متطلبات سوق العمل «الذكي» تفرض تعديلات على أساليب التعليم

عصر التلقين انتهى... وإدخال التكنولوجيا إلى الصفوف غير كاف

تحول دور الأستاذ من ناقل للمعرفة إلى مشرف على عملية التعلم التفاعلي
تحول دور الأستاذ من ناقل للمعرفة إلى مشرف على عملية التعلم التفاعلي
TT

متطلبات سوق العمل «الذكي» تفرض تعديلات على أساليب التعليم

تحول دور الأستاذ من ناقل للمعرفة إلى مشرف على عملية التعلم التفاعلي
تحول دور الأستاذ من ناقل للمعرفة إلى مشرف على عملية التعلم التفاعلي

يجلس نحو 35 طالبا على مقاعدهم الخشبية، ينصتون إلى كل كلمة يقولها الأستاذ ويدونون كل ما كتبه طباشيره على السبورة، خوفا من أن يأتي ضمن سؤال بامتحانات آخر الفصل. المعلم يلقن الدرس، والتلاميذ يباشرون الحفظ، وتقييم «الذكاء» اختبار لكمّ المعلومات المخزن في ذهن الطالب، أما المكافأة الكبرى، فمعدل عالٍ يضمن قبولا في إحدى الجامعات بتخصصات «مرموقة» ومعدودة؛ الطب، والهندسة، والمحاسبة، والمحاماة.
نظام تقليدي موجود منذ نحو قرنين من الزمان، بدأ تزامنا مع الثورة الصناعية لتغذيتها. حيث كان الهدف منه تخريج أكبر عدد ممكن من الإداريين والمحاسبين والمهندسين وغيرهم من موظفي المهن التي كانت مطلوبة في سوق العمل حينها.
هذا كله قبل عصر الإنترنت، عندما كان الطالب يعتمد على مناهج الكتب وشرح الأستاذ فقط. لكن، ومع الوقت، حاكت الشبكة العنكبوتية حبالها في جميع مجالات المجتمع. تطور المجتمع وتطورت معه سوق العمل والمتطلبات والمهارات المتوقع من الخريج امتلاكها. وأصبحت سوق العمل أكثر تخصصا وتطلبا، مما خلق حاجة لأن يصبح الطالب، بدوره، متخصصا أكثر ويتعدى تعليمه الحفظ والتسميع، ويتبنى مستوى أعلى من التفكير والتحليل والاستنتاج والإبداع وخلق حلول واتباع منهجية البحث العلمي. فلم تعد السبورة والطباشير والامتحانات القائمة على التسميع كفيلة بتأمين مستقبل واعد ووظائف لائقة للجالسين على مقاعد الصف الخشبية.
أشارت دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي صدرت في عام 2016 إلى أن التفكير النقدي من أكثر المهارات التي يحتاجها المجتمع وسوق العمل مع حلول عام 2020. ولمواكبة موجة التطور التكنولوجي، باشرت المنظومات التعليمية إدخال التقنية إلى داخل الصفوف. توظيف التقنية أمر ليس حديثا جدا، بل بدأ قبل أكثر من 15 عاما. وإلى ذلك، يقول الدكتور ميلاد السبعلي، المدير التنفيذي لمجموعة «غلوبال ليرنينغ» ومقرها دبي، إن «التكنولوجيا باتت تستخدم وسيلة لتحديث التعليم التقليدي الذي كان قائما على التلقين والحفظ لأنه كان يخدم عصرا آخر». ويؤكد الخبير الدولي في مجال تكنولوجيا التعليم والتفكير النقدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» على أن توظيف التكنولوجيا في الصفوف يحتاج «لفريق يطور محتوى إلكترونيا ويحول محتوى الكتب إلى مواد تفاعلية سهلة المتابعة من قبل الطالب، الأمر الذي يشجع الطالب على التعلم الذاتي والتفكير النقدي والتحليل والاستنتاج». وبذلك، يمكن القول إن إدخال التقنية إلى مجال التعليم ليس كافيا وحده، والحاجة أصبحت ملحّة إلى تطوير المنظومة التعليمية لتواكب متطلبات سوق العمل، وفق السبعلي. ويوضح: «هناك أكثر من محاولة للتعديل، ويطرح البعض منها فكرة تحويل محور التعليم من الأستاذ إلى الطالب. لأن قدرات الطلاب تتباين، والآن مع توفر الأدوات الذكية الداعمة للتعليم والشرح، أصبح الأستاذ قادرا على التماشي مع قدرات كل طالب». ويضيف: «مع هذا، نشأ التعلم المتمحور حول الطالب، وتحول دور الأستاذ من ناقل للمعرفة إلى محفز ومشرف ومسهل للتعلم التفاعلي والإبداع».

تبنٍّ عربي
وفي السياق الشرق أوسطي، تم تطبيق هذه التوصيات على مستويات متعددة، ولكنها ما زالت في البدايات. وبحسب الدكتور السبعلي، هناك دول عربية تبنتها أكثر من غيرها، وعلى رأسها الإمارات. حيث يوضح أن «هناك أكثر من مبادرة في الإمارات لإدخال التكنولوجيا إلى التعليم وتطوير المنظومة. ومنها (مبادرة الشيخ محمد بن راشد للتعليم الذكي)، وهناك وزارة التربية والمؤسسات المعنية، مثل مجلس أبوظبي للتعليم وهيئة تنمية المعرفة في دبي، التي تعمل على وضع معايير للمدارس لإدخال الأنماط الحديثة من التعليم ضمن عملية التدريس، وأصبحت جزءا من التقييم السنوي للمدارس».
كما يعد افتتاح المدارس المتقدمة للتعلم الذكي في الرياض، نقلة نوعية للتعليم في المملكة وفي عالمنا العربي؛ إذ تقدم تعليماً منافساً بأبعاد تطبيقية وإعداد قاعدة علمية من المتعلمين يمتلكون مهارات المتعلم الباحث، مع مساعدتهم في اكتشاف مواهبهم وتنمية شغفهم بالعلم والتعلم.
لكن إدخال التكنولوجيا ليس كافيا، لأنها «عملية تغيير كاملة تحتاج إلى استراتيجية تتواكب مع طريقة تطوير أساليب التعليم وتدريب الأساتذة على طريقة استخدام التكنولوجيا أيضا»، وفق السبعلي. ويوضح أن «استبدال لوح ذكي بالسبورة غير كاف لإجراء نقلة نوعية في منظومة التعليم».

ضرورة تعديل المناهج
ويجب أن يطرأ التغيير على أكثر من محور، لكن المحور الرئيسي هو المناهج. ويقول الخبير التعليمي: «المناهج لطالما اعتمدت على التلقين أو الحفظ، ولا يواكب ذلك التغيرات». ويتابع: «نحن في حاجة لمناهج تشجع الابتكار والتحليل، ويجب أن تبتعد عن الحشو، وتمنح الطالب مجالا أكبر للتمرس في مهارات القرن الحادي والعشرين، وعلى رأسها روح البحث العلمي». ويستطرد: «اليوم بات التعلم مستمرا حتى في سوق العمل، والمهارات التي قد يوفرها له التعديل قد تضمن له عملا لائقا في المستقبل».
ويرى السبعلي أن إحدى العوائق الأساسية التي تعرقل تعديل المناهج مفهوم الامتحان، خصوصا بالصفوف التي فيها امتحانات رسمية. ويوضح: «لا نستطيع تطوير المناهج دون تغيير مفهوم الامتحان، لأنه يعتمد على التسميع واختبار الكمّ الذي استطاع الطالب حفظه»، ويستطرد قائلا: «بل يجب اختبار مدارك التفكير النقدي للطالب، وقدراته على إيجاد الحلول الإبداعية».

دمج الطلبة بسوق العمل
استخلص إصدار عن منظمة العمل الدولية (ILO) عقب انعقاد الاجتماع العربي الثلاثي حول مستقبل العمل في بيروت في 3 أبريل (نيسان) الماضي، أن التغير التكنولوجي من المحركات الأساسية للنمو والتنمية، وأن التغيرات التكنولوجية الطارئة على سوق العمل ستؤدي إلى إلغاء بعض الوظائف، وخلق وظائف جديدة، وتعديل شكل بعض الوظائف الحالية. ويرافق هذه التغييرات سلسلة من التحديات للطلاب الذين سيدخلون سوق العمل، مما يجعل الحاجة ملحة لتحصنهم بمهارات تواكب أحدث متطلبات السوق لتأمين فرص عمل لائقة لهم.
وفي هذا السياق يقول السبعلي: «اليوم سوق العمل بحاجة لخبرات ومهارات لم تكن موجودة قبل 5 سنوات، وستخلق حاجات مستقبلية أيضا». ويضيف: «على الطالب المقبل على دخول سوق العمل أن يكون مرنا وجاهزا للتأقلم مع التغيرات المستمرة». ويوضح السبعلي أن «مفهوم الأمية اليوم تغير إلى من يستطيع أن يتعلم، ويعاود التعلم من جديد».
ومع دخولنا إلى العصر ما بعد الصناعي، عصر تطوير تطبيق من لا شيء وبيعه بالمليارات من خلال الإبداع بتوظيف التكنولوجيا، أتيحت للناس فرصة خلق قطاعات جديدة أو تطوير قطاعات موجودة. ومع أن هذا التحول لم يؤثر على الاقتصادات العربية بعد، وفق الخبير التعليمي، لكن التغيير قادم، مما سيضغط على مجال التعليم ويلح لتعديله. فالرأسمال البشري للدول يقاس بمعيار مدى تأقلم الناس مع التغييرات وقدرتهم على حل المشكلات والتحليل والبحث العلمي وإنتاج أفكار وحلول غير مألوفة. ويؤكد السبعلي على أن «هذه المعايير يجب أن تبدأ في المدرسة ثم الجامعة ثم سوق العمل».

نظرة مستقبلية
استخلصت دراسة أجرتها جامعة كامبردج البريطانية في عام 2016 أن 70 في المائة من الخريجين يعتقدون أنهم يمتلكون مهارات جيدة للتفكير النقدي. بينما يعتقد 25 في المائة فقط من المديرين أن هؤلاء الخريجين الجدد يمتلكون مستوى جيدا من التفكير النقدي، مما يفتح باب التساؤل عن إمكانات الخريجين للاندماج في سوق العمل الجديدة والتأقلم مع متطلباتها.
التحدي عالمي، وعربي... و«في حال طبقت التعديلات على المنظومة التعليمية، فسيكون لها تأثير مخيف يؤدي إلى تطوير الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة وتخريج مجموعة من الكفاءات الحديثة التي تخلق الوظائف، رواد أعمال بمعنى آخر، يبتكرون أفكارا جديدة»، حسب ما يراه الدكتور السبعلي. ويضيف: «من يقتحم هذا المجال أولا ويضع استراتيجية متكاملة للعناصر التي ذكرناها بطريقة تدريجية، فسيكون ضمن منظومة التأثير المباشر على الاقتصاد وعلى نمو قطاعات موجودة وإيجاد قطاعات جديدة». ويستطرد: «الدول التي ستبقى على الأنماط القديمة، ستعاني مستقبلا من البطالة المقنعة أو البطالة الواضحة، لأن الخريجين لن يكونوا جاهزين لسوق العمل». ويختتم حديثه مؤكدا ضرورة «تحويل التطورات الطارئة في العالم إلى فرصة لإعادة هيكلة التعليم وتجهيز جيل جديد من الخريجين لإحداث تحول استراتيجي نحو وضع أفضل».

مدارس فنلندا... تجربة رائدة في إعادة هيكلة المنظومة
كان تحول النظام التعليمي الفنلندي قد بدأ منذ قرابة 40 عاماً كمحفز أساسي في إطار خطة للتعافي الاقتصادي بالبلاد. ولم يدرك القائمون على التعليم مدى نجاح هذه الإجراءات حتى عام 2000، عندما أظهرت النتائج الأولى لبرنامج التقييم الدولي للطلاب، المعروف اختصاراً باسم «بي آي إس إيه»، أن الطلاب الفنلنديين الأفضل قراءة على مستوى العالم. وبعد 3 سنوات، تصدر الطلاب الفنلنديون طلبة العالم في الرياضيات. وبحلول عام 2006، جاءت فنلندا في المرتبة الأولى من بين 57 دولة (وقليل من المدن) بمجال العلوم. واحتل النظام المدرسي هناك باستمرار صدارة قوائم الترتيب الدولي للأنظمة التعليمية.
والسؤال هنا: كيف نجحوا في ذلك؟
لقد تحقق ذلك من خلال السير عكس اتجاه النموذج المركزي المعتمد على التقييم الذي يعتمد عليه كثير من الدول الغربية. وفيما يلي الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها النموذج الفنلندي الحديث:
- الأطفال الفنلنديون لا يرتادون المدرسة حتى سن السابعة.
- نادراً ما يخوض الطلاب امتحانات أو يؤدون واجبات منزلية حتى منتصف فترة المراهقة تقريباً.
- لا يجري تقييم الأطفال مطلقاً خلال السنوات الأولى من التعليم.
- يوجد اختبار واحد معياري داخل فنلندا، يخوضه الأطفال في سن الـ16.
- جميع الأطفال، سواء كانوا متفوقين أم لا، يجري تعليمهم داخل الفصول ذاتها.
- الفصول العلمية لا تضم أكثر من 16 طالباً بحيث يتمكنون من إجراء تجارب عملية.
- يقضي المدرسون 4 ساعات فقط داخل الفصل الدراسي يومياً، ويخصصون ساعتين أسبوعياً لنشاطات «التنمية المهنية».
- يحصل طلبة المدارس الابتدائية على فترة استراحة لمدة 75 دقيقة يومياً في فنلندا، مقارنة بمتوسط 27 دقيقة بالولايات المتحدة.
- يحظى نظام المدارس بتمويل حكومي كامل.
- يجب أن يكون جميع المدرسين حاصلين على درجة الماجستير، التي تتولى الحكومة تحمل تكاليفها بالكامل.
- المنهج التعليمي الوطني عبارة عن خطوط عامة واسعة لا تقوم على التحفيظ والتلقين.
- يجري اختيار المدرسين من بين الـ10 في المائة الأوائل من الخريجين.
- 66 في المائة من طلاب المدارس يلتحقون بالجامعات.
- الفارق بين أقوى وأضعف الطلاب الأدنى عالمياً.
- 93 في المائة من الفنلنديين يتخرجون في المدارس الثانوية.
- 43 في المائة من خريجي المدارس الثانوية في فنلندا يرتادون مدارس تأهيل مهني.



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).