؛ إن كلاً منهم جدير بالثقة ويمكن التعويل عليه لإيصال الكلام من مرفأ لغة إلى بر أمان لغة أخرى، سواء في الترجمة الفورية أو التحريرية. والمدرسة، التي هي في الحقيقة معهد عال، تتبع جامعة السوربون الجديدة. وتحرص على تلقين مادتي الترجمة التحريرية والشفهية الفورية وفق أفضل الوسائل التربوية والتأهيلية. وهي تستعين بنخبة من أفضل الأساتذة، أغلبهم يمارسون المهنة، أو مارسوها سابقا، باحترافية عالية. فمثلاً، عُرف عن البروفسور الراحل دانيال موسكوفيتش، مدير قسم الترجمة الأسبق، أنه كُلف قبل عقود بترجمة موسوعة ألمانية عن الحياكة. فلم يتوانَ عن دخول دورة في الحياكة مع سيدات يتقنّها لكي يتعلم منهن ذلك الفن، الأمر الذي يعينه على ترجمة الموسوعة المطلوبة منه. وقد اختارهن مُسنات لكي يكون على بينة بمصطلحات الحياكة العريقة الرصينة، مثلما كانت الجدات الفرنسيات يتداولنها، وبالتالي تفادي استخدام لغة ركيكة أو مصطلحات دخيلة.
على مدى 60 عاماً، اكتسبت «إيزيت» سمعة دولية رصينة. وفضلاً عن الترجمة التحريرية والفورية، فتحت منذ سنوات صفاً لتعليم الترجمة الفورية بلغة الإشارات للصمّ. وفي نهاية الدراسة (ثلاث سنوات للترجمة وسنتان للترجمة الفورية)، يحصل الطالب على شهادة «ماستر مهني»، وهو ما كان يدعى سابقاً «دبلوم دراسات عليا متخصصة». إلى ذلك، تعنى «إيزيت» بالتحضير لشهادتي الماجستير والدكتوراه في علم الترجمة والبحوث المتعلقة بها وبمجالات الألسنية، بجميع ميادينها الفرعية.
يتساءل البعض: لماذا استقرَّت «إيزيت» في جامعة دوفين، في طرف باريس الشمالي الغربي، بمحاذاة غابات بولونيا، بينما هي تابعة للسوربون الواقعة في الدائرة الخامسة، قلب باريس؟ والجواب هو أن مبنى جامعة دوفين، الذي تم تشييده عام 1957، كان مقراً لحلف شمال الأطلسي، (الناتو). لكن، في عام 1966، انسحبت فرنسا من الحلف بقرار من زعيمها الجنرال شارل ديغول. فانتقل «الناتو» إلى بروكسيل، تاركاً مبناه الباريسي الكبير شاغراً. وعندها جرى تخصيصه لجامعة باريس 9، أو «باريس دوفين» مثلما سُمّيت لاحقاً. وفي الوقت نفسه، استغلت «إيزيت» تلك الفسحة الجديدة لترك مكانها الضيق في جامعة باريس الجديدة، أو «باريس 3»، والانتقال إلى هذا المبنى الأكثر رحابة. وتشغل مدرسة الترجمة جناحاً في طابقه الثاني، بينما استقرت كلية اللغات الشرقية في الطابق الأول، تحتها تماماً. ويحصل أحياناً أن «يصعد» بعض طلاب اللغات الشرقية، بما فيها العربية، طابقاً للالتحاق بـ«إيزيت». فالتسجيل في هذه الأخيرة يستلزم الحصول أولاً على شهادة جامعية، ثم اجتياز مسابقة القبول، مع تمني إحراز نتائج عالية تؤهل الطالب للدخول ضمن عدد محدود من المقبولين الجدد، في هذا الفرع اللغوي أو ذاك. ويتعين على المتقدم الإلمام بلغتين أجنبيتين على الأقل، فضلاً عن اللغة الأم.
في السنوات الأخيرة، بلغ العدد الإجمالي لطلاب «إيزيت» وطالباتها نحو 390، للفروع اللغوية والتخصصية كلها، وفي جميع سنوات الدراسة. وجدير بالذكر أن نسبة طالبات «إيزيت» دائماً أعلى من نسبة زملائهن الطلاب. أما اللغات المعتمدة، فتشمل اللغات الأوروبية تقريباً كلها، إضافة إلى العربية والروسية، مع دورات خاصة للغات أخرى، بشكل استثنائي، في حال توافر بعض الشروط (كالصينية، الكورية، اليابانية، الهندية، التركية... إلخ).
وقد يكون من المفيد، أيضاً، إيضاح سبب استخدام مفردة «مدرسة» في الحديث عن تلك المؤسسة التأهيلية التي تندرج في إطار الدراسات العليا، والعليا جداً. تشير كلمة «مدرسة»، في النظام التعليمي الفرنسي، إلى المدرسة الابتدائية الاعتيادية، مثلما هو الحال عندنا. لكن أيضاً إلى «المدارس العليا» التي تؤمِّن أرفع مستويات الدراسة وأعلاها شأناً. وهي أهمّ من الجامعات، وشهاداتها أفضل مهنياً وأضمن وظيفياً من الدكتوراه الجامعية. كما يتطلب الدخول إليها الحصول مسبقاً على شهادة جامعية، ثم خوض مسابقات قبول بالغة الصعوبة. لذلك يسمونها مدارس النخبة. وطلابها يشار لهم بالبنان.
لا يندر أن تفضي مهنة الترجمة إلى مسارات أخرى، منها الصحافة والدبلوماسية، بحكم التمكن من لغات عدة. وهذا الأفق الوظيفي يشكل عاملاً مساعداً وحافزاً قوياً لخوض المشاق في سبيل دخول هذه المدرسة. ومثلاً، وصلت الطالبة اللبنانية ندى اليافي، إحدى خريجات المدرسة في مطلع ثمانينات القرن الماضي، إلى موقع سفيرة فرنسا في الكويت. وكانت الطالبة المتفوقة معتمدة كمترجمة فورية دائمة للعربية في وزارة الخارجية. ولطالما شوهدت على شاشة التلفزيون وهي تترجم بين رؤساء فرنسا ونظرائهم من زعماء الدول العربية. وذلك ما دعاها إلى خوض مسابقات قبول أخرى، في السلك الدبلوماسي هذه المرة، فتم تعيينها قنصلاً عاماً في دبي عام 2007، ثم سفيرة في الكويت عام 2010.
وطبعاً، يتذكر طلاب الأقسام المختلفة أساتذتهم المفضلين أثناء سنوات «إيزيت»، ويغدقون عليهم بالمديح والتعبير عن الامتنان. ففيما يخص القسم العربي، يشير الخريجون القدامى إلى أساتذة مثل نعيم بوطانوس وفايز ملص وكلود الخال وجوزيف صايغ (للترجمة) وسلمى فرشخ ومراد بولعراس (للترجمة الفورية)، وذلك غيض من فيض.
* القبطان الذي أصبح مترجماً
* من بين خريجي «إيزيت» القدامى، المترجم محمد السعدي. كان في السابعة عشرة من عمره حين أتى من العراق في سبعينات القرن الماضي لدراسة الملاحة البحرية. لكنه، بعد سنتين في تعلم الفرنسية من الصفر وسنة في المدرسة الوطنية للبحرية التجارية في مرسيليا، أدرك أنه لا يحب تمضية عمره يمخر عباب البحار وضباب الموانئ. يقول إنه تذكر ما كان قد سمعه من الأستاذ أدور، مدرس الجغرافية والتربية الوطنية في متوسطة الوثبة للبنين في بغداد. كان الأستاذ يتحدث عن المنظمات الدولية، ومنه سمع السعدي، للمرة الأولى، بشيء اسمه الترجمة الفورية وآلية عملها. واستهوت تلك المهنة التلميذ الصبي، وفكر أنه قد يختارها لنفسه عندما يكبر. وهذا ما حصل فعلاً. فبعد العزوف عن دراسة البحرية، حصل على دبلوم جامعي في الإدارة، أهّله لخوض مسابقة القبول في «إيزيت»، بنجاح.
سألناه إن صادف في حياته المهنية، كمترجم فوري، حالات محرجة أو طريفة. أجاب أن عنده من الحكايات ما يصلح لتأليف كتاب. لكن الموقف الأشد إحراجاً حصل أثناء مراسم افتتاح معهد العالم العربي، في 30/ 11/ 1987، حيث كان الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران مثار هلع المترجمين الفوريين. لقد اشتهر ميتران بلغة بليغة، وخطاباته لا تخلو من غموض وتورية، وأدنى تقصير في ترجمتها يكمن أن يؤدي إلى سوء فهم، أو يتطور إلى أزمة دبلوماسية. يقول السعدي: «قبل أن يبدأ الرئيس كلمته الافتتاحية، قادني هوبير فيدرين، أمين عام قصر الرئاسة وقتها ووزير الخارجية لاحقاً، فجعلني أقف بين الرئيس ميتران ورئيس الوزراء آنذاك، جاك شيراك، لغرض الترجمة التتبعية، أي نقل الكلام جملة بعد جملة. ثم بدأ ميتران كلمته دون أن يتوقف لإتاحة المجال للمترجم، واستمر يلقي خطابه مسترسلاً في الكلام وأنا ألاحقه بتسجيل رؤوس أقلام حتى أنهيت نصف دفتر الملاحظات. كنت أعاني وهو غير آبه بمعاناتي. وبدأت أتصبب عرقاً بارداً خشية ألا أكون على قدر المقام. إن ترجمة ميتران ليست هينة في حد ذاتها، فكيف مع ذلك السيل من الجمل؟ ثم أنقذني هوبير فيدرين. لقد فهم قصد الرئيس، وهمس في أذني ألا داعي لأخذ الملاحظات لأن برنامج ميتران لا يتيح وقتاً للترجمة، فانسحبتُ بهدوء متنفساً الصُعَداء. وحال انتهاء الحفل، تحدثنا أنا وزميلتي غراسيا نمّور عن (الحادثة)، فاستنتجنا (وهو مجرد استنتاج ذاتي، قد لا يكون سديداً) أن ميتران تعمّد تغييب الترجمة العربية لإيصال رسالة مفادها أن اسم ذلك الصرح هو معهد العالم العربي، لكنه مؤسسة ثقافية فرنسية، لغتها الرسمية هي الفرنسية، والكلام فيها بالفرنسية لا غيرها.
ومما زاد من امتعاض الوفود العربية المشاركة، هو أن الشاذلي القليبي، أمين عام جامعة الدول العربية، ألقى كلمته بعد ميتران... بالفرنسية أيضاً، ومن دون ترجمة».

 


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».