تصورات سوسيولوجية وانثربولوجية معاصرة للحركات الدينية

قراءة في المعالجات الفكرية بدول الغرب

مصلون في صحن مسجد ريجنت بارك بلندن («الشرق الأوسط»)
مصلون في صحن مسجد ريجنت بارك بلندن («الشرق الأوسط»)
TT

تصورات سوسيولوجية وانثربولوجية معاصرة للحركات الدينية

مصلون في صحن مسجد ريجنت بارك بلندن («الشرق الأوسط»)
مصلون في صحن مسجد ريجنت بارك بلندن («الشرق الأوسط»)

شكل الدين والحركات الدينية الاجتماعية موضوعا للدراسة من طرف علم الاجتماع الغربي. فقد كانت مدرسة السوسيولوجية الكلاسيكية، تتبنى النظرة الإبستيمولوجية لعصر الأنوار الفرنسي التقليدي، التي تؤكد أن الظاهرة الدينية مجرد شرط اجتماعي سيعرف تراجعا في عالم الحداثة والليبرالية. وتبعا لذلك فإن التحولات العلمية، وتطورية المجتمعات الغربية والعالمية، ستؤدي حتما لتراجع الدين واندثاره. وبمقابل هذه الأطروحة التقليدية، جاءت المدرسة المعاصرة لتقول بالعكس تماما، وتزعم أن الدين والحركات الدينية، جزء لا يتجزأ من السيرورة التاريخية الثقافية المادية والرمزية للنسق العام للمجتمعات المعاصرة، سواء كانت ديمقراطيات عريقة أم مجتمعات يسودها الاستبداد والحكم الفردي.
ورغم أن نقاش هيمنة العلمانية على الحياة الحديثة والمعاصرة، ظل محط اعتبار واحتفاء علمي إلى حدود الستينات من القرن العشرين؛ فإن الجدل الفلسفي حول الدين، وطبيعة تحول الفضاء العام الغربي زمن الحداثة، أدى إلى بروز مدارس نقدية من داخل الحداثة. ففي سبيل مدارسة الدين وقضايا الحركات الدينية المنبعثة من داخل نسق الحداثة عملت مدارس علم الاجتماع على طرح مقاربات جديدة، ناقشت قضية الدين والعَلمانية، وقدرة كل منهما على تجاوز الآخر؛ كما أعادت البحث في الجدلية الاجتماعية للدين بعد ثمانينات القرن العشرين مع ظهور ما أطلق عليه خوسيه كازانوفا عالم الاجتماع: «الدين العام».
بالنسبة لخوسيه كازانوفا الأستاذ بالمعهد الجديد للبحوث الاجتماعية بجامعة شيكاغو، فإن توسع نطاق الظاهرة الدينية ليس صدفة تاريخية، وأن هذه العودة معقدة وتضع العلوم الاجتماعية والحداثة أمام تحد حقيقي يتعلق «بإعادة التفكير منهجيا بالعلاقة بين الدين والحداثة، والأهم من ذلك بالأدوار المحتملة التي قد تؤديها الأديان في النطاق العام للمجتمعات الحديثة» (الأديان العامة في العالم الحديث ص 17). في هذا السياق يمكن القول إن إميل دوركهايم وهو يتحدث عن السيرورة التاريخية للعلمنة؛ أشار للدور المركزي للدين باعتباره «التعبير المركز عن الحياة الجماعية برمتها»، وبالتالي فإن قوة الدين كامنة في قدرته على إنتاج كل ما هو أساسي في المجتمع. ومن هنا يعتبر دوركهايم أن دراسة الدين، تُعنى أساسا بالكشف عن الجوهر الاجتماعي الأصيل للدين في الحياة العامة؛ والنفاذ لجوهر المجتمع قصد الوصول «لخصائصه العلمانية»، والتعامل معها بشكل علمي عقلاني، يفصلها عن كينونتها الرمزية. فالنسبة لدوركهايم فالدين يتحدد بالنسبة له انطلاقا من التمييز الذي ينشئه الناس بين المقدس والدنيوي، فثمة شعور اعتقادي نواته «خشية فريدة من نوعها، يغلب فيها الاحترام على الخوف، ويطغى انفعال ذو طبيعة مميزة جدا توحي به الجلالة إلى الإنسان»؛ ومن هنا يخلص دوركهايم إلى أن الحقيقة الدينية غير وهمية، وأن الاختبار الديني هو اختبار لحقيقة اجتماعية صلبة.
هذه الفكرة نجدها كذلك عند عالم الاجتماع ويليام زيمّل، وماكس فيبر؛ حيث يتحدث زيمّل عن مركزية الورع الذي يقترن بفكرة الألوهية، وهو بذلك يعتبر عالم المقدس عالما مضايفا للقيم، وهو بذلك ذو صبغة مميزة ثاوية فيه. وعليه، يكون المطلوب - بحسب العالم السوسيولوجي الفرنسي ريمون بودن - من «عالم الاجتماع لا الأخذ بحرفية تفسيرات الإنسان المتدين، بل تحليل هذا الاختبار الديني بالارتكاز إلى مبادئ علمية، من غير أن يسعه الموافقة على نظرية تختزله إلى وهم» (أبحاث في النظرية العامة في العقلانية العمل الاجتماعي والحس المشترك ص 248).
علينا أن ننتبه من جهة أخرى إلى أن دراسة الدين من زاوية إنتربولوجية، قد تعرض هو كذلك للتطور والتقلب المعرفي؛ ذلك أن التبريرات العلمية ومزاعم العقلنة الكلاسيكية، أثرت على منهج اشتغال الأنتربولوجي، مما أسقطه في العيش على التراث الضيق للتفسير ومفاهيمه وافتراضاته القديمة، التي سادت فترة ما قبل الحربين العالميتين. ويبدو أن هذا الحقل العلمي الغربي بعد الحرب العالمية اقتات عموما من إنتاجات دوكهايم، فيبر، فرويد، مالينوسكي، الشيء الذي جعله في حالة ركود عام بتعبير الإنتربولوجي الإنجليزي الشهير كليفورد جيرتس.
فقد تنبأ كل من دوركهايم وماكس فيبر باندثار الدين التقليدي في العالم المعاصر؛ غير أن هذا الطرح تكذبه الوقائع السوسيولوجية في العالم، حيث يتسع انتشار الجماعات الدينية المسيحية والإسلامية وغيرهما، حتى قيل إن «القرن العشرين قرن الدين بامتياز». من الزاوية العلمية كان توماس لوكمان من الأوائل الذين انتقدوا مقولة الاندثار هذه، وجاء بأطروحة جديدة في كتابه «الدين غير المرئي»؛ نادت بفصل العَلمنة عن أسسها الآيديولوجية، لكنه خلص إلى نتيجة يكذبها حاضر الإسلام والمسيحية، والبوذية، تقول إن الدين سيتعرض لفقدان وظائفه التقليدية، وسيخصص ومن ثم يتعرض للتهميش العام.
هذا المأزق العلمي الذي سقطت فيه مثل هذا الدراسات، دفع بخوسيه كازانوفا، وهو يتحدث عن عودة الدين للمجال العام، إلى المناداة باعتماد خيارين علميين اتجاه مثل هذه الدراسات؛ الأول، يقول بإهمالها لأنها وصف غير علمي، وهو ما أصبح نهجا عاما في عالم الاجتماع الغربي المعاصر، والثاني مراجعة النظرية بطريقة تستطيع الرد على منتقديها وفي نفس الوقت الاستجابة للأسئلة التي يطرحها الواقع المعاصر.
في سياق التطور البحثي السوسيولوجي الغربي المعاصر حول الدين، وانسجاما مع السياق المذكور أعلاه؛ يعتبر عالم الاجتماع الأميركي بتير إل بيرجير أن «تصورنا أننا نعيش في عالم علماني هو تصور خاطئ فالعالم اليوم - مع استثناءات سوف أعود إليها - هو ديني تماما مثلما كان في السابق بل وأكثر من ذلك في بعض الأماكن، وهذا يعني أن مجموعة الأعمال الآنية التي قام بها المؤرخون وعلماء الاجتماع مثل (نظرية العلمنة) هي بالأساس خاطئة».
إن هذه الخلاصة تجرنا لتعميق النقاش حول أطروحة العلمنة، ونسبيتها وآيديولوجية طرحها التحليلي، لعلاقة الفصل بين الدين والسياسة، وبين المجال العام والخاص، والرمزي والمادي. فمن جهة أصبح علماء الاجتماع المعاصر شبه متفقين على تراجع السطوة السياسية للدين، مع استثناء للولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر وضعا خاصا؛ ومن جهة ثانية، لا بد من الاعتراف أن التدين العلماني أو العلمانية المتدينة، أصبحت واحدة من مظاهر المجتمع الغربي المعاصر، ومن جهة ثالثة، يمكن القول بشكل أكثر علمية وتفسيرية، إن مسار الحداثة والعلمنة لا يعني انتصار هذه الأخيرة في العالم الغربي ومجتمعاته الحالية.
ويمكننا تلخيص هذا الطرح استنادا لما جاء به واحد من أبرز علماء الاجتماع المعاصر أنتوني غدنز؛ حيث أوضح أن التقييم العلمي لمسار أطروحة العلمنة يقتضي من السوسيولوجيين إبداء ثلاث ملاحظات جوهرية لتفسير الوضع. الأولى: «هي أن موقع الدين في المجتمعات الغربية هو أكثر تعقيدا وتشعبا مما يظن أنصار أطروحة العلمنة.. والملاحظة الثانية، هي أن العلمنة لا يمكن قياسها على أساس الانتساب إلى المؤسسات الدينية المتعارف عليها (يقصد الانتماء للكنيسة).. أما الملاحظة الثالثة وربما الأهم، فهي غياب العَلمنة في أكثر المجتمعات غير الغربية، بل إننا نلاحظ، في المقابل تعاظم الأصولية الدينية، على مستوى مؤسسات الدولة أحيانا، أو الحركات الدينية السياسية في أغلب الأحيان» (أنتوني غدنز: علم الاجتماع ص 588 - 589).
عموما يمكن القول إن جهود دراسة الدين والحركات الدينية من زاوية حقل الاجتماع والإنتربولوجيا، أخذ منحى جديدا معاصرا وبارزا منذ نشر كيلفورد غيريتس مقالته الشهيرة «الدين بوصفه نسقا ثقافيا»، والذي أعيد نشره في كتابه «تفسير الثقافات» الذي صدر سنة 1973، فقد استطاع غيريتس أن يثبت ثقافية الدين من حيث الرمز والمعنى، ويكشف عن ثغرات الإنتربولوجية الدينية التقليدية، التي لم تدرك أن «الدين نظام رموز يقوم بتأسيس أمزجة ودوافع قوية واسعة الانتشار وشاسعة عن طريق صياغة مفاهيم لنظام عام للوجود وإلباس هذه المفاهيم هالة من الواقعية الفعلية بحيث تظهر الأمزجة والدوافع صحيحة بشكل فريد» (غيرتس: الدين بوصفه نسقا ثقافيا ص 4).
* أستاذ زائر للعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».