الطعمية في فيينا لها طعم آخر

توجد في كل زاوية وفي أشهر الأسواق

الطعمية في فيينا لها طعم آخر
TT

الطعمية في فيينا لها طعم آخر

الطعمية في فيينا لها طعم آخر

لم تعد الفلافل أو الطعمية، حكراً على الفقراء أو على فئة معينة من الناس في منطقة جغرافية محدّدة، بل باتت بفضل الهجرة السكانية من دول منشئها، منتشرة في جميع مدن العالم. فمن يزور سوق ناشماركيت في فيينا (The Vienna Naschmarkt)، أشهر أسواق الخضراوات والتوابل والفواكه في العاصمة النمساوية، لن تفوته محاولات الترويج والتسويق لبيع «ساندويتشات» الفلافل المنتشرة في زوايا مخصصة لها، من قبل باعة مختلفي الأصول والذين يختلفون أيضاً في تحضير هذا النوع من المأكولات النباتية، باعتباره طبقاً يومياً يسهل الحصول عليه جاهزاً بدلاً من عناء تحضيره في المنزل.
في سوق ناشماركيت تُباع الفلافل كما في جميع المطاعم المخصصة لها، بالقرص أو الساندويتش، ويتراوح سعره ما بين 70 إلى 90 سنتاً، ويصل سعر الساندويتش بعد إضافة الخضراوات والصلصة الخاصة بالطعمية، إلى 4 أو 5 يوروات.
أصبح انتشار «الفلافل» في الدول الأوروبية تجارة أكثر من تفنّن بتجهيز هذا الساندويتش، مما دفع متسوقة سودانية من زبائن «ناشماركت»، للتحسر على مهارات المرأة السودانية المتميزة في صنع الفلافل أو «الطعمية» كما يعرّفونها في بلدها. وتعتبر من الأطعمة الشعبية المرغوبة التي لا تغيب عن موائد الفطور والعشاء في الأيام العادية، وتتصدر موائد إفطار رمضان في غالبية البيوت، وموائد الرحمن التي تسارع الأسر لفرشها في الطرقات طيلة الشهر الفضيل لإفطار المارة والغرباء ولمشاركة «لقمة هنية» مع الجيران وأهل الحي.
وإن كانت حرب الفلافل مستعرة بين العرب وإسرائيل بشأن هويتها وأصولها، فالمنافسة موجودة أيضاً بصورة أخوية بين الشعوب العربية، فالسودانيون على سبيل المثال، وإن اشتركوا مع المصريين في تسمية الفلافل بالطعمية، إلا أن الطعمية السودانية تصنع من الحمص، ممّا يجعلها مختلفة جداً عن المصرية التي تصنع من الفول المقشور.
إلى ذلك، لا يحبّذ السودانيون في الأغلب إضافة الكثير من الخضراوات مثل الكرفث والشبت في خلطة الطعمية، مفضلين القليل من البصل والثوم والكزبرة الجافة مع الملح، كما لا يستخدمون مسحوق «البيكربونات» وإنما «البايكنغ باودر» لنفخ مكونات الطعمية وتخفيفها كنسيج متماسك، ممّا يجعلها مقرمشة. وقبل التحمير ينثرون سمسما على الأقراص يكسبها اللون الذهبي ونكهة لا تقاوم.
بدورهم يعتقد الأردنيون أنّ فلافلهم هي الأطيب، فيما يقول اللبنانيون والسوريون إنّهم أفضل من يحضرونها، وهكذا يغنّي كل شعب لـ«فلافله» التي لا يستسيغ غيرها.
وفي السعودية تفوقت سيدات في نشر ثقافة جديدة لتقديم الطعمية على شكل قوالب مخبوزة بالفرن، بدلاً عن الأقراص المعهودة المحمرة بالزيت.
وبدلاً من نقع الحمص في الماء وطحنه مع خضراوات، وتتبيله وقليه بشكل أقراص مدورة في زيت عميق وحار، يحتاج قالب الطعمية لسحن حمص جاف وناعم ويستخدم كـ«دقيق» وفق مقادير معينة، مع ماء وبيض وقليل من زيت الزيتون وبايكنغ باودر وملح، بالإضافة إلى ما يرغب صانعه من زيادة الخضراوات المفرومة كالبصل والثوم والبقدونس، ومن ثم يتبل الخليط بتوابل حسب الذوق، ليصب الخليط فيما بعد بقالب يدخل الفرن فيخرج بعد أن يستوي كأفخم «تورتة» طعمية.
وباستخدام الفكرة نفسها يمكن صنع «بيرغر طعمية» و«دونات طعمية»، والهدف أساساً هو التغلب على كميات الزيت المهولة التي تحتاجها الطعمية المقلية، وللاستفادة القصوى من الطعمية كطعام نباتي ثري بمعادن وفيتامينات، يمكن أن يكون صحياً وشهياً وبديلاً عن اللحوم.
وجدير بالذكر، أنّ الطعمية التي تنتشر في كثير من المدن الأميركية والأوروبية تعتبر أطباقاً جاهزة وتصطفّ إلى جانب «الأطعمة السريعة» التي يمكن تناولها «ساندويتشا» مع سلطة خضراوات، وغالباً مع صلصة طحينة أو حمص.


مقالات ذات صلة

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».