قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»

أنقرة تحذر من «خداع» واشنطن إزاء وعود سحب سلاح الأكراد

قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»
TT

قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»

قاعدة روسية تدخل الصراع الأميركي ـ الإيراني على «البادية السورية»

دخلت روسيا إلى حلبة الصراع الأميركي - الإيراني على «البادية السورية»، إذ أقامت قاعدة عسكرية شرق دمشق بالتزامن مع تحويل طهران مطار «السين» المجاور قاعدة لـ«الحرس الثوري الإيراني» بعد أيام من تعزيز واشنطن معسكر التنف قرب حدود العراق، وبحث تحويل مطار الطبقة قرب الرقة قاعدة جوية أميركية.
وبحسب موقع «ديبكا» الاستخباراتي، بدأ الجيش الروسي بناء قاعدة في بلدة خربة رأس الوعر قرب بئر القصف، في أول خطوة من نوعها منذ التدخل العسكري المباشر في نهاية 2015، لدى إقامة قاعدتين في الساحل السوري، واحدة في حميميم قرب اللاذقية والثانية في ميناء طرطوس.
وتبعد خربة رأس الوعر، 50 كيلومترا عن دمشق و85 كيلومتراً عن خط فك الاشتباك في الجولان و110 كيلومترات عن جنوب الهضبة. وتبعد 96 كيلومتراً من الأردن و185 كيلومتراً من معسكر التنف التابع للجيش الأميركي في زاوية الحدود السورية - العراقية - الأردنية.
وكانت أميركا وروسيا والأردن توصلت نهاية الأسبوع الماضي إلى عقد مذكرة تفاهم لإقامة «منطقة آمنة» بين دمشق والأردن، نصت في أحد بنودها على إبعاد «القوات غير السورية» في إشارة إلى «الحرس الثوري الإيراني» و«حزب الله» نحو 30 كيلومتراً من حدود الأردن. لكن مذكرة بعثت بها فصائل «الجيش الحر» إلى روسيا، طلبت إبعاد حلفاء إيران 50 كيلومتراً من الأردن.
وتضمنت المذكرة، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، ثماني نقاط، بينها «تحديد المسافة في نقاط التماس بين الطرفين (نظام ومعارضة) في الجبهات الساخنة في مدينة درعا والأماكن الأخرى والاتفاق على خروج جميع الميليشيات الشيعية و«حزب الله» من مدينة درعا ومن الجبهة الجنوبية، والاتفاق على المطالب ووجودها على بعد 50 كيلومتراً من الحدود الأردنية - السورية»، إضافة إلى «فتح ممرات إنسانية وتحديد مناطق للعبور وتعهد الجانب الروسي التزامه رسميا تجاه النظام بعدم خرق وقف إطلاق النار وتعهد فصائل «الجيش الحر» باجتثاث وقتال الفصائل المصنفة عالميا بأنها إرهابية»، في إشارة إلى تنظيمات تابعة لـ«داعش» و«جبهة النصرة». والتزمت فصائل «الجيش الحر»، التي تدعمها غرفة العمليات العسكرية قيادة «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) «المفاوضات السياسية وما ينتج منها استنادا إلى بيان جنيف والقرار الدولي 2118».
ونقطة الخلاف، التي ساهمت في انهيار هدنة درعا، كانت إصرار الجانب الروسي على حصول المحادثات بين الطرفين داخل الأراضي السورية مقابل طلب «الجيش الحر» التفاوض في الأردن برعاية دولية.
ولم يعرف السبب الحقيقي لإقامة الجيش الروسي قاعدة قرب بئر القصف، خصوصاً أن ذلك تزامن مع المفاوضات مع الأميركيين وبعد نشر الشرطة العسكرية الروسية في السويداء المجاورة، إضافة إلى أنباء عن زيادة إيران لحضورها بين دمشق وحدود العراق.
وأفاد موقع «زمان الوصل» بأن «الحرس الثوري الإيراني» سيطر على مطار «السين» شرق دمشق وبئر القصب، لافتا إلى أن طائرات «يوشن 76» إيرانية بدأت بالهبوط في ثالث أكبر مطار في سوريا، إضافة إلى تمركز طائراتي نقل عسكريتين في المطار. وأفيد بأن طائرة الاستطلاع الإيرانية «شاهد 129» التي أسقطها الأميركيون بعد اقترابها من التنف قبل أيام، كانت طارت من مطار «السين».
ويعتبر مطار «السين» أقرب نقطة إيرانية من التنف. وشكل قاعدة لانطلاق ميليشيات إيرانية نحو حدود العراق لاختبار الأميركيين قبل الالتفات والتوجه إلى البوكمال شمال التنف. وساهم الروس بعقد صفقة بين واشنطن وطهران قضت بإزالة قاعدة الزقف شمال التنف مقابل انسحاب حاجز لموالين للنظام من دائرة حددها الأميركيون للتنف بعمق 55 كيلومتراً.
وإذ تقدمت ميليشيات إيرانية من شمال غربي الموصل للقاء قوات النظام وحلفائها من الطرف الآخر للحدود، حيث وسعت رقعة السيطرة خلال التوغل في محافظة دير الزور، فإن قوات عراقية تدعمها طهران التفت أيضا على معسكر التنف. وقال أحد قادة «الحشد الشعبي» حامد الشندوخ: إن «القوات الأميركية انتشرت في جنوب الروضة في محافظة الأنبار قرب الحدود مع سوريا والأردن». وزاد أن الجنود الأميركيين جاؤوا من قاعدة «عين الأسد» في منطقة البغدادي، وتحركوا تحت مظلة من الدعم الجوي للمروحيات الأميركية وطائرات الاستطلاع.
وكان الجيش الأميركي عزز وجود شرق سوريا؛ إذ أقام عددا من القواعد والمدرجات لاستقبال مروحيات وطائرات عسكرية لتقديم الدعم العسكري لـ«قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية في قتال «داعش». وأفيد بأن محادثات جرت بين الأميركيين و«وحدات حماية الشعب» الكردية لتحويل مطار الطبقة الواقع في ريف الرقة، قاعدة عسكرية تابعة للجيش الأميركي الذي حرص على استباق القوات النظامية و«حزب الله» التي يدعمها الجيش الروسي للوصول إليه (مطار الطبقة) باعتباره أكبر مطار يقع تحت سيطرة حلفاء واشنطن. وزاد هذا من شكوك أنقرة رغم وعود واشنطن أنها ستعيد بعد تحرير الرقة السلاح الذي قدمته للأكراد. وقال الرئيس التركي رجب طيب، أمس، إن واشنطن تحاول «خداع» أنقرة بتقديم وعود كهذه.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.