قضت محكمة هولندية أمس بعدم السماح للتلاميذ المتحدرين من أصول أجنبية بالالتحاق بمدارس تطبق نظاما تعليميا يستخدم لغة الوطن الأصلي. وجاء هذا الحكم الصادر عن محكمة في لاهاي بناء على دعوى تقدمت بها جمعية إسلامية تركية في هولندا، لكن لم يجر نشر تفاصيل كثيرة حول القضية.
واعتبر أصحاب الدعوى القضائية المرفوعة أن الحكومة الهولندية تصرفت بما يتعارض مع مواثيق دولية وقوانين أوروبية تحتم على السلطات الاهتمام بالأطفال الصغار وتوفير متطلباتهم، منها السماح لهم بالتعليم وفقا لنظام تعليمي باستخدام اللغة الأصلية، لكن المحكمة لم تتفق مع أصحاب الدعوى في الرأي وقالت: إن الدولة لديها قدر معروف من حرية التصرف.
وقال أصحاب الدعوى بأن السلطات المحلية الهولندية كانت توفر الدعم المادي لبرامج تعليمية باستخدام اللغة الأصلية حتى عام 2004. لكنها قررت بعد ذلك التوقف عن ذلك، وهو ما يعد من وجهة نظر الجمعية التركية تعارضا مع ما يتحتم على السلطات القيام به في إطار اهتمامها بمتطلبات الأطفال.
ورغم اعتراف المحكمة بأن اتباع نظام تعليمي باستخدام اللغة الأصلية للأطفال الأجانب قد يكون أمرا إيجابيا لهؤلاء الأطفال فإن الدولة لها حق تحديد إذا ما كانت تريد السماح بهذا الأمر أو ترفضه. وعلق نور الدين العمراني الباحث في شؤون الجالية المسلمة بهولندا على هذه القضية، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «إن تأسيس المدارس الإسلامية في هولندا يعود إلى أكثر من 20 سنة، وذلك في إطار حرية التعليم التي يضمنها الدستور الهولندي للجميع». وأضاف: «إلى جانب المدارس العمومية، تأسست مدارس مسيحية ويهودية وإسلامية، تخضع كلها لنظام التعليم الهولندي مضمونا وشكلا، لكن الجانب الروحي والنظام الداخلي، متروكان للمدرسة لترتبهما بالطريقة التي تراها مناسبة». وحول تقديره لعدد المدارس الإسلامية في البلاد قال: «هناك عشرات المدارس الإسلامية في هولندا، منها عدد قليل من المدارس الإعدادية في أمستردام وروتردام والباقي معظمه مدارس ابتدائية».
واعتبرت مصادر إعلامية هولندية أن الجالية المسلمة في البلاد عندما فكرت في فتح مدارس إسلامية، اعترضتها عقبات كبيرة؛ منها صعوبة إقناع آباء وأولياء التلاميذ أنفسهم، ذلك أن الشكوك كانت تحوم حول الهدف من وراء إنشاء مدارس إسلامية من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالتعليم من الناحية التربوية، ولا يتوفرون على كفاءات التسيير.
وبعد تجارب اعتبرت «ناجحة» في روتردام وأمستردام وغيرهما من المدن الهولندية الكبرى، حذت مدن أخرى حذوها لتنتشر المدارس الإسلامية بعد ذلك، بشكل لفت إليه أنظار السياسيين وخاصة ذوي الميول اليمينية منهم الذين حاولوا الربط بينها وبين اتهام بعض المسيرين بالتعاطف أو التبعية لتنظيمات الإسلام السياسي.
كانت الاعتراضات تصب في الغالب على ما يمكن أن تحدثه المدارس الإسلامية من عرقلة الاندماج في المجتمع الهولندي ونشوء تفاوت كبير في مستوى التعليم بينها وبين المدارس الهولندية الأخرى. إلا أن القانون كان واضحا، كما أن وزارة التعليم كانت تخضع المدارس باستمرار للتفتيش، على غرار ما تقوم به مع المدارس الأخرى. وقد حدث أن أقدمت وزارة التعليم على سحب رخص بعض المدارس الإسلامية، وأغلقت أبوابها لأسباب متعددة، أهمها عدم الكفاءة في التسيير والتلاعب بالميزانية، أو أنها لم تحصل على العدد الكافي من التلاميذ.
يذكر أن هناك ما يقرب من مليون مسلم يعيشون في هولندا جاء الجيل الأول منهم في نهاية الخمسينات من القرن الماضي كعمال، للمساهمة في إعادة بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية. ويشكل المغاربة والأتراك النسبة الأكبر بين الجاليات الإسلامية في البلاد.
