أنقرة تكثف من حراكها لإغلاق ملفات التوتر مع أوروبا

يلدريم بحث في أثينا تسليم «انقلابيين» وتعزيز العلاقات

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مع نظيره اليوناني ألكسيس تسيبراس أثناء مؤتمر صحافي مشترك  في أثينا أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مع نظيره اليوناني ألكسيس تسيبراس أثناء مؤتمر صحافي مشترك في أثينا أمس (إ.ب.أ)
TT

أنقرة تكثف من حراكها لإغلاق ملفات التوتر مع أوروبا

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مع نظيره اليوناني ألكسيس تسيبراس أثناء مؤتمر صحافي مشترك  في أثينا أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مع نظيره اليوناني ألكسيس تسيبراس أثناء مؤتمر صحافي مشترك في أثينا أمس (إ.ب.أ)

بدأت تركيا تحركا مكثفا لمحاولة إزالة الخلافات والتوتر مع عدد من الدول الأوروبية، تزامنا مع سعيها لإعادة مسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
وفي مسعى لتخفيف حدة التوتر، توجه رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إلى أثينا أمس، لتعزيز العلاقات مع اليونان. وزاد التوتر بين البلدين بسبب رفض القضاء اليوناني إعادة عدد من العسكريين الأتراك الذين شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف يوليو (تموز) 2015، فضلا عن زيارات مسؤولين عسكريين من الجانبين لجزر متنازع عليها في بحر إيجه، إضافة إلى التباين بشأن القضية القبرصية.
واستجاب يلدريم لدعوة نظيره اليوناني أليكسيس تسيبراس، ورافقه كل من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ووزير العمل والضمان الاجتماعي محمد مؤذن أوغلو، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية براءت ألبيرق، ووزير المواصلات والاتصالات والنقل البحري أحمد أرسلان.
والتقى رئيس الوزراء التركي، الذي كان قد طرح مع توليه رئاسة الحكومة في تركيا في مايو (أيار) من العام الماضي سياسة تذويب الخلافات وتطبيع العلاقات مع دول الجوار، نظيره اليوناني والرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس، قبل أن يزور السفارة التركية في أثينا. كما التقى رئيس حزب «الديمقراطية الجديدة» المعارض في اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، ثم انتقل إلى مدينة غوملولجينه (كوموتيني)، شمال شرقي اليونان، حيث تناول الإفطار مع أفراد في الأقلية التركية في اليونان.
واعتبر رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس أن عدم محاولة أي من البلدين الجارين التاريخيين الاستفادة من المشكلات التي يواجهها الآخر، رغم المشكلات التي عانت منها الدولتان مؤخرا (أزمة الديون في اليونان ومحاولة الانقلاب في تركيا)، أمر إيجابي.
بدوره، عبّر يلدريم في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اليوناني، عن رغبة تركيا في استعادة الانقلابيين الذين هربوا إلى اليونان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وقال: «لا نريد أن يلحق الانقلابيون ضررا بالعلاقات بين تركيا واليونان».
وفر 8 عسكريين من الجنود الأتراك إلى اليونان بمروحية عسكرية، ليلة محاولة الانقلاب إلى اليونان وتقدموا بطلب لجوء هناك. ورغم مطالبات السلطات التركية لنظيرتها اليونانية بضرورة تسليمهم لها، فإن الأخيرة لم تقم بذلك حتى الآن بسبب رفض المحكمة العليا إعادتهم إلى تركيا وعدم وجود ضمانات لمحاكمتهم محاكمة عادلة. وقال يلدريم: «نرغب ونريد إعادة الأشخاص الذي نفذوا انقلابا واضحا ضد بلدنا، فتركيا مرت بأيام صعبة، ونبدي احترامنا لقرارات القضاء اليوناني، ولكن نرغب في ألا يلحق الانقلابيون الضرر بالعلاقات بين البلدين».
وحول علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، أشار يلدريم إلى أن المرحلة التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة وخلال فترة التعديلات الدستورية في تركيا، شهدت مواقف سلبية من طرف الاتحاد الأوروبي، وأن هذه المواقف لا تسهم أبدا في تطوير العلاقات من الناحية الإيجابية بين الجانبين. وعاد ليستدرك: «من اليوم كل ذلك سيترك خلفنا، فالاتحاد الأوروبي وتركيا يرغبان في بداية جديدة وبرؤية جديدة».
وحول ما يتعلق بالقضية القبرصية، أكّد يلدريم أنها قضية يجب حلها من أجل تركيا واليونان على حد سواء. وشدد على ضرورة أن يكون هناك حل عادل من شأنه أن يضمن أمن المجتمعين التركي واليوناني في الجزيرة «المقسمة».
وكان الجانبان اليوناني والتركي في قبرص استأنفا مفاوضات حل القضية في 15 مايو 2015، برعاية الأمم المتحدة، وتتمحور المفاوضات حول 6 محاور رئيسة، هي: الاقتصاد، والاتحاد الأوروبي، والملكية، وتقاسم السلطة والإدارة، والأراضي، والأمن والضمانات. وتقف اليونان وتركيا على طرفي نقيض في هذه الأزمة.
وفي الإطار نفسه، قالت مصادر رئاسية لوسائل الإعلام التركية أمس إن الرئيس رجب طيب إردوغان سيقوم بزيارة إلى ألمانيا في السابع من يوليو (تموز) المقبل، تستمر يومين. وتعتبر هذه أول زيارة للرئيس التركي لبرلين منذ تصاعد الأزمة بين البلدين في العام الأخير، لا سيما عقب الاستفتاء حول التعديلات الدستورية الذي جرى في تركيا في أبريل (نيسان) الماضي، وما رافقه من خلافات بين البلدين ومنح ألمانيا حق اللجوء لأربعين من العسكريين الأتراك وأسرهم، كانوا يعملون في حلف الناتو في بروكسل وفروا إلى ألمانيا بعد أن عزلتهم السلطات التركية بدعوى انتمائهم لحركة الخدمة التابعة لفتح الله غولن الذي تتهمه السلطات بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة.
وتأتي الزيارة بعد أيام من إعلان برلين سحب قواتها من قاعدة إنجيرليك الجوية في تركيا بعد رفض أنقرة زيارة كانت مقررة في منتصف مايو (أيار) الماضي لنواب ألمان لجنود بلادهم المنتشرين بالقاعدة في إطار التحالف الدولي للحرب على «داعش».
وفشلت جولات من المفاوضات بين الجانبين في إنهاء الأزمة، حيث التقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إردوغان في بروكسل على هامش قمة الناتو في 25 مايو الماضي، ثم زار وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريل أنقرة في وقت سابق من الشهر الحالي لبحث الأزمة، لكنه قرر بعدها أن الأزمة في العلاقات مع تركيا تحتاج إلى وقت طويل لحلها. وأكدت الحكومة الألمانية، أول من أمس (الأحد)، أنها تعتزم نقل طائراتها من قاعدة إنجيرليك جنوب تركيا إلى قاعدة الأزرق الجوية الأردنية، اعتبارا من النصف الثاني من يوليو (تموز) المقبل. وقالت أورسولا فون دير ليين، وزيرة الدفاع الألمانية: «سيتم نقل طائرة ألمانية للتزود بالوقود في أسرع وقت ممكن بعد نهاية يونيو (حزيران) الجاري، وستعود إلى الخدمة في النصف الثاني من يوليو (تموز) المقبل، وسيتم أيضا نقل ست طائرات استطلاع من طراز (تورنادو) خلال شهرَين، من أغسطس (آب) إلى سبتمبر (أيلول) المقبلين، وينبغي أن تعود تلك الطائرات إلى الخدمة بالكامل اعتبارا من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».
وفي حين يشدد أعضاء في حلف شمال الأطلسي على حرية الدخول إلى القاعدة الجوية، تستمر أنقرة في رفضها لزيارة الوفد الألماني، عقب اعتراف البرلمان الألماني رسمياً، العام الماضي، بـ«الإبادة الجماعية» بحق الأرمن على يد العثمانيين الأتراك إبان الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي تنكره تركيا بشدة.
وتفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وبرلين على وقع سلسلة خلافات أخرى؛ كان آخرها منح عدد من العسكريين الأتراك الحاملين لجوازات سفر دبلوماسية مع عائلاتهم اللجوء إلى ألمانيا في مايو الماضي، رغم اعتراضات أنقرة، فضلا عن المطالبات الحثيثة بتسليمهم بتهمة مشاركتهم في الانقلاب الفاشل، وردت أنقرة بمنع زيارة النواب للمرة الثانية.
وتعد الأزمة في العلاقات بين أنقرة وبرلين هي أبرز مظاهر التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي وصفه إردوغان بأنه من بقايا النازية خلال فترة الاستفتاء على تعديل الدستور لإقرار النظام الرئاسي.
وبدأت أولى جولات الحوار السياسي بين الجانبين التي توقفت منذ أكثر من 5 أعوام على مستوى كبار المسؤولين في بروكسل الأسبوع الماضي، وينتظر أن تعقد على مستوى الوزراء خلال يوليو لبحث القضايا الخاصة بالعلاقات التركية - الأوروبية، وفي مقدمتها اتفاق الاتحاد الجمركي والمسائل الحقوقية والقانونية. كما تسعى أنقرة لإدراج مسألة إلغاء تأشيرة دخول الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق اللاجئين الموقع بين الجانبين في 18 مارس (آذار) من العام الماضي.
في المقابل، تواصل أنقرة تصريحاتها التي تحمل الاتحاد المسؤولية عن توتر العلاقات بسبب عدم الوفاء بالتزاماته. وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في تصريحات الليلة قبل الماضية إن على دول الاتحاد الأوروبي أن تكون صادقة في سياساتها وتعاملاتها مع الدولة التركية، وإن على الاتحاد تحمل نتائج سياساته الانحيازية واتباع ازدواجية المعايير ضد أنقرة، وإعادة النظر في سياساته تجاه تركيا والتعامل معها على أنها شريك استراتيجي.
ولوح صويلو بملف اللاجئين مجددا، قائلا: «يوجد على أراضينا ملايين اللاجئين الذين ينتظرون الذهاب إلى دول الاتحاد الأوروبي، فإما أن يكون الاتحاد الأوروبي صادقا في تعامله مع تركيا، أو يتحمل نتائج سياساته المنحازة للأطراف التي تعادي تركيا». وأضاف صويلو أن دول الاتحاد الأوروبي ليست صادقة في دعم مكافحة تركيا للمنظمات الإرهابية التي تهدد أمن وسلامة البلاد والمنطقة برمتها.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».