البرلمان الليبي يتجاهل «أزمة معيتيق» ورئيس الوزراء الجديد يستبعد «تدخلا دوليا»

غرق 40 مهاجرا بالتزامن مع تنصل الحكومة من تصريحات وزير الداخلية

سيف الإسلام القذافي كما بدا أمس خلال محاكمته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من محبسه في مدينة الزنتان الليبية (أ.ف.ب)
سيف الإسلام القذافي كما بدا أمس خلال محاكمته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من محبسه في مدينة الزنتان الليبية (أ.ف.ب)
TT

البرلمان الليبي يتجاهل «أزمة معيتيق» ورئيس الوزراء الجديد يستبعد «تدخلا دوليا»

سيف الإسلام القذافي كما بدا أمس خلال محاكمته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من محبسه في مدينة الزنتان الليبية (أ.ف.ب)
سيف الإسلام القذافي كما بدا أمس خلال محاكمته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من محبسه في مدينة الزنتان الليبية (أ.ف.ب)

تجاهل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا أمس، الجدل القانوني حول شرعية تعيين رئيسه نوري أبو سهمين حديثا لأحمد معيتيق رئيسا للحكومة الانتقالية خلفا لرئيسها الحالي عبد الله الثني. وعقد «المؤتمر» اجتماعا أمس، بمقره الرئيس في العاصمة الليبية طرابلس، هو الأول من نوعه بعد إعلان إدارة القانون والفتوى بوزارة العدل الليبية انتفاء شرعية تعيين معيتيق؛ لكن البرلمان لم يتطرق إلى هذه الأزمة، وبحث في المقابل مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام الحالي.
وتجنب «المؤتمر» التعليق على هذه الفتوى ولم يصدر أي بيان رسمي يوضح الكيفية التي سيسعى بها لمعالجة هذا الجدل السياسي والقانوني، الذي تصاعد بعد تأكيد عز الدين العوامي، النائب الأول لرئيس «المؤتمر الوطني»، أن انتخاب وتعيين معيتيق جرى بطريقة مخالفة للقانون.
من جهته، قال معيتيق إن حكومته الجديدة التي يعكف على تشكيلها ستتكون من مجلس كامل بجميع الوزراء، مشيرا إلى أنه سيشكل حكومة مصغرة تعد «حكومة أزمة» تجتمع كل يوم، وتكون بمثابة مجلس أمن قومي لليبيا، فيما سيجري الاجتماع بباقي الوزراء بشكل اعتيادي. وأضاف في مقابلة تلفزيونية مع قناة محلية مساء أول من أمس، أن حكومته ستتكون من وزارات الداخلية والدفاع والعدل والمالية والحكم المحلي وديوان رئاسة الوزراء، موضحا أنه سيعين ثلاثة نواب له للأمن والحكم المحلي والمصالحة الوطنية.
واستبعد معيتيق أن تكون هناك نية للمجتمع الدولي التدخل في ليبيا، عادا إياه أمرا «غير مقبول». وقال إن «التصريحات بهذا الخصوص إعلامية أكثر منها واقعية، سيجرى التواصل مع كل الأطراف في العالم ويجب أن نجلس على الطاولة ونتفاهم». وأثار معيتيق، مجددا، استياء المكتب السياسي لإقليم برقة، الذي يطالب بالمزيد من الحكم الذاتي ويسيطر على موانئ النفط الشرقية، بعدما رأى أن الاتفاق الذي جرى إبرامه حديثا بين الإقليم والحكومة الليبية «اتفاق يخص حكومة الثني لتسيير الأعمال».
في غضون ذلك، لقي أمس 40 شخصا على الأقل حتفهم بعد غرق سفينة تقل مهاجرين، معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء أمام الساحل الليبي، وفقا لما أعلنه رامي كعال المتحدث باسم وزارة الداخلية الليبية. وقالت مصادر ليبية إنه «جرى إنقاذ 50 شخصا تقريبا من الغرق على مسافة 60 كيلومترا شرق طرابلس».
وصارت ليبيا، ذات الحدود الطويلة والمطلة على جيران من جنوب الصحراء والمواجهة لمالطا وإيطاليا على الضفة الأخرى من البحر المتوسط، ممرا معتادا لمهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط يحاولون الوصول إلى أوروبا. وفي مارس (آذار) الماضي، أنقذت البحرية الإيطالية أكثر من 4000 مهاجر من قوارب مكتظة بالركاب في عرض البحر المتوسط جنوب صقلية في أربعة أيام فقط.
ويدفع كثير من اللاجئين أكثر من ألف دولار لـ«عصابات إجرامية» لنقلهم عبر البحر من ليبيا، حيث تلاقي الحكومة صعوبات في السيطرة على البلاد التي تعج بالأسلحة، ويوجد بها كثير من كتائب المقاتلين السابقين منذ الحرب الأهلية التي أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي في عام 2011.
من جهتها، نأت الحكومة الليبية بنفسها عن تصريحات مثيرة للجدل أطلقها صالح مازق، وكيل وزارة الداخلية المكلف تسيير مهام الوزارة، التي هدد فيها بـتسهيل عبور مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا إذا لم يساعد الاتحاد الأوروبي طرابلس في التصدي لهذه الظاهرة. وكان مازق قد أعلن في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة طرابلس مساء أول من أمس، أن «ليبيا لم يعد باستطاعتها مواجهة هذا السيل الجارف من المهاجرين الذين يدخلون إلى ليبيا، ونشروا الجريمة والسرقة والأمراض»، مهددا بأن ليبيا ستفتح حدودها في حال إذا لم تكن أوروبا جدية في المساهمة معها في معالجة هذه القضية، «لأن خطورة الظاهرة في ليبيا أصبحت تتطلب أفعالا وليس أقوالا»، على حد قوله.
وأضاف الوزير العائد لتوه من زيارة عمل إلى فرنسا: «أحذر العالم كله، وخصوصا الاتحاد الأوروبي، إذا لم يتحملوا مسؤولياتهم؛ فإن ليبيا يمكن أن تسهل عبور هذا التدفق للمهاجرين باتجاه أوروبا». وبعدما قال إن بلاده تعاني وجود آلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين، خصوصا من دول أفريقيا، أكد أن «ليبيا دفعت الثمن.. الآن، جاء دور أوروبا».
وتقترب هذه التصريحات من آخر المواقف المعلنة للقذافي، الذي كان قد طالب أوروبا قبل اندلاع الثورة ضده في فبراير (شباط) عام 2011 بتقديم خمسة مليارات يورو سنويا إلى ليبيا، لوقف ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
لكن حكومة الثني أصدرت أمس، في المقابل، بيانا أكدت فيه أنها ماضية وبكل قوة في مكافحة هذه الظاهرة، لما أفرزته من سلبيات على التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية للبلاد، لافتة إلى أنها مستمرة في التعاون مع الدول المعنية كافة، وخاصة إيطاليا، في مراقبة الحدود للحد من تدفق المهاجرين. كما أعلنت الحكومة التزامها التام بكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية أو الثنائية المتعلقة بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وحثت في نفس الوقت الدول كافة على التعاون لإقامة مشاريع تنموية في دول المنبع للتخفيف من حدة هذه الظاهرة.
في سياق آخر، قررت محكمة استئناف طرابلس تأجيل الجلسة العلنية الثانية لمحاكمة 37 من رموز نظام القذافي، بمن فيهم ابنه سيف الإسلام، وكبار معاونيه، إلى 25 مايو (أيار) الحالي. وأرجعت المحكمة قرارها لتمكين هيئة الدفاع عن المتهمين من الاطلاع على الأوراق والمستندات الخاصة بالقضية، وتمكين حضور محام عن سيف القذافي الذي مثل مجددا أمام القضاء عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من محبسه في مدينة الزنتان الجبلية بغرب ليبيا، بينما مثل متهمون آخرون عبر نفس الدائرة من مدينة مصراتة. ويواجه المتهمون تهم ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية إبان الثورة، وتشكيل كتائب مسلحة لقمع المدنيين وخلق الفتنة بين الليبيين، والفساد المالي والإداري. ومثل رئيس الاستخبارات الليبية السابق عبد الله السنوسي أمام المحكمة لأول مرة برفقة محاميه، ليبي وثلاثة تونسيين، اختارتهم أسرته. بينما لم يتمكن المحامي الذي عينته المحكمة لسيف الإسلام من حضور جلسة الأمس، ولذلك فقد أجلت المحاكمة لإتاحة الفرصة له لتقديم المساعدة لموكله، بحسب المحامين.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.