نفى وزير العدل الأميركي جيف سيشنز خلال إدلائه الثلاثاء الماضي بشهادة أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن يكون متواطئاً مع الحكومة الروسية، معتبراً أنها «كذبة مشينة وبغيضة». وندّد سيشنز خلال جلسة الاستماع بشدة بما ينسب إليه من تصرّف بشكل غير لائق خلال لقاءات مع مسؤولين روس أو أنه كان على علم بأي محاولة للتواطؤ مع موسكو من جانب أفراد في الفريق الانتخابي للرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ورفض سيشنز مراراً أن يكشف ما إذا كان تحدّث إلى الرئيس حول طريقة تعاطي المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) جيمس كومي مع التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية. وكان كومي قد أقيل بشكل مفاجئ أخيراً على خلفية هذا الملف.
يعيش مشرّعو الكونغرس الأميركي على وقع مستجدات التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، التورط المحتمل لمقربين من الرئيس دونالد ترمب مع موسكو. ويحظى وزير العدل الأميركي جيف سيشنز باهتمام كبير في هذا التحقيق، بعدما نأى بنفسه عن التحقيق قبل أسابيع ومثل أمام لجنة في مجلس الشيوخ.
جدير بالذكر، أنه سلط الضوء على سيشنز حتى قبل انطلاق التحقيق في الصلات الروسية، إذ كان أول عضو في مجلس الشيوخ يدعم ترشيح ترمب للرئاسة وواجه معارضة شرسة خلال جلسة استماع مثيرة للجدل في الكونغرس للموافقة على تعيينه وزيرا للعدل.
بطاقة شخصية
ولد جيفرسون «جيف» بورغارد سيشنز الثالث، وزير العدل الأميركي الحالي، في مدينة سيلما بولاية آلاباما (في جنوب الولايات المتحدة) في 24 ديسمبر (كانون الأول) 1946، لأب يعمل مالكاً لأحد المتاجر. وحصل سيشنز على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية هنتينغدون، وهي جامعة بروتستانتية خاصة في الولاية، عام 1969، وبعد ذلك بأربع سنوات نال الإجازة في الحقوق من جامعة آلاباما. وزاول سيشنز في السبعينات مهنة المحاماة بجانب نشاطه السياسي، ثم التحق بقوات الاحتياط في الجيش، وما زال يعتبر تلك الفترة «واحدة من أغنى فصول حياته».
رشح الرئيس الأسبق رونالد ريغان جيف سيشنز عام 1981 لمنصب المدعي العام للمقاطعة الجنوبية القضائية في آلاباما، ووافق مجلس الشيوخ على ذلك، لكن المجلس رفض عام 1986 ترشيحاً أصدره الرئيس بتعيين سيشنز قاضياً فيدرالياً بسبب اتهامات متعلقة بالعنصرية.
عام 1997 انتخب سيشنز لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي عن أحد مقعدي ولايته آلاباما، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى تعيينه وزيراً للعدل. ويذكر أن سيشنز دائماً ما يطرح نفسه «مدافعا قويا عن المؤسسة العسكرية الأميركية»، باعتباره عضواً في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ. وما يستحق الإشارة أن أسئلة المشرّعين الأميركيين خلال جلسة تثبيت تعيينه في الكونغرس تطرقت إلى سجله عندما كان مدّعياً عاماً في آلاباما، وهي الفترة التي يركز عليها الديمقراطيون ومنظمات الدفاع عن الحقوق المدنية. وتنتقد هذه المنظمات كما نقلت تقارير إعلامية أميركية في حينه رفضه الإجهاض ومعارضته زواج المثليين. وحقاً كمسيحي بروتستانتي يميني محافظ، يعتبر سيشنز الزواج «ارتباطاً مقدساً بين رجل وامرأة».
أيضاً، وصف مشكّكون سيشنز بأنه «صاحب آراء يمينية متشددة جداً»، خصوصا فيما يتعلق بقوانين الهجرة، كما ينظر إليه على أنه ُمعاد للأقليات، ولهذا السبب عارض الكثير من مشاريع القوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق فئات مضطهدة داخل المجتمع الأميركي.
وبسبب كل هذه الآراء والمواقف عارض البعض تعيينه وزيرا للعدل، ووجّه إليه مشرّعون ديمقراطيون أسئلة محرجة في لجنة الشؤون القضائية بالكونغرس التي تولت الاستجواب. ومن بينها، سؤال يتعلق بموقفه المفترض من توجيهات غير منطقية قد يتلقاها من الرئيس ترمب، وما إذا كان سينفذ تعليمات مخالفة لمنطق القانون أم سيرفضها. ولم يتردد سيشنز، المرشح آنذاك، في القول إنه «سوف يمثل الوطن الأميركي وليس الرئيس»، مؤكدا أنه سيقدم استقالته من المنصب «في حال تعارضت تعليمات الرئيس مع مصالح الشعب، أو مع الدستور والقانون».
التعيين... وروسيا
في أي حال، لم تمنع أصوات المعارضة الديمقراطية تثبيت تعيين السيناتور الجمهوري المحافظ، البالغ من العمر 69 سنة، وزيرا للعدل، زملاءه الجمهوريين في مجلس الشيوخ من الإشادة بقدراته ومؤهلاته لشغل هذا المنصب.
إلا أن سيشنز تلقى أول ضربة سياسية منذ توليه منصبه في مارس (آذار) الماضي، بعدما أعلن تنحيه عن المشاركة في التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» حول التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
يومذاك، أعلنت وزارة العدل الأميركية أن الوزير تنحى عن التحقيق بسبب مشاركته في الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترمب. وأوضح المتحدث باسم الوزارة إيان برايور في بيان: «لهذا السبب، وهذا السبب فقط» رفض وزير العدل المشاركة في التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي حول التدخل الروسي. ولم يأت المتحدث على ذكر الاتصالات بين سيشنز وبين السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك مع أنه أقرّ بأنه التقى به مرتين العام الماضي.
وكان جيمس كومي، مدير «إف بي آي»، الذي أقاله ترمب من منصبه في 9 مايو (أيار) قد صرّح أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ بأنه كان يعتقد أن سيشنز سيتنحى في وقت أبكر من التحقيق لأسباب لم يشأ كشفها في الجلسة العلنية. وعند سؤال كومي عن «علاقات وزير العدل مع الروس أو سلوكه إزاء التحقيق»، رد بالقول إن سيشنز «كان قريباً جداً من روسيا، وكان سيتنحى حتما لعدة أسباب»!
جلسة الاستماع
وحتى الثلاثاء الماضي، سادت شكوك بين المشرّعين الأميركيين حول علاقة سيشنز بموسكو ولقاءاته غير المعلنة مع مسؤولين روس. إلا أنه سعى إلى تبديدها خلال جلسة استماع علنية أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ. وفي حين أوضح سيشنز أسباب لقائه مع السفير الروسي في واشنطن، استاء الديمقراطيون من تحفظه ورفضه الإفصاح عن معلومات أساسية في التحقيق.
ما حصل أن وزير العدل رفض خلال إدلائه يوم الثلاثاء الماضي بشهادة أمام مجلس الشيوخ أن يكون «متواطئاً» مع الحكومة الروسية، معتبرا أن التهمة «كذبة مشينة وبغيضة». كذلك ندد سيشنز خلال جلسة الاستماع بشدة بما ينسب إليه من أنه تصرّف بشكل غير لائق خلال لقاءات مع مسؤولين روس أو أنه كان على علم بأي محاولة للتواطؤ مع موسكو من جانب أفراد في الفريق الانتخابي للرئيس الأميركي ترمب.
أيضاً رفض سيشنز مراراً أن يكشف عما إذا كان قد تحدث إلى الرئيس ترمب حول طريقة تعاطي المدير السابق لـ«إف بي آي» جيمس كومي مع التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية.
العلاقة الشخصية بترمب
على صعيد آخر، كان سيشنز، المقرب جداً من الرئيس ترمب، من أوائل مؤيدي ترشحه للانتخابات الرئاسية، وفيما يراه خصومه محاباة للرئيس اتخذ قراره بالتنحي عن كل التحقيقات الخاصة بالتدخل الروسي المزعوم. ومن ثم، بعدما أوصى بإقالة كومي خلال مايو الماضي، وجد سيشنز نفسه في قلب الأزمة التي يواجهها البيت الأبيض الآن.
في جلسة الاستماع بدأ سيشنز شهادته بالتأكيد أنه «لم يلتق أبدا أو يجر أي محادثات مع مسؤولين روس» حول الانتخابات الرئاسية في عام 2016، ثم قال: «لا علم لي بأي محادثات قام بها أحد مرتبط بالحملة الانتخابية لترمب»، مضيفا: «الإيحاء بأنني شاركت في أي تواطؤ أو كنت على علم بحصول تواطؤ مع الحكومة الروسية لإيذاء هذا البلد... كذبة مشينة وبغيضة». وكانت هذه الجلسة الشهادة الأولى التي يدلي بها سيشنز تحت القسم منذ تعيينه وزيرا للعدل في فبراير (شباط).
الجلسة التي استمرت ساعتين ونصف الساعة شهدت تبادلات حادة مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ – بينهم السيناتورة الديمقراطية كامالا هاريس من ولاية كاليفورنيا – الذين طالبوا سيشنز بتفاصيل حول محادثاته مع ترمب رفض الوزير الأميركي الكشف عنها، مبرراً ذلك بضرورات «المحافظة على السرية». مع هذا، حذر بعض أعضاء الكونغرس الديمقراطيين سيشنز من أنه يبدو وكأنه يرفض التعاون حول مسائل أساسية.
أبعاد التحقيق - الأزمة
وقال السيناتور مارتن هينريتش (ديمقراطي من ولاية نيو مكسيكو) إنه قد يتسبب في «عرقلة تحقيق الكونغرس». وكان كومي لدى إدلائه بشهادته أمام اللجنة نفسها قبل أسبوع، قد قال إن ترمب طلب منه «التخلي» عن فتح تحقيق حول مستشار الأمن القومي السابق الجنرال مايكل فلين، ما يمكن أن يعرض الرئيس لاتهامات بعرقلة القضاء. ويذكر أن الجنرال فلين كان قد أرغم على الاستقالة بعد أسبوعين من توليه مهامه وسط شكوك بأنه كذب حول اتصالاته مع مسؤولين روس. ومن ثم، عبر ترمب عن إحباطه إزاء الضغوط التي يتعرض لها وزيره سيشنز حول اتصالاته مع روسيا.
ومع أن وزارة العدل أعلنت أن سيشنز تنحى عن التحقيق في مارس بسبب دوره في حملة ترمب، فإن كومي قال في شهادته إن «إف بي آي» كان على علم بوقائع من شأنها أن تطرح «إشكالية» في حال شارك سيشنز في التحقيق.
وعند سؤال سيشنز حول ماهية هذه المعلومات، قال: «ليس هناك شيء»، مضيفا: «هناك إيحاء سرّي يتم تسريبه عني، وأنا لا أحب ذلك». ويذكر أنه بعد أقل من شهر على قرار ترمب إقالة كومي، سرت شائعات بأنه ربما يسعى إلى طرد روبرت مولّر المحقق الخاص الذي عينه الكونغرس لتولي التحقيق حول التدخل الروسي. وحول هذه النقطة بالذات، رفض سيشنز التعليق على الشائعات، مكتفيا بالقول إنه «يثق» بمولر.
ثم في أعقاب جلسة الاستماع، علّقت متحدثة باسم البيت الأبيض بأن ترمب «ليس لديه أي نية» بإقالة مولر، بينما قال سيشنز إنه منذ تنحيه ليس على اطلاع حول التحقيق إلا من خلال وسائل الإعلام.
كذلك عند سؤاله سيشنز عن ادعاءات بأنه أجرى لقاءات لم يفصح عنها مع مسؤولين روس عندما كان مستشارا لحملة ترمب، رد بالإقرار بعقد لقاءين خلال العام الماضي مع السفير كيسلياك، غير أنه نفى أي إجراء محادثات مهمة مع كيسلياك خلال لقاء ثالث في 27 أبريل (نيسان) 2016 خلال حفل استقبال في فندق مايفلاور الذي يملكه ترمب بالعاصمة واشنطن.
كذلك نفى سيشنز إيحاءات كومي بأنه لم يتخذ الإجراءات الصحيحة لحماية مدير «إف بي آي» من أي ضغوط سياسية. وكان كومي قد قال خلال شهادته إن ترمب طلب في ختام اجتماع يوم 14 فبراير من جميع معاونيه، بمن فيهم سيشنز، مغادرة المكتب البيضاوي وتركه وحده. وطلب منه آنذاك التخلي عن التحقيق حول فلين. وذكر سيشنز أن كومي أطلعه على قلقه إزاء إبقائه بمفرده مع الرئيس لكن وبما أن هذا الأخير لم يطلعه على فحوى اللقاء، لم يكن بوسعه أن يعرف أن أمرا غير لائق قد حصل.
أخيراً، إثر الاجتماع، أشادت رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رونا رومني ماكدانيال بـ«صدق سيشنز ومهنيته». وتساءلت مدافعة عن الوزير، ومن ثم الرئيس ترمب: «في غياب أي تواطؤ أو أخطاء أو عرقلة للقضاء من جانب الرئيس ترمب أو البيت الأبيض، إلى متى سيستمر الأمر؟». لكن العضو الديمقراطي في مجلس النواب جيم لانجفان (من ولاية رود آيلاند) اعتبر أن شهادة سيشنز كانت دون مستوى مثل هذه الجلسة. وأردف لانجفان: «شهادة وزير العدل افتقرت إلى المضمون أو التجاوب، وكانت غير مقبولة. سيشنز كأي موظف في الحكومة عليه واجب الإجابة أمام الكونغرس. لقد أخلّ بهذا الواجب وقسمه عندما امتنع عن الرد على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ».