محكمة برازيلية تسمح للرئيس ميشال تامر بالبقاء في منصبه

حزبه الاجتماعي الديمقراطي قد يتخلى عنه يوم الاثنين المقبل

الرئيس البرازيلي ميشال تامر خلال احتفال في برازيليا يوم الجمعة قبل صدور قرار المحكمة (أ.ب)
الرئيس البرازيلي ميشال تامر خلال احتفال في برازيليا يوم الجمعة قبل صدور قرار المحكمة (أ.ب)
TT

محكمة برازيلية تسمح للرئيس ميشال تامر بالبقاء في منصبه

الرئيس البرازيلي ميشال تامر خلال احتفال في برازيليا يوم الجمعة قبل صدور قرار المحكمة (أ.ب)
الرئيس البرازيلي ميشال تامر خلال احتفال في برازيليا يوم الجمعة قبل صدور قرار المحكمة (أ.ب)

صوتت محكمة برازيلية لصالح رفض الادعاءات ضد الرئيس ميشال تامر بأنه قام بتمويل حملته الانتخابية بشكل غير قانوني. وصوت قضاة المحكمة الانتخابية في العاصمة برازيليا بتأييد 4 قضاة ومعارضة 3 لصالح رفض الادعاءات المتعلقة بحملة تامر عام 2014، التي كان من الممكن أن تتسبب في إقالته من منصبه. ونظرت المحكمة في مزاعم بأن شركة البناء «أوديبريشت» ومصادر تمويل غير مشروعة أخرى دفعت رشى لسياسيين لعدة سنوات، وقامت بتمويل حملة تامر الانتخابية.
وقال القاضي جيلمار مينديس رئيس المحكمة الذي حسم بتصويته إلى جانب 3 قضاة آخرين مسألة بقاء تامر في الحكم: «لا يمكن استبدال رئيس الجمهورية كيف ما كان (...) إنّ (قرار) إبطال الولاية لا يمكن اتخاذه سوى في حالات» محددة، مضيفاً أن المحكمة توصلت إلى قرار «مسؤول» لصالح استقرار النظام السياسي للبلاد.
وأظهرت المداولات التي أجرتها المحكمة الانتخابية منذ الثلاثاء انقساماً بين القضاة. وكان القضاة اجتمعوا للنظر في إمكانية إبطال انتخابات 2014 التي شابتها اتهامات بتمويل غير قانوني للحملة أتاح لتامر الفوز بمنصب نائب الرئيس قبل وصوله إلى الرئاسة العام الماضي إثر إقالة ديلما روسيف.
ووجه أول قاضٍ صوت في المحكمة، وهو المقرر هيرمان بنيامين كلاماً شديداً بحق تامر حين أعلن: «أصوت لإلغاء الثنائي الرئاسي الذي انتخب عام 2014 بسبب تجاوزات أظهرها التحقيق».
فى ديسمبر (كانون الأول)، اعترفت «أوديبريشت» بأنها دفعت أكثر من 785 مليون دولار رشى في 12 دولة؛ 10 منها في أميركا اللاتينية. وتولى تامر، وهو سياسي من تيار يمين الوسط من حزب الحركة الديمقراطية بالبرازيل، السلطة في أواخر أغسطس (آب) بعد إقالة ديلما روسيف اليسارية من منصبها لانتهاكها قوانين الميزانية. وقد تورط تامر (76 عاماً) أيضاً في فضيحة رشوة بعد أن تم تسجيل شريط له وهو يوافق على دفع أموال لرئيس البرلمان السابق إدواردو كونها، وهو شاهد في تحقيق فساد. وفي رد أولي، أشاد تامر بما وصفه قرار «مستقل» للمحكمة.
وبذلك تمكن تامر الذي تدنت شعبيته إلى مستويات قياسية، لكنه يؤكد تصميمه على قيادة البرازيل حتى نهاية ولايته أواخر 2018، من إنقاذ منصبه بفارق صوت واحد.
وقال ألكسندر باولا المتحدث باسم الرئاسة إن تامر رأى في قرار المحكمة الانتخابية العليا «مؤشراً على أن المؤسسات تواصل ضمان حسن سير الديمقراطية البرازيلية»، مشيداً بـ«قرار مستقل» للمحكمة.
وبرر القاضي مينديس قراره بأنه «من الأفضل دفع ثمن حكومة سيئة وأسيء اختيارها بدلاً من دفع ثمن عدم استقرار النظام»، مضيفاً: «من أراد إقالة الرئيس يجب ألا (...) يجعلوا من المحكمة أداتهم».
وعنونت صحيفة «أو غلوبو»: «تامر يفوز في المعركة والمحكمة تضيع الفرصة». وقبيل الإعلان عن قرار المحكمة تبنى تامر موقفاً متحدياً مع ترجيح بقائه في الحكم بصورة متزايدة. ورفض الرد على 82 سؤالاً خطياً من الشرطة الاتحادية، وطلب حفظ تحقيق بحقه فتحته المحكمة العليا بشبهة الفساد، بحسب ما أعلن محاموه.
وجاء في وثيقة لهيئة الدفاع عن تامر سلمت إلى القاضي إدسون فاشين: «لقد تم التعامل مع الرئيس كأنه ممثل من الدرجة الثانية في مسرحية هزلية أخرجها رئيس شركة إجرامية، ويجد نفسه اليوم مستهدفاً من تحقيق خانق ومتغطرس ولا ينطوي على أي احترام».
وفاشين هو مقرر المحكمة العليا لعملية «الغسل السريع»، التسمية التي أطلقت على فضيحة الفساد الهائلة المتعلقة بمجموعة النفط العامة «بتروبراس». وفتحت الهيئة القضائية العليا البرازيلية تحقيقاً ضد تامر بتهمة الفساد السلبي وعرقلة عمل القضاء بعد ظهور لقطات له سجلها قطب الصناعات الغذائية جوسلي باتيستا يوافق فيها تامر على دفع رشى لسياسي مسجون بتهمة فساد.
وفي عنصر حاسم أكد 4 قضاة من 7 أنهم لن يأخذوا بإثباتات انبثقت عن شهادات لكوادر في شركة الأشغال العامة العملاقة «أوديبريشت» وأدانت تامر وروسيف. وهذه الاعترافات المدوية التي حصل المحققون عليها في مقابل وعود بخفض العقوبة، أتاحت الكشف عن دفع ملايين الدولارات من الرشى لأحزاب سياسية من كل المشارب بما فيها حزبا الرئيسة روسيف ونائبها تامر حينها. وقال مصدر في الرئاسة إن تامر تابع وقائع الحوارات التي نقلها التلفزيون بشكل «متقطع» وبقي «هادئاً» وواثقاً. غير أنه يواجه تحقيقاً في المحكمة العليا ومذكرات كثيرة لإقالته إضافة إلى تهديد شركائه في الأغلبية الرئاسية بالانسحاب.
وقد يقرر «الحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي» (وسط يمين) الذي يملك 4 وزراء في الحكومة، التخلي عن دعم تامر وذلك خلال اجتماع لقادته الاثنين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟