«زائر الفجر» (1973) عن مراكز القوى في عهد عبد الناصر
لم تستطع السينما المصرية معالجة أسباب هزيمة يونيو (حزيران) التي وقعت قبل خمسين سنة إلا من بعد مرور بضعة أعوام. وعندما فعلت كانت قوى الظلام المهيمنة بسبب مراكز القوى، قد أخذت تفقد قدرتها على الإمساك بزمام الأمور.
بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1970 وتولي الرئيس أنور السادات الحكم خلفاً له، بدأت مجموعة من الأفلام السياسية تظهر على السطح، وعلى نحو متعدد الغايات والمضامين. ما جمع بينها الموضوع السياسي، مخبئاً أو مباشرا، وما كان من غير المتاح لها قوله خلال الفترة السابقة. سنتان من بعد تولي أنو السادات سدة الحكم انهارت خلالهما قوى مراكز القوى (على نحو منظور على الأقل) بدأت السينما المصرية تنجز أفلاماً تتطرق إلى الفترة السابقة بالنقد. بعض هذه الأفلام استخدم الإيحاء مثل «الخوف» لسعيد مرزوق (1972) و«ليل وقضبان» لأشرف فهمي (1973) و«غرباء» لسعد عرفة (1973).
البعض الآخر استخدم الهجوم المباشر على الفترة السابقة كما الحال في «الرصاصة لا تزال في جيبي» لحسام الدين مصطفى (1974) وإلى حد: «العصفور» ليوسف شاهين (1974 أيضاً). على ذلك، أكدت التجربة أن الأفلام التي لا تطرح النقد المباشر هي الأكثر بقاء وديمومة كما الحال في فيلمي كمال الشيخ «الهارب» (1974) و«على من نطلق الرصاص» (1976).
كل هذه الأفلام تم عرضها بلا مشكلات رقابية على عكس ما حدث مع فيلم «زائر الفجر» لممدوح شكري. هذا الفيلم تم تحقيقه في العام 1973 وبعد أسبوع واحد من العرض تم منعه وسحبه من التداول حتى العام 1975 عندما عرض مع قص عشرين مشهداً من تلك التي هاجمت مراكز القوى، أو طرحت الأسئلة حول من حكم البلد بالفعل، علماً بأن الهجوم مرتبط بالفترة السابقة لحكم السادات.
أنتجته ماجدة الخطيب التي قامت بأحد أدواره الرئيسية، وكتبه الناقد الراحل رفيق الصبّـان، وأخرجه ممدوح شكري الذي سبق له وأن قدّم قبله فيلمين غير مؤثرين ومات، على حد إجماع المعنيين، إثر منع الفيلم وبسبب الهجوم عليه. بذلك، لم يشهد المخرج عرض الفيلم التجاري سنة 1975 ولو فعل لربما أصيب بما أصابه من إحباط وشعور بالإجحاف نتيجة المنع.
الفيلم له منهج فيلم التحقيقات البوليسية. هناك حالة وفاة لسيدة معروف عنها نشاطها السياسي في صف المعارضة (ماجدة الخطيب)، لكن التحليل الطبي الأول أشار إلى أن سبب الموت هو نوبة قلبية. وكيل النيابة (عزت العلايلي) سوف يقبل بذلك، لكنه يقرر أن هناك ما يكفي من الشكوك للاستمرار في التحقيق ما يقوده إلى الكشف عن أسرار ومكائد يقف وراءها سياسيون ومراكز قوى كان يعمل لحسابها من دون أن يدري.
إذ يبدأ «زائر الفجر» بكاميرا واقعية محمولة وراصدة، يكمل على هذا النحو في أسلوب قريب الشبه بتلك الأعمال الإيطالية المشابهة في تطرقاتها السياسية، كتلك التي أخرجها بترو جيرمي وفرنشسكو روزي، مع اختلاف الإمكانيات. اللقطة الليلية للقاهرة تصاحبها عبارة «الجمعة 5 يونيو 1970» وبهذا التحديد زرع الفيلم أحداثه قبل أشهر قليلة من تولي الرئيس السادات الحكم.
فيلم جريء بمنهجه كما بمحتواه، ولم يجد حتى بعد الإفراج عنه ما يستحقه من اهتمام.