«رسالة القرآن»... ترجمة محمد أسد للمصحف الشريف

{رابطة العالم الإسلامي} حجبتها بسبب بعض الملحوظات

«رسالة القرآن» ترجمت 1980
«رسالة القرآن» ترجمت 1980
TT

«رسالة القرآن»... ترجمة محمد أسد للمصحف الشريف

«رسالة القرآن» ترجمت 1980
«رسالة القرآن» ترجمت 1980

جدّ مؤخّراً في سيرة المستشرق النمساوي المسلم محمد أسد، صدور تعريب قامت به هذا العام دارة الملك عبد العزيز، لكتاب من تأليف الباحث النمساوي غنثر فندهاغر، أستاذ دراسات الأنثروبولوجيا في جامعة فيينا 2011، الذي يتخصّص أكثر من غيره من الأوروبيين في سيرة محمد أسد.
ومحمد أسد، الذي يُعدّ أفضل من أَسّس للعلاقات الحديثة بين العالم الإسلامي وأوروبا، ولد سنة 1900 في أسرة يهوديّة متعصّبة، وبعد سنوات من البحث عن اتّجاه وهُويّة، صار مراسلاً لكبرى الصحف الألمانيّة، متجوّلاً في بلاد الشرق الأدنى، في رحلات قادته إلى القدس الشريف، ليعتمر الإيمان قلبه، بعد أن اكتشف المعاني السامية للإسلام. وبعد أن أدّى فريضة الحج عام 1927 وأقام ست سنوات في المدينة المنوّرة ضيفاً على الملك عبد العزيز، استأنف رحلاته عام 1932 مروراً بالهند ثم باكستان فأميركا وسويسرا والمغرب والبرتغال، وأخيراً إسبانيا التي توفي فيها عام 1992، ودفن في مقبرة المسلمين في الأندلس.
ومن مجموعة كتب، ألّف ثلاثة من أنفس ما كتبه غربي في الفكر الإسلامي، وهي «الإسلام في مفترق الطرق 1932»، وكتابه الشهير «الطريق إلى مكة 1952»، و«منهاج الحكم في الإسلام 1987». لكن موجب هذا المقال، هو استذكار مسعاه لترجمة معاني القرآن الكريم، التي أنجز جزأها الأول عام 1974، وأتمّ جزأها الثاني عام 1980، وصدرت عن دار الأندلس في جبل طارق، بتمويل من رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، مطبوعة في دبلن، وتوزّعها مكتبة E.L.Brill في لندن، وتقع في مجلّد واحد من ألف صفحة.
ويذكر أن الرابطة حجبته بعد صدوره بسبب بعض الملحوظات على الترجمة، وقد طوى النسيان هذا العمل الجليل طيلة العقود الأربعة الماضية، علماً بأن الحجب وقع في أثناء حياة محمد أسد، وهو بكامل قواه الذهنيّة.
ومع البحث عن الأسباب وعن الترجمة، عثر كاتب هذه السطور على مقال للمفكّر الدكتور إبراهيم عوض، كتبه عام 2006 ونُشر في «مُدوّنة ملتقى أهل التفسير»، وهو دراسة نقديّة طويلة ضمّنها ملحوظاته على الترجمة، تتعلّق في معظمها بالمصطلحات والألفاظ اللغويّة الإنجليزيّة، التي اجتهد محمد أسد، بحسن نيّته وبمقدار فهمه اللغوي، في استخدامها، كما أجرى فيها مقارنة مع ترجمات أخرى، وكان مما تضمّنه اعتراضه على ترجمة لفظ الجلالة إلى (God) وترجمة كلمة (طه) إلى (O,man) مع أنه ثبت أن للكمة جذوراً سيريانيّة، اللغة التي يفهمها محمد أسد.
ويظهر من المدوّنة، أن تلك الدراسة المعمّقة، قد تناولها في حينه عدد من المفكّرين السعوديين الذي اتفقوا مع ما ذهب إليه الدكتور عِوَض، أو اختلفوا ودافعوا عن اجتهادات محمد أسد، ومنهم عبد العزيز الرفاعي - وهو من أصدقاء محمد أسد - وسلمان العودة وغيرهما، وإن هذا المقال الذي يحرّره كاتب غير متخصّص في الترجمة والتفاسير، لا يتّجه لتزكية الترجمة التي صدرت عن محمد أسد بعد جهده المضني الذي دام نحو عشرة أعوام، كما أن من المعروف أن هناك العشرات من الترجمات المتفق والمختلف عليها، ولكن المرء يحزن أن يرى جهده يضيع وينسى، خاصة وقد صدر منه عن اجتهاد، وبإيمان لا تصل إليه شكوك.
والسؤال هو: أليس بمقدور الرابطة، وهي التي تحتضن أئمّة أعلاماً في الفكر الإسلامي، أن تقوم بإصدار ملحق لهذا العمل، أو بإعادة طبع الترجمة مذيّلة بهوامش توضيحيّة لبعض اجتهاداته في التفسير، خاصة أنه ما زال يوجد كثير من المترجمين يختلفون في بعض المفردات؟
وهل يكون الشهر الكريم مناسبة لرفع الحجب عنه والإفادة منه؟.
بقي أن يُسجل التقدير للأستاذ خالد محمد القصيبي، الذي عثر على هذه الترجمة في مكتبته الخاصة، كانت مهداة إليه من الدكتور غازي القصيبي، وأطلع كاتب المقال عليها.
* إعلامي وباحث سعودي



«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
TT

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة بأنّك حصلت لتوّك على سِفر ثمين من الحكمة السياسيّة وخبرة الإدارة في المنصب التنفيذي الأهم في إحدى دول العالم العظمى، لا سيما أن الرجل جاء إلى فضاء السلطة من الصحافة كاتباً ورئيس تحرير لمجلّة سبيكتاتور الأسبوعيّة العريقة، ومؤرخاً نشر عدّة كتب مهمة - بما فيها سيرة لملهمه وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية - قبل أن يُنتخب عمدة للعاصمة لندن ثم رئيساً للوزراء وزعيماً لحزب المحافظين. ولعل مما يرفع وتيرة التوقعات أيضاً أنّه كان في موقع التأثير واتخاذ القرار في مراحل مفصليّة في تاريخ بلاده المعاصر، سواء الأشهر الأخيرة من عصر الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، أو خروج المملكة المتحدة من عضويّة الاتحاد الأوروبي، أو وباء «كوفيد 19». أو الحرب في أوكرانيا، ناهيك عن شهرته عبر العالم كنسخة من دونالد ترمب على الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، حتى أنّه ربما يكون السياسي البريطاني الوحيد الذي يعرفه سكان هذا العالم باسمه الأول (بوريس). لكن الحقيقة أن المذكرات ورغم تضمنها مقاطع مهمة هنا وهناك ولحظات صاعقة من الصراحة، فإنها في المحصلة أقرب إلى موجة جارفة من التبرير المقعّر، والإعجاب النرجسي بالذات، وتصفية الحسابات السياسيّة ولوم للجميع لأنهم أضاعوه، ويا ويلهم أي فتى أضاعوا؟

ومع ذلك، فإن «مطلق العنان» قراءة سهلة، يتم سردها بلغة قريبة من لغة الحوار اليومي أكثر منها لغة متعجرفة كما يتوقع من خريجي المدرسة النخبوية في إيتون وجامعة أكسفورد، مع كثير من علامات التعجب، والأصوات الشارعيّة المكتوبة بحروف كبيرة، والصفات المرصوفة كجمل طويلة، والإهانات الشخصيّة لمنافسيه، والأسئلة البلاغيّة عديمة الفائدة، فيما غلب عليها مزاج من السخريّة والهزل حتى في التعاطي مع القضايا التي يفترض أنّه جاد بشأنها.

هذا النّفس الذي اختاره جونسون لسرد مذكراته (والتي قد تدر عليه دخلاً سيتجاوز الثلاثة ملايين جنيه إسترليني وفق تقديرات صناعة النشر) أفقد الكتاب كثيراً من قيمته المتوقعة كوثيقة تاريخيّة، وبدت أجزاء كبيرة منه روايات ربما يتمنى كاتبها لو كانت الحقيقة، أو ربما أعتقد بالفعل أنها كانت الحقيقة كجزء مما يسميه جونسون نفسه التنافر المعرفي الذي يصيب الساسة المغمسين في وظيفتهم القياديّة لدرجة أنهم يصابون بالعمى عن المشاكل السياسية الهائلة التي تتراكم خارج مكاتبهم. هذا سوى بعض الأخطاء التفصيليّة في تسجيل الأحداث أيضاً والتي لا يفترض أن تمرّ على مؤرخ معتّق أو على ناشره المرموق (يقول مثلاً إن حكومة حزب العمال في أسكوتلندا أطلقت سراح الليبي المتهم بتفجيرات لوكربي، فيما الواقع أنها كانت حكومة الحزب القومي الأسكوتلندي).

من الناحية الإيجابيّة فإن جونسون يضمِّن كتابه تعليقات ذكيّة حول مسائل استراتيجيّة تبدو في ميزان اليوم أفضل من أدائه الفعلي رئيساً للوزراء كما مثلاً في رؤيته لأسباب اللامساواة الاقتصاديّة بين الأجيال، وتفسيره للانقسام الاقتصادي العميق بين العاصمة لندن الكبرى وبقيّة المملكة المتحدة، وتصوّراته حول رفع سويّة الأجزاء الأقل حظاً منها من خلال برامج تحديث البنية التحتية وتكنولوجيا الاتصال والاستفادة من أموال الخزينة العامّة لجذب استثمارات القطاع الخاص، وكذلك تحوّله من منكر لتحولات المناخ إلى منذر من مخاطرها ومفسّر للحجج الأخلاقيّة والاقتصاديّة الدّاعية إلى التصدي لجذورها من أجل مصلحة الأجيال المقبلة.

أثناء زيارة لمكتبه في عام 2017 طلب منه نتنياهو استخدام المرحاض بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت تم زرعه هناك

يفشل بوريس في تقديم مرافعة كانت متوقعة منه بشأن دوره فيما يعرف بـ«بريكست»، أو القرار بتخلي بريطانيا عن عضوية الاتحاد الأوروبيّ. وهو يعترف بأنّه كان مشتتاً وقتها بين اعتقاده بضرورة أن تتخلص بلاده من سلطة بروكسل عليها (مقر الاتحاد الأوروبي) من ناحية، وتفهمه لمشاعر كثيرين من عائلته وأصدقائه الذين أرادوا منه دعم حملة البقاء في النادي الأوروبيّ، ويقرّ بأنه في المساء الذي أعلن فيه قراره بدعم التوجه إلى الخروج من الاتحاد، كتب نسختين من المقال نفسه، واحدة (مع) وواحدة (ضد) كي يمكنه اختبار حنكة حججه، ليجد في النهاية أن حملة تأييد البقاء افتقدت إلى الحماس، ولم تمتلك أي رسالة إيجابيّة واضحة لتقولها. في المقابل، فإن جونسون يبدو في هذه المذكرات ليس مفتقراً فحسب لأي شعور بالمسؤولية عن الفوضى التي أعقبت التصويت على المغادرة، والإدارة السيئة للمفاوضات التي قادتها حكومات المحافظين وهو فيها مع الاتحاد الأوروبي، بل يبدو غاضباً حتى على مجرد اقتراح مساءلته من حيث المبدأ متسائلاً: «وماذا بحق الجحيم كان من المفترض علينا أن نفعل؟»، بينما يقفز للعب دور البطولة منفرداً فيما يتعلق برد حكومة المملكة المتحدة على حالات التسمم النووي التي نسبت لروسيا في سالزبوري عام 2018. في وقت صار فيه من المعلوم أن تيريزا ماي، رئيسة الوزراء حينها، هي من كانت وراء ذلك الموقف الحازم. ويخلص جونسون للقول إن حزب المحافظين كان سيفوز في انتخابات هذا العام لو بقي على رأس السلطة ولم يتعرّض للخيانة من رفاقه، وهي مسألة يكاد معظم المراقبين يتفقون على استحالتها بالنظر إلى تراكم سلسلة الفضائح وسوء الإدارة وهزالة الطرح الآيديولوجي لحكومات حزب المحافظين خلال الخمسة عشر عاماً الماضية على نحو تسبب للحزب النخبوي بأقسى هزيمة له في مجمل تاريخه العريق. في المذكرات يكتب جونسون عن زيارة قام بها بنيامين نتنياهو إلى مكتبه في عام 2017، طلب خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي استخدام المرحاض. بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت قد تم زرعه هناك. وقال جونسون إنه على وفاق مع نتنياهو وإن القراء يجب ألا يستخلصوا استنتاجات أوسع حول الزعيم الإسرائيلي من تلك الحكاية!