تثمر شجرة البندق وتطعم حتى عامها الثمانين، والأغرب من هذا أنها فريدة من نوعها، إذ تزهر وتلقح في منتصف الشتاء، وبعدها تحمل الرياح حبوب اللقاح إلى زهرة حمراء صغيرة، حيث تبقى نائمة حتى شهر عندما يبدأ الجوز في التشكيل.
وللبندق عند الناس سحر خاص، بسبب شكله الكروي الجميل، أو بسبب طعمه اللذيذ الذي لا يمكن مقارنته بطعم آخر. وفي عالم المكسرات، عادة ما يكون البندق الأغلى والأفخر من بين كثير من الأنواع الطيبة التي يرغبها الناس.
في المعجم الوسيط، يأتي تعريف البندق على أنه: «نبات من الفصيلة البتوليَّة، بعض أنواعه يُزرع لثمره أو للتَّزيين، وبعضها يُزرع في الأحراج، وتُطلق الكلمة أيضاً على ثمار ذلك النبات، وهي ثمار لوزيَّة صغيرة مستديرة لذيذة الطَّعم، يُستخرج من بذوره دُهن يقوم مقام دهن اللَّوز».
وقد عثر علماء الآثار على كومة كبيرة من قشور البندق في جزيرة كولونساي الاسكوتلندية عام 1995، ويعود تاريخ تلك القشور إلى العصر الحجري المتوسط، وبالتحديد إلى عام 7000 قبل الميلاد. وكانت كمية القشور الضخمة القريبة من الشاطئ مشوية ومحروقة. كما عثر على كميات أخرى من البندق في مناطق مختلفة من بريطانيا، كجزيرة آيل أوف مان وفارنام ومنطقة ساري المعروفة. ويبدو من الأبحاث الأخيرة بهذا الصدد أن حرق البندق يعود إلى نشاطات اجتماعية في الجزيرة، حيث تبين أن أهل الجزيرة قد قطعوا أشجار البندق في الجزيرة في العام نفسه نتيجة النقص في الحيوانات والطيور، واعتماد أهل الجزيرة على الحمية النباتية.
ومن المعروف أنه يمكن تناول البندق وأكله دون تحميصه، لكن عملية التحميص تساعد على حفظه لفترات أطول، بالإضافة لسهولة هضمه من قبل الأطفال، وقد كان البحارة يستخدمونه بكثرة منذ زمن طويل لأنه يبقى صالحاً للأكل بعد فترات طويلة من تحميصه. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الرومان اعتمدوا على البندق وزرعوه بكثرة، خلال وجودهم في الجزر البريطانية قديماً، ولم تنتشر أنواعه الكثيرة في الجزر هذه إلا في نهاية القرن السادس عشر، وقد ازداد هذا الاهتمام في بداية القرن التاسع عشر.
وتقول المخطوطات التي عثر عليها في الصين، ويعود تاريخها إلى عام 2838 قبل الميلاد، إن هناك أدلة تاريخية تشير إلى أن المكسرات تشكل جزءاً مهماً من التغذية البشرية منذ فترة طويلة من التاريخ، وإن البندق كان يعتبر واحداً من أهم 5 مواد غذائية مقدسة أنعم بها الله على البشرية، وإن ذلك مستمر منذ أكثر من 4798 سنة.
وجاء ذكر الاستخدامات الطبية للبندق في «كتاب الحشائش» (de Materia Medica) للفيزيائي والطبيب الإغريقي المعروف ديسقوريديس قبل أكثر من ألفي عام. ولطالما ارتبط البندق رمزياً وتاريخياً بالسلام والصفح والمصالحة، وكان من النباتات المقدسة عند بعض الشعوب. وقد ارتبط اسمه أيضاً بإله التجارة وحامي القطعان والقوافل، الإله الإغريقي هيرميس بن زيوس ومايا.
وفيما يقول البعض إن البندق انتشر من شمال الأناضول باتجاه الصين والعالم قاطبة بعدها، يقول البعض إنه جاء إلى تركيا من وسط آسيا، وانتشر بعدها في جميع أنحاء العالم.
ولا عجب أن تكون تركيا أكبر منتج ومصدر للبندق في العالم. ويعتبر البندق التركي من أفخر وأجود أنواع البندق في العالم. وتنتج تركيا 70 في المائة من الناتج العالمي منه، وتصدر 80 في المائة من إنتاجها إلى الخارج. وتشتهر ولاية «أوردو»، الواقعة شمال تركيا على البحر الأسود، بإنتاج معظم البندق التركي. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن عائدات تركيا من تصدير البندق العام الماضي (2016) وصلت إلى ملياري دولار تقريباً. وقد صدرت أكثر من 227.556 ألف طن، معظمه كان إلى أوروبا، خصوصاً إيطاليا وفرنسا وألمانيا. لكن تركيا ليست البلد الوحيد في عالم البندق، فهو يكثر في اليونان أيضاً وإيران وإيطاليا وإسبانيا وأذربيجان وأوكرانيا وروسيا وجورجيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والصين وسوريا، وبالتحديد في منطقة بتيسة في محافظة حمص.
ولطالما استخدم الناس منذ قديم الزمان البندق في مجال الأدوية، وكمنشط للجسم، وكعلاج لكثير من المشكلات الصحية كالكحة والنزلات الصدرية وعلاج الصلع؟ كما تعرض ابن سينا لفوائد البندق، وحصل الأمر نفسه مع ابن موسى، الذي قال: البندق أكثر تغذية من الجوز، وهو يقوي الأمعاء وينظفها من المواد السامة والغازات الضارة. وكان البندق للغايات الطبية، وككثير من المواد، يخلط بالعسل والفلفل الأسود المطحون لعلاج النزلات الصدرية وغيره. كما كان البعض يستخدم قشوره المحمصة المطحونة لعلاج الصلع، وهو من الخرافات الطبية القديمة الكثيرة.
ومن المعروف أن تناول البندق مع التين بعد وجبات الطعام يزيد من فائدته للصحة. ووفقاً للكتب الحديثة، يعتبر زيت البندق مهم جداً في مسألة علاج «الديدان الشريطية في أمعاء الأطفال، وهو يستخدم أيضاً كمنشط للشعر». وعادة ما يوصف البندق إلى جانب الجوز والفستق والفاكهة المجففة للمصابين بعسر الهضم.
ويقول الدكتور جميل القدسي، في هذا الإطار، إن البندق ربما كان واحداً من «أروع المكسرات وأكثرها فوائد على الإطلاق، فالدراسات تشير إلى غناه بعنصر النحاس، وكذلك المغنيسيوم. وهذان العنصران يساهمان في تخفيف العملية الالتهابية، ولذلك كان تناول البندق في الأمراض المزمنة الالتهابية، مثل الربو وحساسية الصدر وحساسية الأنف»، ويضيف: «وبما أن البندق غني بالدهون المشبعة وأوميغا 3، فهو مفيد للقلب ومانع لتصلب الشرايين (...) وهو مهدئ للجهاز الهضمي، ويساهم في تخفيض الوزن».
ويقال أيضاً إن البندق يقي من الإصابة بسرطان الرئة وسرطان البروستات لما يحتوي عليه من مواد وفيتامينات هامة تقي من هذه الأنواع من السرطانات. ويعتبر البندق من أفضل المغذيات للدماغ، حيث يساعد على الوقاية من ألزهايمر الذي يحدث مع تقدم العمر، ويحسن الصحة العصبية والذاكرة العاملة، ويحل مشكلات وظيفة الحركة. كما أن للبندق أيضاً تأثيراً كبيراً على نوعية الحيوانات المنوية، مما يساعد في معالجة العقم عند الرجال.
وإذا كانت الحامل ترغب بإنجاب أنثى على خطى الإغريق والفراعنة والتقاليد القديمة في هذا الحقل، ينصح البعض بتناول الحليب ومشتقاته والخبز المصنوع من القمح الأبيض واللوز وعباد الشمس وسمك السردين والسلمون والمحار والبندق.
وللبندق طائر خاص به يعرف بـ«كسار البندق، وهو من الفصيلة الغرابية، ويوجد منه نوعان: واحد أوروبي، وواحد أميركي، وبشكل عام و«شأنها شأن طيور الغربان، لها منقار طويل لكسر البندق وفتحه. وهي تختزن البندق لكي تحصل عليه في أيام الشتاء الجليدية القاسية. كما أنها تفتح كيزان الصنوبر للحصول على ما فيه من البذور»، كما تقول الموسوعة الحرة.
البندق... ثمرة لا تشبه سواها
من بين أهم 5 مواد غذائية أنعم بها الله على البشرية
البندق... ثمرة لا تشبه سواها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة