وزراء داخلية الولايات الألمانية يتفقون على توحيد مقاييس مكافحة الإرهاب

شملت مراقبة المشبوهين القاصرين وخدمة «واتساب»

وزراء داخلية الولايات الألمانية يتفقون على توحيد مقاييس مكافحة الإرهاب
TT

وزراء داخلية الولايات الألمانية يتفقون على توحيد مقاييس مكافحة الإرهاب

وزراء داخلية الولايات الألمانية يتفقون على توحيد مقاييس مكافحة الإرهاب

تشير المعلومات حول قرارات الاجتماع السنوي لوزراء داخلية الولايات الألمانية إلى اتفاق الوزراء على فرض الرقابة على شركة «واتساب» للتراسل، واختلاف ظاهر حول فرض الرقابة العشوائية، التي لا تستند إلى وجود شبهات، في كل الولايات.
حيث ذكر وزير الداخلية الاتحادي توماس دي ميزيير في ختام القمة السنوية أمس أنه لا بد للسلطات الأمنية، في حربها على الإرهاب، من رقابة على أنظمة الاتصالات التي يوفرها تطبيق «واتساب» أسوة بالرسائل الإلكترونية القصيرة وأجهزة الهاتف. وتحدث الوزير عن استخدام نظام رقابة إلكتروني مشفر ومغلق يضمن الرقابة على المشتبه بهم، ويستثني المواطنين الاعتياديين منها.
وفي إشارة إلى الخلاف بين الولايات حول توحيد الإجراءات الأمنية فيه قال الوزير إن وزراء الداخلية يخططون إلى «نموذج موحد» لإجراءات الشرطة في مختلف الولايات، وأضاف الوزير أن «سجادة مرقعة» لا تفي بالغرض، مشيراً إلى رفض ثلاث ولايات شمول شرطتها بإجراءات فرض الرقابة دون شبهات على الناس.
وأشار ماركوس أولبيغ، رئيس المؤتمر من ولاية سكسونيا، إلى أنه تم الاتفاق أيضاً على أخذ بصمات اللاجئين القاصرين من عمر 6 - 16 سنة كإجراء وقائي. وأكد أن الاجتماع فشل في تسوية الخلاف مع الولايات التي ترفض شمول شرطتها بإجراءات الرقابة على الأفراد دون شبهات. كما تحدث عن اتفاق على إجراءات أخذ عينات من الحمض النووي من المصنفين كـ«خطرين» بمثابة إجراء احترازي لما قد يحدث مستقبلاً.
وذكر توماس شتروبل، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي في ولاية بادن فورتمبيرغ أمس، أن وزراء داخلية الولايات اتفقوا بالإجماع على فرض الرقابة على قنوات الاتصال «الواتساب»، إلا أن الخلاف بين الولايات حول فرض سيطرة الرقابة على الأفراد دون الحاجة إلى شبهات، ما زال قائماً.
وبدأ اجتماع الوزراء هذا العام يوم الاثنين الماضي بقيادة ماركوس أولبيغ وزير داخلية سكسونيا، واستمر إلى أمس. وذكر أولبيغ قبل بدء الاجتماع أن إجراءات مكافحة الإرهاب «أولوية مطلقة» في الاجتماع، إلى جانب قضايا مكافحة اليمين المتطرف والجريمة المنظمة على الإنترنت، وتوحي الإجراءات الأمنية لحماية النشاطات الجماهيرية الكبيرة من الإرهاب.
وذكر أولبيغ، أن الوزراء سيدرسون إمكانية توحيد الإجراءات الأمنية في الولايات، وخصصاً الموقف من فرض الرقابة على القاصرين المشتبه بهم بالإرهاب، وفرض الرقابة «العشوائية» على الأفراد دون الحاجة إلى وجود شبهات. علما بأن ولايات برلين والراين الشمالي فيستفاليا وبريمن، التي يحكمها الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ترفض توحيد هذه الإجراءات، وتتمسك بالنظام اللامركزي الذي يتيح للولايات سن قوانينها الخاصة.
وإذ فشل المجتمعون في فرض البديل البافاري، أي فرض الرقابة والسيطرة العشوائية في كل الولايات، فقد اتفق المجتمعون على توحيد هذه الإجراءات على الحدود الألمانية. واتفق وزراء داخلية الولايات الألمانية على فرض هذه السيطرة وحملات تدقيق الهويات الشخصية بعمق 30 كم داخل الأراضي الألمانية.
وكان يواخيم هيرمان، وزير داخلية بافاريا، التي تقر بمثل هذه الإجراءات منذ التسعينات من القرن الماضي، وصف امتناع الولايات «الاشتراكية» عن تطبيق هذه الإجراءات في أراضيها بـ«ثغرة كبيرة ينبغي ردمها». ويرى هيرمان ضرورة فرض هذه الإجراءات على الأفراد والسيارات في الأقل قرب المطارات ومحطات القطار ومحطات الطاقة وغيرها.
إلى ذلك كشفت شرطة ولاية «راين آند بفالز» أن إنذار الإرهاب الذي أدى إلى إلغاء كونسرت «روك أم رنغ» مطلع هذا الشهر حصل بسبب خطأ في كتابة الأسماء. وقال يوهانيس كونتز، رئيس شرطة الولاية، أمس إن الخطأ في كتابة اسمي شخصين من طاقم فرض النظام في الحفلة أدى إلى إطلاق حالة الإنذار المذكورة. وأضاف أن الخطأ في كتابة الاسمين أدى إلى اشتباه الشرطة بأن الشخصين مزيفان ولا ينتميان إلى الشركة المكلفة بحفظ النظام في الميدان.
وكان رجال الشرطة ألغوا الحفلة مساء الجمعة 2 يونيو (حزيران) الجاري، وأخلوا 87 ألف متفرج من ميدان نورنبرغرنغ (المخصص عادة لسباق السيارات) بسبب حالة الإنذار.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟