بوادر مواجهة قرب حلب بين «سوريا الديمقراطية» و«درع الفرات»

فصائل الباب تنهي المظاهر المسلحة

بوادر مواجهة قرب حلب بين «سوريا الديمقراطية» و«درع الفرات»
TT

بوادر مواجهة قرب حلب بين «سوريا الديمقراطية» و«درع الفرات»

بوادر مواجهة قرب حلب بين «سوريا الديمقراطية» و«درع الفرات»

أثارت تهديدات متبادلة بين «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية التحالف الدولي بقيادة واشنطن وبين فصائل «درع الفرات» المدعومة من تركيا مخاوف من اندلاع مواجهات بين الطرفين، رغم تقليل قيادات من الطرفين من أهميتها.
وتوعد قيادي من الصف الثاني في «سوريا الديمقراطية» باجتياح ريفي حلب الشمالي والشرقي، بعد انتزاع مدينة الرقة من تنظيم داعش. فيما ردّ قيادي في «درع الفرات»، معتبرا أن «الميليشيات التي بات نفسها للخارج، هي أصغر من أن تهدد بفتح جبهة ضدّ (درع الفرات)»، مؤكدا أن «معركة الثوار المقبلة، هي معركة ضرب المشروع الانفصالي».
وقال رافي بن لادن، القيادي في مجلس منبج العسكري، التابع لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، في تسجيل فيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «حملتنا مستمرة على الرقة، وسنُحرِّر المدينة عن قريب». وأضاف: «أين المفر يا (درع الفرات)؟»، مهددا بـ«اجتياح مدن وبلدات في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي، الخاضعة لقوات (درع الفرات)»، قائلا: «هي الخطوة التالية بعد الرقة». ونفى هذا القيادي الأنباء التي تناقلها ناشطون في ريف حلب الشمالي، عن اعتقال قوات حزب الاتحاد الديمقراطي له الفترة الماضية.
لكنّ شرفان درويش، رئيس المجلس العسكري في منبج، قلل من أهمية كلام بن لادن، وأوضح أن الأخير هو عنصر في مجلس منبج وليس قياديا، وما أدلى به جاء ردة فعل على حملات شنها ضده مؤيدو «درع الفرات» على وسائل التواصل الاجتماعي. وأكد درويش لـ«الشرق الأوسط»، أن «معركة (قوات سوريا الديمقراطية) الآن هي تحرير الرقة، وما بعد الرقة سنتجه نحو دير الزور، لأن معركتنا الآن مع (داعش)»، لكن استطرد قائلا إن «الحديث عن مهاجمة مناطق (درع الفرات) سابق لأوانه، وليس ضمن مداولاتنا الآن». وأضاف: «قوات درع الفرات والجيش التركي دائما ما يهاجمون مناطقنا، وهذا لن يمرّ من دون ردّ، وعندما نتعرض لاعتداء سندافع عن أنفسنا»، مذكرا بأن «الجيش التركي الموجود في شمال سوريا هو قوّة احتلال».
وتمكَّنت فصائل الجيش السوري الحرّ، التي تدعمها تركيا من طرد تنظيم داعش من مدن عدة، أهمها جرابلس والراعي ودابق، وأخيرا مدينة الباب.
واعتبر القيادي في «درع الفرات» مصطفى سيجري، أن «هذا التهديد ليس غريبا عن ميليشيات باعت نفسها للخارج مقابل وعود واهية». ورأى أن «هذه الميليشيات هي أصغر من أن تتوعد بفتح معركة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بيننا وبينهم حساب قديم لم ينته بعد، لا يمكن أن ننسى ما فعلوه في تل رفعت ومنغ وعين دقنة وباقي القرى التي احتلوها بدعم من الطيران الروسي، ولا يمكن أن ننسى عشرات الآلاف من المهجرين من قراهم بسبب خيانة هذه الميليشيا وغدرها، والميدان سيكون الحكم». ودعا القيادي في «درع الفرات» الأكراد الشرفاء إلى «اتخاذ موقف حازم في مواجهة هذه الميليشيا، وقطع الطريق عليها وعدم السماح لها بالمتاجرة بالشباب الكردي». وشدد سيجري على أن «هؤلاء يضيعون مستقبل الأكراد، من خلال وضعهم في خانة العداء مع الشعب السوري، وتسخير طاقاتهم في خدمة المشاريع الخارجية التي تهدف إلى سرقة ثرواتنا وبسط سيطرتها على أرضنا». وكانت تركيا أطلقت في أغسطس (آب) الماضي، عملية «درع الفرات» في شمال سوريا، من أجل أن تُبعد عن حدودها الجنوبية تنظيم داعش و«قوات سوريا الديمقراطية»، التي تشكل وحدات الحماية الكردية المكون الرئيسي فيها، وتصنّفها أنقرة «جماعة إرهابية». وفي مارس (آذار) الماضي، أعلنت الحكومة التركية انتهاء عملية «درع الفرات» بنجاح.
ورفض مصطفى سيجري، رسم سيناريوهات لما قد يحصل، في حال هاجمت «سوريا الديمقراطية» مناطق سيطرة «درع القرات»، لكنه قال: «بالتأكيد لن نكتفي بالتصدي لهؤلاء، بل ستعود الحقوق إلى أصحابها، وستقطع اليد التي تتجرأ على توجيه السلاح باتجاه أهلنا»، مؤكدا أن «معركتنا كثوار هي قطع الطريق على المشروع الانفصالي»، مذكرا بأن «تركيا دولة شقيقة دخلت لتساعدنا في حربنا ضد الإرهاب بكل أشكاله وأسمائه، وهي معنية بالدفاع عن المناطق التي يوجد فيها جنودها، ومعنية أيضا بحماية المدنيين العزل».
وفي سياق متصل، اتفقت الفصائل العسكرية في مدينة الباب على إنهاء كل المظاهر المسلحة في المدينة، وتركيز العمل الأمني بيد جهة واحدة، تكون مسؤولة وحدها عن الأمن، ويأتي هذا الاتفاق لمنع الاعتقالات التعسفية أو التمادي بين الفصائل.
وتضمن الاتفاق الذي وقع عليه 13 فصيلاً، إلى جانب المؤسسة الأمنية والمجلس العسكري ومجلس مدينة الباب «إخلاء جميع الفصائل والقوى العسكرية مقراتها من داخل المدينة، ومنع إطلاق الرصاص داخل المدينة تحت طائلة سحب السلاح وتوقيف الفاعل، ومنع تجوال عناصر الفصائل العسكرية ضمن المدينة أثناء حملهم السلاح». وحظّر الاتفاق «وضع اللثام لجميع المدنيين والعسكريين حتى أثناء القيام بعمل مداهمة ما موكلة إليهم». واتفقت الفصائل على «منع اعتقال أي شخص من قبل أي فصيل كان، على أن تتم اعتقالات بحق المشتبه بهم عن طريق المؤسسة الأمنية والمجلس العسكري حصراً».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم