ليبيا: السراج يعمق خلافاته مع حفتر بتعيين قائدين عسكريين

غسان سلامة يستعد لزيارة طرابلس بعد موافقة مجلس الأمن على تعيينه خلفاً لكوبلر

يمني يحمل كسرات من الخبز حصل عليها من جمعية خيرية في صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يحمل كسرات من الخبز حصل عليها من جمعية خيرية في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

ليبيا: السراج يعمق خلافاته مع حفتر بتعيين قائدين عسكريين

يمني يحمل كسرات من الخبز حصل عليها من جمعية خيرية في صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يحمل كسرات من الخبز حصل عليها من جمعية خيرية في صنعاء (إ.ب.أ)

عمق أمس، فائز السراج، رئيس الحكومة الليبية المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، من حدة خلافاته مع المشير خليفة حفتر القائد العسكري القوي في شرق البلاد بعد تعيينه قائدين عسكريين، وفي غضون ذلك يستعد وزير الثقافة اللبناني السابق غسان سلامة لزيارة ليبيا الشهر المقبل لتولي مهامه كأحدث رئيس لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، وذلك بعد أن وافق مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على تعيينه خلفا للدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر، الذي تنتهي فترة ولايته نهاية الشهر الحالي.
وكرر سلامة أمس لـ«الشرق الأوسط»، في تصريحات خاصة، أنه «لن يدلي بأي تصريحات صحافية في الوقت الراهن قبل توليه مهام منصبه»، احتراما لسلفه ولقواعد العمل في المنظمة الدولية.
وأعلن مجلس النواب الموجود بمدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي عن ارتياحه لاختيار سلامة خلفا لكوبلر، إذ قال الناطق الرسمي باسمه عبد الله بليحق إن البرلمان المعترف به دوليا يتطلع إلى أن يلعب غسان سلامة دورا إيجابيا في المساعدة على حل الأزمة الليبية.
كما أعرب عن أمله في أن تكون البعثة الأممية في ليبيا محايدة، وأن يستفيد سلامة من تجارب من سبقوه إلى المنصب.
من جهتها، رحبت الحكومة الموالية للبرلمان، برئاسة عبد الله الثني، عن ترحيبها بتعيين سلامة رئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة، ودعته في بيان له إلى الاستفادة من أخطاء سلفه، وألا ينحاز لطرف على حساب الآخر، واتهمت مارتن كوبلر بأنه «انحاز طيلة الفترة الماضية إلى الميليشيات المسلحة، وعزز الانقسام الليبي بخلق جسم ثالث في السلطة التنفيذية». وتعهدت حكومة الثني بأن «تضع كل إمكانياتها أمام سلامة من أجل تقريب وجهات النظر، والعمل على خلق حكومة وفاق وطني حقيقية قادرة على جمع الليبيين».
وينظر كثيرون إلى تعيين سلامة مبعوثا جديدا للمنظمة الدولية إلى ليبيا على أنه بداية جديدة لمفاوضات ستجريها المنظمة الدولية مع الفرقاء الليبيين لإعادة التفاوض حول اتفاق السلام، المبرم في منتجع الصخيرات بالمغرب نهاية عام 2015 برعاية دولية، وأيضا على أنه نهاية لعملية بحث مثيرة للخلاف مستمرة منذ أربعة أشهر.
وبدأ البحث عن خليفة لمارتن كوبلر، الذي كان ممثلا للأمم المتحدة في ليبيا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، منذ فبراير (شباط) الماضي، وذلك عندما رشح جوتيريش رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض للمنصب. لكن رفضت الولايات المتحدة فياض بسبب جنسيته، إذ قالت السفيرة الأميركية نيكي هيلي وقتها إن الأمم المتحدة «منحازة للسلطة الفلسطينية على حساب حلفائنا في إسرائيل»، فيما وصف جوتيريش الرفض الأميركي بأنه «خسارة لعملية السلام الليبية وللشعب الليبي».
في غضون ذلك، عمق فائز السراج حجم الخلافات مع المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الليبي، بعدما أعلن أمس باعتباره القائد الأعلى للجيش الليبي تنصيب آمري المنطقة العسكرية الغربية والوسطى للجيش الموالى لحكومته.
وعين السراج في حفل جرى بمقر مجلسه الرئاسي بالقاعدة البحرية الرئيسية بطرابلس، أسامة الجويلي آمرا للمنطقة العسكرية الغربية، ومحمد الحداد آمرا للمنطقة العسكرية الوسطى، وكلاهما برتبة لواء. واعتبر السراج في بيان وزعه مكتبه أن الخطوات العملية قد بدأت لتفعيل الجيش الليبي، خصوصا في هذه المرحلة الحساسة والمفصلية التي تمر بها ليبيا، موضحا أن دور آمري المناطق العسكرية مهم جدا في هذا الشأن.
كما شدد السراج على ضرورة النأي بالمؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية والعمل على تحييدها، وتقديم كل الدعم لها للقيام بواجباتها في حماية الوطن والمواطن.
ويرفض حفتر الاعتراف بشرعية السراج رئيسا للحكومة، أو قائدا أعلى للجيش، ويتمسك مع البرلمان الموجود في شرق البلاد بضرورة أن ينال تعيينه موافقة أعضاء البرلمان الليبي.
وانزلقت ليبيا في أتون الاضطرابات بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، حيث تتنافس حكومات وفصائل مسلحة على السلطة. فيما تكافح حكومة مدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس، من أجل فرض سلطتها وتعترض عليها فصائل في شرق البلاد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.