سوق النحاسين في القاهرة ينتعش بالمتسوقين بفضل رمضان

الفوانيس وقدرة الفول والمباخر أبرز منتجاته النابضة بالجمال

سوق النحاسين في القاهرة ينتعش بالمتسوقين بفضل رمضان
TT

سوق النحاسين في القاهرة ينتعش بالمتسوقين بفضل رمضان

سوق النحاسين في القاهرة ينتعش بالمتسوقين بفضل رمضان

تعد صناعة الأواني النحاسية من أعرق الصناعات التي عرفها المصريون منذ مئات السنين، التي كانت أدوات ضرورية بالنسبة لهم للوفاء باحتياجات حياتهم اليومية، وبمرور السنين تحولت هذه الصناعة إلى حرفة جمالية، تعمد إلى إنتاج تحف ومنتجات جمالية تزينها الرسومات والزخرفة.
وتنتشر أسواق بيع المنتجات النحاسية وورشات تصنيعه في القاهرة الفاطمية في المقام الأول، فمع زيارة أحياء خان الخليلي والنحاسين والحسين وشارع المعز والغورية، تجد المتاجر والورشات وفناني النحاس ينتشرون بين جنباتها، ويقبل عليهم الزبائن ومحبو النحاس لينتقوا من بين بضاعتهم المعروضة.
وتزدهر أسواق النحاس بشكل لافت في شهر رمضان المبارك، حيث يكون هناك إقبال على شراء الأواني والمنتجات النحاسية سواء للاستخدام المنزلي، أو من جانب مسؤولي الفنادق والمقاهي الكبرى والبازارات والمؤسسات والشركات ورجال الأعمال، لما تضفيه هذه المنتجات من لمسات جمالية تتسم بروح شرقية وتراثية.
ومن أكثر المنتجات النحاسية رواجا خلال شهر رمضان الفوانيس، وقدرة الفول، والمباخر، والأباريق، والقدور، وأواني الزراعة، والشوايات، وأطقم الشاي المكونة من الصينية النحاسية الشهيرة والبراد والأكواب، أو فناجين القهوة و«الكنكة»، والفازات، والأطباق، والسبرتايات، والعطارة، والشمعدان، والسكرية، والملاحة.
بين أروقة حي الحسين العتيقة، يقول الحاج محمد، أحد تجار النحاس: «يقبل الناس عادة في شهر رمضان على شراء الأواني النحاسية، حيث تستخدم للديكور والزينة لما لها من لمسات جمالية، وما يشجع على ذلك أن المنتجات متعددة وبأشكال وأحجام مختلفة، بما يعني ملاءمتها لأذواق فئات عدة في مصر أو خارجها».
ويوضح أن المنتجات النحاسية منها السادة ومنها المنقوش، والأخيرة عادة ما تتزين بنقوش فرعونية أو إسلامية أو نباتية أو أخرى مستلهمة من البيئة، وتنفذ بتصاميم زخرفية متقنة، والنقوش ذات نقوش غائرة أو بارزة، وهو ما يجعلها تلبي الطلبات والرغبات كافة، مبينا أن المصريين والسائحين تكون النقوش والرسومات الفرعونية مثل زهرة اللوتس ومفتاح الحياة والصولجان هي اختيارهم الأول.
ويلفت التاجر الأربعيني إلى أن منتجات النحاس تعتمد على تشكيل ألواح خام النحاس، مشددا على أهمية اللمسة الفنية والجمالية التي تعتمد عليها مهنة تشكيل النحاس، إلى جانب الدقة والمهارة والذوق الرفيع لفنان النحاس، بما يعطي نتائج مبهرة وجميلة وجذابة في النهاية.
ويضيف الحاج محمد: «نحاول دائما تصنيع قطع نحاسية متطورة، وكذلك تحديث الأشكال التقليدية المعروفة لمنتجات النحاس وذلك لكي تساير العصر الحديث، وتضفي على الأماكن والديكورات فخامة وأناقة الماضي». وهو الأمر الذي في رأيه يجعل الزبائن تتوقف أمام منتجاته، ويبدون إعجابهم بها.
سعاد عبد الرحمن، وهي ربة منزل حضرت إلى سوق النحاس وقصدت بضائع الحاج محمد، ترى أن تلك الأواني والتحف النحاسية تضفي على منزلها في رمضان روحا مميزة، وديكورات تنبض بالجمال تتباهى بها أمام أقاربها وجيرانها وأصدقائها، الذين يترددون عليها أثناء ليالي رمضان.
كما تبين أن ما يشجعها على اقتناء القطع النحاسية هو عمرها الطويل لكون النحاس يقاوم الزمن، وتقول: «الأواني النحاسية تظل صامدة في وجه الزمن سنوات بل عقودا طويلة، وعلى الرغم من كل هذه الحداثة التي حولنا في بيوتنا، نجد أرقى المنازل تتخللها ديكورات النحاس القديمة، مما يعطيها نوعا من الفخامة والتميز».



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.