«كبدة الصاج» تراث حجازي تحييه الليالي الرمضانية

تكلفة البسطة تصل إلى 10 آلاف ريال

كبدة الصاج تراث نهج عليه أهل الحجاز منذ عقود طويلة يتم إحياؤه في ليالي رمضان (تصوير: أحمد حشاد)
كبدة الصاج تراث نهج عليه أهل الحجاز منذ عقود طويلة يتم إحياؤه في ليالي رمضان (تصوير: أحمد حشاد)
TT

«كبدة الصاج» تراث حجازي تحييه الليالي الرمضانية

كبدة الصاج تراث نهج عليه أهل الحجاز منذ عقود طويلة يتم إحياؤه في ليالي رمضان (تصوير: أحمد حشاد)
كبدة الصاج تراث نهج عليه أهل الحجاز منذ عقود طويلة يتم إحياؤه في ليالي رمضان (تصوير: أحمد حشاد)

على وقع «كبدة حاشي على الماشي» ينادي طلال الحكمي الشهير بأبو فهد زبائنه الذين يتوافدون على بسطته الشهيرة التي ينصبها في كل رمضان ليتذوقوا كبدته التي يطبخها على الصاج، في مشهد يحاكي ليالي رمضان القديمة في الحجاز.
وكبدة الصاج هي تراث نهج عليه أهل الحجاز منذ عقود طويلة من الزمن يتم إحياؤه في ليالي رمضان، حيث تظهر بسطات الكبدة في الأحياء وعلى أرصفة الطرقات لبيع كبدة الصاج من الغنم والجمال، ويفضل أهل مكة أكل الكبدة بعد الإفطار، لا سيما في الأوقات بين الإفطار والسحور.
يقول طلال الحكمي: «منذ سنوات طويلة وأنا أرافق والدي في مهنة بيع الكبدة في رمضان، وقد تشربت منه أسرار المهنة، لا سيما أن القاعدة الكبيرة التي تركها لي والدي من العملاء ساعدتني في العمل سنوياً في هذه البسطة».
ويضيف أبو فهد: «موقعنا معروف ولم نغيره من سنوات طويلة، فيتم الاستعداد مبكراً لإنشاء البسطة وترتيب مستلزماتها، واستخراج التصاريح اللازمة لها، ومن أهم الترتيبات هو التنسيق المتواصل مع باعة الجمال لتأمين الكبدة طوال شهر رمضان، أما باعة الأغنام فالتنسيق معهم سهل، وذلك لوفرتها ووجودها في أي وقت».
ونوه الحكمي بأنهم يشترون كيلو الكبدة بمبلغ يتراوح من 80 إلى 120 ريالاً، إذا كانت «حاشي»، أما إذا كانت كبدة الغنم فسعرها ثابت وهو 50 ريالاً للكيلو، أما سعر الصحن في بسطته فلا يتجاوز 10 ريالات للحاشي، و8 ريال للغنم.
وعن تكاليف بسطة الكبدة يقول أبو فهد: «التكاليف عادة لا تتجاوز 10 آلاف ريال، وذلك نظير رسوم التصريح من البلدية، وقيمة البضاعة التي تتكون من الكبدة والمشروبات الغازية والمياه المعدنية، بالإضافة إلى رواتب العمالة التي تعمل معي طوال الشهر في تلبية طلبات الزبائن».
وأبان الحكمي أن طريقة طبخ كبدة الصاج بسيطة، ولكن هناك من تكون لديه بهارات خاصة يضعها على الكبدة أثناء طبخها على الصاج، فكبدة الغنم تتم إضافة الطماطم عليها، بالإضافة إلى الفلفل الأسود والأخضر وكذلك الكزبرة، أما كبدة الحاشي (الجمل) فغالبية من يأكلها يفضل أن يتم طهيها على الصاج من دون إضافات، لأن لذتها في أكلها هكذا، ولكن البعض - وهم قلة - يطلبون أن يتم طهيها بإضافة الطماطم.
وأخيراً بدأت أمانة العاصمة المقدسة في السنوات الأخيرة من خلال إدارة صحة البيئة في تنظيم عمل تلك البسطات الشعبية، حيث وضعت لها اشتراطات لاستخراج التصاريح اللازمة لها، وهي اشتراطات صحية في الدرجة الأولى واشتراطات تتعلق بالسلامة، ووفرت لها فرقاً ميدانية تعمل طوال أيام شهر رمضان لمتابعة التزام تلك البسطات في الاشتراطات الصحية والسلامة، وبحسب أحد العاملين في الفرق الميدانية أكد أن هناك التزاماً كبيراً من غالبية تلك البسطات ولم ينفِ عدم إيقاع عقوبات على مخالفين، مؤكداً أن هناك بعضاً من المخالفات ويتم فرض غرامات مالية عليها.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.