{داعش} يشن هجمات انتحارية في معقله شرق سوريا

دخان يغطي سماء حي الصناعة في الرقة بعد غارات التحالف الدولي (أ.ف.ب)
دخان يغطي سماء حي الصناعة في الرقة بعد غارات التحالف الدولي (أ.ف.ب)
TT

{داعش} يشن هجمات انتحارية في معقله شرق سوريا

دخان يغطي سماء حي الصناعة في الرقة بعد غارات التحالف الدولي (أ.ف.ب)
دخان يغطي سماء حي الصناعة في الرقة بعد غارات التحالف الدولي (أ.ف.ب)

حاول تنظيم داعش في اليومين الماضيين تكثيف هجماته الانتحارية في مسعى للتصدي لتقدم «قوات سوريا الديمقراطية» في مناطق استراتيجية جنوب معقله في مدينة الرقة في شمال شرقي سوريا، بالتزامن مع تواصل الحملة الجوية للتحالف الدولي التي أدّت إلى مقتل وإصابة العشرات بغارة استهدفت منطقة جامع النور ليل الأربعاء - الخميس.
وفيما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه وثّق مقتل 16 مدنيا إثر القصف من قبل التحالف على مناطق في وسط الرقة، نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر طبي تأكيده أن «19 شخصا بينهم نساء وأطفال قتلوا وأصيب 14 آخرون بجروح في قصف جوي من طائرات التحالف ومدفعية قوات سوريا الديمقراطية في منطقة جامع النور بحي الدرعية غرب المدينة»، علما بأن المسجد المذكور تعرض لقصف من طائرات التحالف منذ أسبوع أدى إلى شبه دمار بالمبنى. وأوضحت الوكالة أن مدنيين داخل الرقة أبلغوها أيضا أن «تنظيم داعش أقدم الأربعاء على سحل جثتين لعناصر من قوات (سوريا الديمقراطية)».
من جهته، أكد الناطق الرسمي لـ«سوريا الديمقراطية» طلال سلو أن معركة الرقة «مستمرة بنجاح وحسب المخطط المرسوم»، لافتا في بيان إلى أن «قواتنا تقوم بعمليات عسكرية دقيقة وحساسة ولفترة زمنية مطولة في الرقة بغية القضاء على الإرهابيين دون المساس بالمدنيين العزل قدر الإمكان والحفاظ على سلامتهم، خاصة أن إرهابيي «داعش» يستخدمون البعض منهم دروعا بشرية. وحثّ المدنيين في المدينة على «الابتعاد عن مراكز وجود الإرهابيين حرصا على سلامتهم ولتجنب الأضرار المحتملة نتيجة اشتداد وتيرة الاشتباكات».
في هذا الوقت، تحدث المرصد السوري عن معارك بوتيرة متفاوتة العنف، بين «قوات سوريا الديمقراطية» المدعمة بالقوات الخاصة الأميركية من جانب، وعناصر «داعش» من جانب آخر، على محاور في أطراف حيي حطين والبريد بالقسم الغربي لمدينة الرقة. كذلك سُجل استمرار تبادل إطلاق النار واشتباكات متقطعة في القسم الشرقي للمدينة.
وأفادت وكالة «آرا نيوز» بأن «داعش» يشن منذ يوم الأربعاء هجمات انتحارية بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة على مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» داخل مدينة الرقة، ما أسفر عن إصابات وخسائر. وقالت «قسد» أمس إنها فجرت سيارة مفخخة لـ«داعش» في حي البريد غرب الرقة، قبل الوصول لنقاط تمركز المقاتلين، موضحة أن تفجير السيارة المفخخة ألحق أضراراً كبيرة بالأبنية المجاورة، حيث تهدم على إثرها قرابة 4 أبنية بشكل كامل. بالمقابل، تحدثت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش» عن سقوط 17 عنصراً من «قسد» بين قتيل وجريح بتفجير عبوات ناسفة يوم الأربعاء قرب منطقة الجزرة غرب الرقة. كذلك نشر المركز الإعلامي لـ«ولاية الرقة» صوراً قال إنها لـ«عملية انغماسية على تجمع لـPKK المرتدين جنوب كسرة شيخ جمعة جنوب الرقة». وأعلنت «أعماق» «مقتل 6 من مسلحي الـPKK بهجوم لمقاتلي (داعش) جنوب كسرة الشيخ جمعة جنوب الرقة»، وتحدثت أيضا عن هجمات وتفجيرات ومواجهات في أحياء الرومانية والقادسية بالرقة، إلى جانب عمليات أخرى بالريف، أسفرت حسب «داعش» عن عشرات القتلى والجرحى. كما أشارت الوكالة التابعة للتنظيم إلى سقوط 18 قتيلا و10 مصابين جراء قصف جوي ومدفعي «أميركي» على حي النور في الرقة.
في هذا الوقت، واصلت قوات «غضب الفرات» تقدمها داخل المدينة، وأفيد عن سيطرتها على مساحات كبيرة من حي حطين في الغرب، كما تحدثت معلومات أخرى عن سيطرتها على منطقة المقص الاستراتيجية جنوب مدينة الرقة بعد معارك مع مسلحي التنظيم. وتُعد هذه المنطقة عقدة طرق حيوية تصل بين الجهات الشرقية والغربية والجنوبية للمدينة.
وفي سياق متصل، قال المرصد السوري إنه سيجري اليوم الجمعة الإفراج عن نحو مائة شخص من سكان مدينة الطبقة، كانوا معتقلين لدى قوى الأمن الداخلي في الرقة، بتهمة تتعلق بانضمامهم لتنظيم داعش وخضوعهم لـ«دورات شرعية» والعمل في مؤسسات تابعة للتنظيم خلال فترة سيطرته على منطقة الطبقة بالريف الغربي للرقة، حيث شملت التهم «الخضوع لدورات شرعية وعسكرية، وتدريسا في مساجد تابعة للتنظيم، وتصنيع أسلحة وذخائر حربية، وخطيبا في مساجد التنظيم، وموظفا لدى التنظيم» إضافة إلى تهم أخرى.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.