بروكسل تخشى من تداعيات مكافحة الإرهاب على السياحة

عقب محاولة تفجير فاشلة في محطة قطارات وعملية دهس لعناصر الأمن

بروكسل تخشى من تداعيات مكافحة الإرهاب على السياحة
TT

بروكسل تخشى من تداعيات مكافحة الإرهاب على السياحة

بروكسل تخشى من تداعيات مكافحة الإرهاب على السياحة

أصبحت هناك حالة من القلق، ليس فقط على الصعيدين الأمني والاجتماعي، بل أيضا على قطاع السياحة وارتباط ذلك بمجالات أخرى؛ وذلك بسبب الحوادث الأخيرة التي عرفتها بروكسل، ومنها عملية التفجير داخل محطة للقطارات وسط العاصمة، وبعدها بأيام قليلة محاول دهس لعناصر الأمن في أثناء كمين بأحد الأحياء التي يقطنها غالبية مسلمة في العاصمة البلجيكية. ويتزامن القلق على القطاع السياحي، مع الإعلان عن أرقام مكتب الإحصاء البلجيكي بشأن حركة السياحة في البلاد العام الماضي، وتأثرها الواضح بالتفجيرات التي وقعت مارس (آذار) 2016، وتسببت في مقتل 32 شخصا وإصابة 300 آخرين.
وتعطلت حركة السفر عبر مطار بروكسل لفترة من الوقت وتأثرت المطاعم والفنادق والمقاهي في مختلف الأماكن؛ الأمر الذي دفع بعضا من المراقبين إلى التخوف من تكرار سيناريو العام الماضي، وتتأثر السياحة في بروكسل.
وكانت عناصر الأمن قد لجأت مساء أول من أمس إلى إطلاق النار على سيارة مرسيدس اقتربت من كمين أمني، وأثناء محاولة التأكد من أوراق السيارة انطلق صاحبها مسرعا، وكاد يدهس عددا من رجال الأمن الذين أطلقوا عليه النار، لكن فر مسرعا وجاري البحث عنه.
وجاء ذلك بعد أيام قليلة من محاولة شخص من أصول متطرفة تفجير حقيبة في محطة قطارات وسط بروكسل، وصفتها وسائل الإعلام بأنها محاولة فاشلة، وانتهت بمقتل منفذ الهجوم على أيدي عناصر الجيش والشرطة التي تشارك في تأمين المراكز الاستراتيجية في البلاد.
وبالتزامن مع هذه التطورات، قالت أحدث الأرقام البلجيكية الرسمية التي جاءت في بيان لمكتب الإحصاء البلجيكي وتسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه:: إن السياحة عرفت تراجعا في الربيع والصيف من العام الماضي في أعقاب تفجيرات مارس من العام الماضي في مطار ومحطة مترو في بروكسل، لكن الأمور تحسنت في موسم الخريف.
وسجلت فنادق بلجيكا حجوزات سياحية بلغت 36 مليونا و855 ألف ليلة سياحة، وهي منخفضة بنسبة 4 في المائة عن العام 2015، وكانت أعلى معدلات التراجع في أبريل (نيسان) ناقص 15 في المائة وفي أغسطس (آب) ناقص 5 في المائة، لكن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نشط قطاع السياحة من جديد وارتفع بنسبة 2 في المائة مقارنة بنوفمبر من العام الذي سبقه و5 في المائة في ديسمبر (كانون الأول). وكانت أكثر المناطق تأثرا بتراجع معدلات السياحة العام الماضي هي العاصمة بروكسل، وبلغت نسبة التراجع 19 في المائة مقارنة بالعام 2015، وكانت أقل فترة من فترات الحجوزات في أبريل ومايو (أيار) وأغسطس من العام الماضي، وبلغت نسبة التراجع حتى 35 في المائة أقل مقارنة مع العام 2015.
وفي أواخر العام الماضي، قام اتحاد الشركات البلجيكية بحساب التكلفة التي خلفتها هجمات باريس وبروكسل في الاقتصاد البلجيكي، التي بلغت 2.4 مليار يورو. وذلك بحسب نتائج دراسة نشرتها وسائل الإعلام في بروكسل، وجاء فيها أنه بعد مرور عام على وقوع تفجيرات باريس التي وقعت في نوفمبر من العام الماضي وثمانية أشهر على هجمات بروكسل التي وقعت في مارس 2016. يستند اتحاد الشركات البلجيكية على البيانات المتعلقة بالقطاعات الأربعة الأكثر تضررا بشكل مباشر، وهي قطاع الفنادق والمطاعم، والمحال التجارية، والمظاهرات الاحتفالية، والنقل الجوي، من أجل قياس الأثر الذي خلفته هذه الأحداث على الاقتصاد البلجيكي.
وتبين من ذلك «خسائر مباشرة في الإيرادات» وقدرها 2.4 مليار يورو في الفترة الممتدة ما بين 15 نوفمبر 2015 إلى 15 نوفمبر 2016 بنسبة نمو بلغت 0.75 في المائة أقل بالنسبة للبلاد. وكان من الطبيعي أن تؤثر تفجيرات مارس الماضي على مجالات كثيرة، ورغم كل الأجواء السلبية التي أعقبت التفجيرات إلا أن المكتب السياحي في بروكسل، عمل على إعداد خطة لجذب السياح من جديد إلى العاصمة البلجيكية.
بحسب ما ذكر مسؤول المكتب خيرت كوشيز في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «بعد مرور أسابيع من التفجيرات كنا نعاني مشكلة حقيقية، عدد السياح قليل جدا نتيجة إغلاق مطار بروكسل وبعد الهجمات الإرهابية التي أثارت مخاوف البعض، ولدينا خطة دخلت حيز التنفيذ لجذب السياح من جديد، ويكفي أن أقول لك إن 20 في المائة فقط من غرف فنادق بروكسل كانت هي المحجوزة في فترة ما بعد التفجيرات بأسابيع، وهو أمر لم يحدث من قبل، كما أن هناك تأجيلات كثيرة للأفواج السياحية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟