الهجوم «الباليستي» يعمق التوتر بين إدارة روحاني و«الحرس الثوري»

نائب قائد «فيلق القدس»: المرشد الإيراني أصدر قرار إطلاق الصواريخ

نائب قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني (تسنيم)
نائب قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني (تسنيم)
TT

الهجوم «الباليستي» يعمق التوتر بين إدارة روحاني و«الحرس الثوري»

نائب قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني (تسنيم)
نائب قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني (تسنيم)

تواصل سجال بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري حول قرار إطلاق الصواريخ الباليستية على دير الزور السورية، أمس، بدخول نائب قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني على خط التصريحات المتبادلة بين الجانبين عبر تأكيده على اتخاذ قرار الهجوم من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي، في حين أشاد كل من رئيس القضاء صادق لاريجاني ورئيس البرلمان علي لاريجاني بإطلاق الحرس الثوري صواريخ باليستية على دير الزور السورية، على خلاف تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني رفض فيها أن يكون قرار إطلاق الصواريخ من جهاز خاص.
وعلق قاآني على التصريحات المتباينة بين الحكومة والحرس الثوري حول الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرار بشأن الهجوم الذي نفذته الوحدة الصاروخية التابعة للحرس الثوري الأحد الماضي بإطلاق ست صواريخ باليستية أرض أرض من محافظتي كردستان وكرمانشاه.
وقالت إيران «الصواريخ الستة أطلقت ردا على هجومين تبناهما تنظيم داعش على مقر البرلمان ومرقد المرشد الإيراني الأول (الخميني) في السابع من يونيو (حزيران) الحالي».
في هذا الشأن، أصدر الحرس الثوري أول من أمس بيانا شرح فيه تفاصيل الهجوم على دير الزور، وعدد الخسائر في صفوف مقاتلي «داعش»، وذلك بعد نحو ساعات من تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني، قال فيها إن قرار الهجوم لم يكن من قبل شخص أو جهة خاص، في إشارة ضمنية إلى خامنئي والحرس الثوري.
وأضاف روحاني: إن قرار الهجوم اتخذه المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، مضيفا أن المجلس «منح القوات المسلحة صلاحيات أوسع من إطلاق الصواريخ للمجلس الأعلى للأمن القومي بعد هجومي طهران».
في التصريحات نفسها، قال روحاني إن «السياسة الخارجية تجاه القضايا الإقليمية والدولية لم تتغير» في رد ضمني على اتهامات تطال إدارته بـ«السعي وراء اتفاق مع الإدارة الأميركية والدول الغربية على غرار الاتفاق النووي».
ويرأس روحاني المجلس الأعلى للأمن القومي، ويوافق المرشد الأعلى على تسمية سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي بعد اقتراحه من قبل الرئيس.
نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قال رئيس الأركان السابق حسن فيروزآبادي لوكالة «تسنيم»: إن «أي صاروخ لا يطلق في البلاد من دون قرار صادر من القائد العام للقوات المسلحة (المرشد الإيراني)».
وأرسلت نبرة روحاني مؤشرات إلى استمرار التوتر بينه وبين الحرس الثوري بعدما انتقده الجهاز العسكري بشدة خلال حملات الانتخابات الشهر الماضي بسبب تدخله في السياسة والانتخابات والاقتصاد شملت انتقادات وجهها لمناورات الحرس الثوري وتجريب صاروخ «عماد» الباليستي بموازاة دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ.
وذكر بيان الحرس الثوري، أن الصواريخ قتلت 170 من قوات «داعش»، من دون ذكر مصدر المعلومة. كذلك، رد بيان الحرس الثوري على تصريحات وزير الأمن محمود علوي الذي قال بدوره، أول من أمس، إن المخابرات الإيرانية قدمت معلومات للوحدة الصاروخية عن مواقع قيادة «داعش» في دير الزور، وقال البيان إن «جميع مراحل جمع المعلومات واكتشاف الأهداف جرت على يد عناصر ميدانية تابعة لـ(فيلق القدس)».
وجاءت الضربات الصاروخية بعد أيام من موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على قانون «مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار 2017» وانتقدت الحكومة الإيرانية تمرير القانون، إلا أن وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري.
ومقابل الروايات الإيرانية المتباينة، كانت مصادر عسكرية إسرائيلية ذكرت أن الصواريخ الإيرانية «أخطأت أهدافها» وذكرت أن صاروخ أو صاروخين من بين أربعة إلى خمس صواريخ إيرانية أطلقت باتجاه الأراضي السورية أصابت الأهداف.
وفي إشارة إلى دور إيران العسكري في سوريا ذكر قاآني، أن قواته «فضلا عن دفاعها عن الآخرين أنتجت قوة للنظام»، كما اعتبره «تعميقا للميدان الدفاعي» الإيراني، حسب ما أوردت وكالة «تسنيم».
وتحارب قوات من الحرس الثوري وقوات الباسيج وجماعات مسلحة من جنسيات متعددة تحت لواء «فيلق القدس» إلى جانب القوات الموالية لبشار الأسد منذ اندلاع النزاع المسلح بين فصائل الثورة السورية وقوات النظام السوري في 2011.
على الصعيد ذاته، أصدر أمس كل من رئيس البرلمان علي لاريجاني وشقيقه رئيس القضاء صادق لاريجاني بيانات منفصلة تشيد بدور الحرس الثوري في إطلاق الصواريخ.
وقال رئيس البرلمان إن الهجوم على مواقع «داعش» «كان رسالة إلى أميركا وإسرائيل»، وأضاف: «هذا الهجوم مبادرة جيدة ومفيدة سواء التوقيت ونوع الهجوم»، مشددا على أن «القرار اتخذ بشكل صحيح». وشدد لاريجاني على أن بلاده تتخذ قرارات «ذكية» في القضايا الإقليمية، لافتا إلى أن خامنئي «يدير الأمور في المجموع»، حسبما نقلت عنه وكالة أنباء «مهر» الحكومية.
بدوره، أصر رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، أمس، على تكرار اسم الحرس الثوري أكثر من مرة في خطاب له أمام عدد من كبار المسؤولين في القضاء، ودافع لاريجاني عن إطلاق الصواريخ قائلا: إنها جاءت «ردا على محاولات زعزعة الأمن في إيران».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».