سعاد حسني والحقيقة الغائبة

أغلق ملف انتحارها في لندن ولا يزال مفتوحاً في القاهرة

سعاد حسني والحقيقة الغائبة
TT

سعاد حسني والحقيقة الغائبة

سعاد حسني والحقيقة الغائبة

يوم رحيل سعاد حسني في لندن قبل 16 عاماً، هو نفسه يوم ميلاد عبد الحليم حافظ قبل 87 عاماً، حيث ربطت بينهما قصة حب وصلت إلى مشارف الزواج، توافق يومي الرحيل والميلاد، كما ترى صدفة لا يمكن أن يدبرها أحد، ولكن الكثير من الحكايات المختلقة، تعتبرها مقصودة ومع سبق الإصرار.
كل عشاق سعاد في الوطن العربي، وكاتب هذه السطور واحد من هؤلاء الملايين، لم يكونوا يتمنون- قطعاً- أن تُصبح تلك هي النهاية، ولكن لأني أتيح لي أن ألتقي سعاد أكثر من مرة، كان لدي إحساس أن هذه هي النهاية المنطقية التي تتوافق مع شخصية سعاد حسني، وهو بالمناسبة ما أكده أيضاً زوجها السابق المخرج على بدر خان، الذي عاش معها 11 عاماً وظلا صديقين حتى رحيلها. كنت على صلة مع سعاد حسني منذ تسعينات القرن الماضي، وعندما أتصل على تليفونها أجد على جهاز (الأنسر ماشين) صوتها وهي تغني (خاللي بالك من زوزو)، سعاد أرادت أن يتوقف بها الزمن عند تلك اللحظة الزمنية، وهي في عز ألقها كفنانة وأيضاً كامرأة، حيث كانت تقف على مشارف الثلاثين من عمرها وقت تصوير الفيلم، فهي من مواليد 26 يناير (كانون الثاني) 1943. لا أحد يستطيع أن يقهر بصمات الزمن، أصيبت سعاد بالعصب السابع وتعرضت لعلاج مكثف بالكورتيزون أثر سلباً على وجهها، ناهيك عن مشكلات صاحبتها في العامود الفقري، كما أن وزنها زاد أيضاً، وهكذا ذهبت في سنواتها الأخيرة لكي تعيش في لندن، ليس من أجل العلاج كما هو معلن، فهو متوفر في القاهرة، ولكن حتى تبتعد عن عيون الناس وملاحقات الصحافيين وتساؤلات الإعلام. كان العلاج على نفقة الدولة، لكنها فوجئت بأن رئيس الوزراء الأسبق أوقف صرف الاعتماد المالي، لسبب قانوني وهو توفر العلاج بمصر. فلجأت لتسجيل رباعيات صلاح جاهين لإذاعة «بي بي سي» في لندن؛ حتى تتحمل على نفقتها الخاصة دفع تكاليف العلاج. كما أنه تردد وقتها أنها تستعد لتسجيل قصة حياتها التي ستتضمن أسراراً مثيرة عن زواجها بعبد الحليم حافظ، ودورها في العمل لحساب المخابرات المصرية. لم يكن لهذا الخبر في الحقيقة نصيب من الصحة، إلا أنه صار الخيط الذي انفرط بعد الرحيل لتتعدد الحكايات والروايات.
الورثة لا يتوقفون عن إثارة الكثير من الحكايات المتعلقة بسعاد حسني، حيث يلعب الخيال دور البطولة في واقعة الانتحار هو ما يحاول الورثة نفيه رغم أن كل الملابسات تؤكد إقدام سعاد على أن تلقي بنفسها من شرفة المنزل، فلقد وقعت سعاد حسي تحت ضغط الاكتئاب النفسي الحاد والذي يؤدي في أعلى ذروة له إلى الانتحار للتخلص من قيود الجسد، وعدد كبير من المنتحرين يختارون تلك النهاية.
حيث يلقون بأنفسهم، من الشرفة أو من فوق سطح العمارة، ولو تأملت ستجد أنها أقرب إلى تحقيق الرغبة في التحرر من الجاذبية الأرضية والتحليق عالياً في السماء. البعض أيضاً وجدوا في نفي الانتحار متعة لنسج القصص الوهمية، ومن أشهرهم الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، الذي كان وحتى رحيله يعتقد جازماً أن سعاد حسني تم التخلص منها لأنها كانت لديها تسجيلات تنوى كشفها لكي تفضح عن طريقها علاقتها السابقة بجهاز المخابرات المصرية الذي حاول تجنيدها ولكنها رفضت.
والحقيقة التي يعرفها من عاشوا تلك السنوات، أتحدث عن ستينات القرن الماضي، هو أن صلاح نصر رئيس المخابرات حاول تجنيد الكثير من النجوم الكبار لكي يصبحوا عيوناً له على الوسط الفني، ومن بينهم فاتن حمامة التي اصطدمت بهذا الجهاز ولم تجد أمامها أي مخرج سوى أن تسافر إلى بيروت ومنها إلى باريس لكي تهرب من مطاردتهم لها، ولم تعد إلى مصر إلا بعد رحيل جمال عبد الناصر عام 70 وتولي السادات الحكم.
كان عبد الناصر بالمناسبة يرى أن فاتن حمامة ثروة قومية، ولكن فاتن لم تكن تستطيع أن تعيش تحت وطأة تلك المخاوف.
سعاد حسني مثل فاتن وغيرها، تعرضت المحاولات لنفسها، وكان حلقة الوصل هو وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف الذي كان وقتها منتصف الستينات ضابطاً في المخابرات برتبة رائد ويحمل اسماً حركياً (موافي)ـ واستطاعت سعاد أن تواجه تلك الضغوط ورفضت أن تُصبح بمثابة عينٍ على زملائها.
سعاد لم تذكر أبداً في أي حوار لها تلك التفاصيل، بل كل ما حدث هو أن أوراقاً رسمية قبل نحو ثلاثين عاماً تناثرت، عن طريق جهاز حساس في الدولة لتفضح تلك المحاولة.
سعاد بطبعها لا تدخل في معارك صحافية ولا تتورط إعلامياً حتى في الإدلاء برأي يحمل انتقاداً لأحد من الزملاء، فما بالكم بجهاز حساس مثل المخابرات.
في القاهرة بمجرد أن عاد من لندن في مثل هذه الأيام جثمان سعاد حسني عام 2001 بدأت الشائعات التي طالت أيضاً صديقتها، وافترضت ضلوعها في تلك الجريمة، وكلها لو تأملتها، هي محاولات لا شعورية لنفي واقعة الانتحار.
واكب الانتحار شائعة أخرى، وهي زواجها من عبد الحليم حافظ، ووصل الأمر أن تصدر شقيقة لها قبل أقل من عام، كتاباً تؤكد فيه هذا الزواج، بل وتتضمنه وثيقة تؤكد ذلك _ ملحوظة تشكك الكثيرون ومنهم كاتب هذه السطور في صدقها _ حيث ذكرت شقيقتها أسماء شهود عيان من الراحلين، بالصدفة كنت التقيت بعضهم مثل الموسيقار كمال الطويل والإذاعي وجدي الحكيم، وكل منهما لم يذكر أبداً في حياته، أن هناك زواجاً قد تم، ولكن الكل يؤكد أنها قصة حب وصلت لمشارف الزواج وفي اللحظات الأخيرة تراجع عبد الحليم وشعرت سعاد بالإهانة ولم تكتمل القصة.
الحكاية بدأت عام 1959 أثناء تصوير الجزء الثالث من فيلم «البنات والصيف» الذي أخرجه فطين عبد الوهاب، وكانت سعاد حسني تؤدي شخصية شقيقة عبد الحليم، بينما زيزي البدراوي تؤدى دور حبيبته، وبعد ذلك سافرا معاً لإحدى الدول العربية، حيث قدمت سعاد عبد الحليم في حفل غنائي لأضواء المدينة، وكان من المفترض أن يتم شراء الكثير من مستلزمات الزواج من هناك، ولكن بعد الخلاف توقف المشروع.
طالب ورثة الراحلة من النائب العام قبل ثلاثة أعوام تشريح الجثة على أساس أن هناك جريمة، ورفض النائب العام في مصر أن يعيد مرة أخرى ملف القضية التي أغلقها القضاء البريطاني مؤكداً أنه لا توجد شبهة اغتيال.
هل نختصر سعاد في تلك الحكايات؟ ليست هذه هي «سعاد حسني» التي ستعيش مع الزمن، لا يعنيني إن كانت انتحرت أم قتلت... قناعتي الشخصية أنها انتحرت كل الملابسات التي تجسدت أمامي منذ إعلان الخبر تشير إلى انتحارها، ما تبقى من «سعاد» هو نفسه ما تبقى من «مارلين مونرو» نجمة السينما الأميركية بعد انتحارها. ما سيمكث في الزمن القادم، ليس هو ملابسات الرحيل، ولكن الأسطورة التي أسعدتنا ولا يزال إشعاعها الفني يعيش بعد حياتها وسيظل مشعاً بعد حياتنا!
تلك هي قناعتي بسعاد أنها النغمة الساحرة، ولكننا أحلناها إلى مجرد لغز ومخابرات ولعبة «عسكر وحرامية»، وبعدها يتم الزج بأشخاص غادروا حياتنا لا يملكون التأكيد أو النفي لتصبح الحكاية حراقة «سبياسي»، هل هم يريدون حقاً إماطة اللثام عن الحقيقة، أم الاتجار بسعاد حسني في الفضائيات؟!
سعاد حسني هي الفنانة بل الأيقونة التي عاشت بيننا 58 عاماً قدمت لنا عدداً من أهم أفلامنا، وعندما غنت اكتشفنا أنها تشكل في ذاكرتنا قسطاً وافراً من الأغنيات المبهجة التي رشقت في قلوبنا. سعاد الطفلة التي غنت وهي في الرابعة من عمرها في برنامج الأطفال «أنا سعاد أخت القمر بين البنات حسني اشتهر»، وكأنها تقرأ طالع الأيام لتصبح فعلاً هي أخت القمر، التي كنا ولا نزال نتطلع لشروقها مجدداً في فيلم تعيده الفضائيات أو أغنية نستعيد من خلالها هذا الصوت المبهج الساحر، كانت سعاد الفنانة إكسيراً سحرياً يصالح الناس على تحمل الحياة، نعم الحياة التي - مع الأسف - لم تستطع سعاد أن تتحملها!



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».