تكتسب معركة «تحرير» مدينة الرقّة، بشمال وسط سوريا، أبعاداً سياسية وجيوستراتيجية على أكثر من صعيد. فهي التي ستكون محطة أساسية في تقليص وجود «داعش» جغرافياً، وستشكّل «ورقة» في يد «الفيدراليين» الأكراد الذين سيحجزون بتحريرها «فيدراليتهم» في خريطة سوريا المستقبلية. هذا أمر يزيد من قلق تركيا التي لطالما حذّرت من وصول حزب «الاتحاد الديمقراطي» إلى حدودها وهدّدت بالمواجهة بعد رفض أميركا الانصياع لرغباتها في تولي مهمة المعركة.
وفي اليوم نفسه الذي أعلنت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إطلاق ما وصفتها بـ«المعركة الكبرى» أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن بلاده «ستردّ فوراً» إذا ما شكّلت عملية استعادة الرقة أي تهديدات لها. وأكّد «لن نسمح بأن تتضرر بلادنا من تعاون الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب الكردية»، لافتاً إلى أن «أميركا تتعاون مع تنظيم إرهابي للقضاء على تنظيم إرهابي آخر، رغم تحذيراتنا».
تعتبر معركة تحرير مدينة في الرقّة من أهم العمليات العسكرية التي تحاول مختلف الأطراف والدول الراعية عبرها كسر الهيمنة الأساسية للتنظيم داخل الأراضي السورية. ويذكر أن المدينة الواقعة على نهر الفرات، والتي كانت منبعاً لأول نشاطاته وحملاته العسكرية و«عاصمة الخلافة» المزعومة، يمكن أن تفضي السيطرة عليها لانسحابات متتالية في المناطق المتبقية له على الأراضي السورية.
في المقابل، فإن انتصارات مسلّحي الأكراد الطامحين إلى الفيدرالية ما زالت تحتاج إلى تمكين، وفق ما يرى محللون، خصوصاً أنهم في حاجة إلى الضمانة الدولية الدائمة كما أنهم يثيرون غضب «الجارة» تركيا.
«داعش» في معركة الرقة وما بعدها
يرى الدكتور سامي نادر، مدير معهد المشرق للبحوث الاستراتيجية في العاصمة اللبنانية بيروت أن «معركة الرقّة هي المعركة ما قبل الأخيرة ضد التنظيم في سوريا»، معتبراً أن معركة مدينة دير الزور هي التي ستكون الحاسمة والأهم. ويشرح نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «تحرير الرقة قد يؤدي إلى انحسار (داعش) الذي قد ينتهي جغرافياً بخسارته الأرض، أو ما كان يعتبرها عاصمته، إنما لن ينهيه آيديولوجياً، واعتداءات لندن الأخيرة خير دليل على ذلك، في وقت تتطلب مواجهة آيديولوجيته خطة سياسية دقيقة شاملة وأكبر».
من ناحية ثانية، يقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن «إذا خسر (داعش) الرقة سينهار في كامل الأراضي السورية». وعلى الرغم من المعلومات التي تشير إلى أن ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) - ذات الغالبية الكردية - تجري مفاوضات مع التنظيم للانسحاب من الرقة، وهو ما سبق أن أكّده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يرى عبد الرحمن أن «(داعش) سيقاتل حتى النهاية في الرقة، إلا إذا قرر الانسحاب. وهو بات في مأزق كبير لأن التحالف الدولي يرصد منطقة دير الزور والطائرات الحربية الروسية ترصد البادية السورية». ويضيف «إن هناك أكثر من ألفي مقاتل متحصّنين داخل مدينة الرقة»، معرباً عن خشيته على حياة أكثر من 150 ألف مدني باتوا دروعاً بشرية للتنظيم وهم يتعرّضون لقتل شبه يومي من قبل طائرات التحالف الدولي في ظل غياب أي ممرّات آمنة لخروجهم».
وفي قراءة ثالثة، يتوقع الخبير والباحث السوري أحمد أبا زيد، أن تكون الخطوة المقبلة للتنظيم التموضع وتركيز العمليات على دير الزور والبادية السورية التي تعتبر المعركة الأساسية في المرحلة المقبلة لجميع الأطراف». ويتابع أبا زيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «أهمية الرقة بالنسبة إلى التنظيم أهمية رمزية وليست عسكرية، على اعتبار أنها كانت المدينة الأولى التي سيطر عليها، لكنها في الحقيقة ليست ذات ثقل عسكري بالنسبة إليه. ذلك أن عاصمته الفعلية ومركز ثقله كانت مدينة الموصل في العراق، والتحشيد العسكري الذي حصل في المرحلة الأخيرة في الرقة كان تحضيراً للمعركة».
جدير بالذكر، أن مدينة الرقة، التي تحوّلت في عام 2014 إلى أبرز معاقل «داعش» في سوريا، تتمتع بموقع استراتيجي في وادي نهر الفرات عند مفترق طرق مهم. وهي قريبة نسبياً من الحدود مع تركيا وتقع على بعد 160 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة حلب وعلى بعد أقل من مائتي كلم إلى الغرب من الحدود العراقية. ولقد أسهم بناء سد الفرات على مستوى مدينة الطبقة - الواقعة إلى الغرب منها - في ازدهار مدينة الرقة التي لعبت دوراً مهماً في الاقتصاد السوري بفضل النشاط الزراعي.
مخاوف من «الفيدرالية» الكردية
على صعيد آخر، يرى الباحث الاستراتيجي اللبناني الدكتور خطار بودياب، أن «الثمن الذي قد يحصل عليه الأكراد سيكون في تكريس سيطرتهم على مناطق ذات غالبية كردية مثل القامشلي والحسكة وغيرها في شمال وشمال شرقي سوريا، إنما ليس الرقّة». ويوضح بودياب لـ«الشرق الأوسط»، أن «وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التي تشرف على معارك الرقّة عبر التحالف الدولي لن تسلّم هذه المنطقة إلى الأكراد، بل إنها ستشهد الرقة السيناريو نفسه الذي حصل في مدينة منبج (محافظة حلب) التي تسلمها (مجلس منبج المحلي)؛ إذ ستسلّم إلى «مجلس» للرقّة، وهو ما بدأ التحضير له».
وكانت ميليشيا «قسد» قد أعلنت بالفعل تشكيل «مجلس مدني» في أبريل (نيسان) الماضي، لإدارة المدينة وريفها فور استكمال طرد التنظيم منها. وصرحت الناطقة باسم عملية «غضب الفرات» جيهان شيخ أحمد بأن «المجلس المدني الذي انضم إليه أهالي الرقة بكل مكوّناتهم سيتسلم إدارة المدينة بعد تحريرها من (داعش)». وهنا، نشير إلى أنه على الرغم من الغالبية العددية للميليشيات الكردية، فإن ثمة فصيلاً عربياً يشارك حالياً في معركة الرقة، ويتوقّع البعض أنه يكون له دور ما بعد تحرير المدينة، وهو «قوات النخبة السورية» التابعة لـ«تيار الغد» الذي يتزعمه الرئيس السابق للائتلاف الوطني أحمد الجربا.
الدكتور نادر يصف معركة تحرير الرقة بـ«الورقة الجيوستراتيجية» بيد الأكراد «الفيدراليين»، موضحاً أنه «بعدما امتنعت أميركا عن إعطاء هذه الورقة لتركيا لم يعد أمام الأخيرة إلا تكريس نفوذها في الشمال بلعب دور حامي السنة، وبالتالي، إعادة النظر ببعض حساباتها»، وبخاصة مع روسيا بعد القمة العربية الإسلامية الأميركية. ويرى نادر أن «الثمن الذي سيحصل عليه الأكراد هو المزيد من الاستقلالية، وقد يصل الأمر إلى تحقيق حلمهم القديم والوعود التي حصلوا عليها بتأسيس دولتهم»، ويستطرد «وإذا لم يتحقق ذلك بشكل كامل، فإنهم سيحجزون لهم فيدرالية في خريطة سوريا المستقبلية تتمتع عملياً بكل مقوّمات الدولة».
في هذه الأثناء، يرى الدكتور فابريس بالانش، الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن في حوار مع وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) أن الفيدراليين الأكراد «يراهنون على أن السيطرة على الرقة ستضمن لهم دعماً دولياً طويل الأمد يتيح لهم بناء روج - آفا (غرب كردستان)». في حين يرى الخبير في الشؤون السورية في معهد «سانتشوري» سام هيلر للوكالة نفسها، أن «القيادة الكفء والموحدة» فضلاً عن «العداء الحقيقي للتنظيم» الذي تكنه الميليشيا الكردية (وحدات حماية الشعب، ومن ثم «قسد») من الأمور التي أتاحت لها تقديم نفسها على أنها الخيار الأمثل للتحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد داعش».
غير أن الدكتور بو دياب يعتقد أن هناك «بعض التناقضات في النظر إلى ما بعد الرقة»، مضيفا: «هناك من يقول: إن أميركا لن تنظر إلى الأكراد وتعود لترتب تحالفها مع تركيا، علما بأن لدى الأكراد علاقاتهم وتنسيقهم مع روسيا وأوروبا أيضا». وهذا من دون أن يستبعد في الوقت عينه «أن تستفيق الرقة» على ما أسماه بـ«خديعة اليوم التالي» عندما «سيكتشف الجميع أن تحريرها لا يعني نهاية الإرهاب ولا تنظيم داعش، إضافة إلى أن الوضع في سوريا اليوم بات كالرمال المتحركة، حيث إن مناطق النفوذ قابلة للتبدل والتغير على وقع استمرار المعارك في عدد من المناطق».
وفي سياق البعد الكردي أيضاً، يرى نوا بونسي، من مجموعة الأزمات الدولية، وفق كلامه لـ«أ.ف.ب» أنه «حتى الآن، منح الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية بعض الحماية، لكن لا يمكننا افتراض أنه سيكون دعماً دائماً، حتى أنه قد لا يستمر إلى ما بعد العملية الحالية» لاستعادة الرقة. ويرى بونسي أن بين التحديات الأخرى «احتمال أن يسعى النظام إلى السيطرة على المناطق ذات الغالبية الكردية، فضلاً عن التوترات الداخلية في تلك المناطق نتيجة هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي».
ويرى بونسي أنه سيكون على القيادة الكردية «إظهار قدرتها على القبول ببعض التسويات الاستراتيجية التي ستضطر بموجبها إلى التخلي عن بعض طموحاتها لحماية إنجازاتها». ويضيف «إذا كانت قادرة على القيام بتسويات مع القوى الخارجية والتعامل أكثر مع الضغوط الداخلية، سيكون بمقدورها أن تحمي الكثير مما أنجزته».
قوة عسكرية حقيقية
لقد تحول أكراد سوريا «الفيدراليون» خلال سنوات قليلة، من أقلية مهمشة إلى قوة عسكرية حقيقية تقف في صف المواجهة الأول ضد «داعش» وتقود بدعم أميركي معركة طرده من الرقّة. واستغل هؤلاء تصاعد الأزمة وتنامي دورهم، ولا سيما بعد انسحاب قوات نظام دمشق في منتصف 2012 من المناطق ذات الغالبية الكردية محتفظاً ببعض المقار الرسمية، لبناء قوة عسكرية، وباتوا يسيطرون على مناطق واسعة في شمال وشمال شرقي سوريا. وأسسوا عام 2013 «إدارة ذاتية» في «مقاطعاتهم» الثلاث الجزيرة (في محافظة الحسكة)، وعين العرب- كوباني، وعفرين (في ريف حلب) التي أطلقوا عليها اسم «روج - آفا». وعمدوا منذ ذلك الحين إلى التعويض عن عقود من سياسة التهميش الذي اتهموا الحكومات السورية بممارسته، فبدأوا استخدام وتعليم اللغة الكردية وإطلاق أسماء كردية على مناطق سيطرتهم وأحياء تقاليدهم علناً، وبات حزب «الاتحاد الديمقراطي» الانفصالي وميليشياه «وحدات حماية الشعب» الكردية، بمثابة الحكومة والقوى الأمنية في «روج - آفا».
وكما آثار تقدم الميليشيات الكردية ميدانياً توتراً مع الفصائل المعارضة التي اتهمتهم بممارسة «التهجير القسري» بحق السكان العرب، فاقم هذا التقدم مخاوف أنقرة التي تخشى إنشاء حكم ذاتي كردي على حدودها، وتصنف الميليشيا الكردية كمجموعة «إرهابية» وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً مسلحاً ضدها منذ عقود.
الرقة تحت سلطة «داعش»
يذكر أنه منذ سيطرة «داعش» على مدينة الرقة عام 2014 لجأ إلى فرض «قوانينه» الصارمة في المدينة - التي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف، بينهم نحو 80 ألفا من النازحين خصوصا من منطقة حلب، بالإضافة إلى آلاف المقاتلين مع عائلاتهم، وعاقب كل من يخالفها، منفذاً الإعدامات الجماعية وقطع الرؤوس وعمليات الاغتصاب والسبي والخطف والتطهير العرقي وغيرها من الممارسات الوحشية.
وخلال ثلاث سنوات عانى سكان الرقة من صرامة التنظيم التي منعتهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، فبات التعليم خلف الأبواب الموصدة؛ إذ ألغى «داعش» الدراسة بالمنهج الحكومي، فمنع تعليم مواد الفيزياء والكيمياء واقتصرت مدارسه على تدريس الشريعة، وتركز حصص الحساب على الرصاص والقنابل والسلاح.
ويوضح أحد الأساتذة السابقين في الرقة، خلال حديث لـ«أ.ف.ب» أنه «بات درس الرياضيات عبارة عن عمليات حسابية لتعداد البنادق والمسدسات والقنابل والسيارات المفخخة... هناك مادة يطلق عليها العقيدة تشرح العمليات الانتحارية وطرقها ونتائجها». ولذا؛ رفض كثيرون من أهالي المدينة إرسال أبنائهم إلى مدارس تنظيم داعش لحمايتهم من الأفكار المتطرفة والوعود بـ«الجهاد»، وبدأ «التعليم بالسر» في المنازل وخلف الأبواب المغلقة.
محطات المعركة
في بداية أكتوبر (تشرين الأول) 2016، أعلن وزير الدفاع الأميركي (يومذاك) آشتون كارتر، بدء التحضيرات لعزل الرقة بالتزامن مع إطلاق القوات العراقية معركة للسيطرة على مدينة الموصل، معقل «داعش» في العراق. وفي الخامس من الشهر نفسه، أعلنت ميليشيا «قسد» بدء حملة «غضب الفرات» لطرد التنظيم من الرقة بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
ووفق مسؤولين أميركيين، كان هدف العملية أولا التركيز على تطويق المدينة وعزلها عبر قطع محاور الاتصال الرئيسية مع الخارج.
وبعد سيطرة «قسد» على مناطق واسعة في ريف محافظة الرقة الشمالي أعلنت يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) 2016 بدء المرحلة الثانية من الحملة لـ«تحرير» الريف الغربي حيث تقع مدينة الطبقة الاستراتيجية وسد الفرات. وبالفعل، سيطرت الميليشيا يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2017 على قلعة جعبر الأثرية التي تشرف على أكبر سجن يديره «داعش» قرب سد الفرات.
وفي إطار المعركة المستمرة، أعلنت «قسد» في نهاية يناير حصولها للمرة الأولى على مدرّعات أميركية، وتلقيها وعوداً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمزيد من الدعم. كذلك أكدت واشنطن أن المدرّعات من طراز «إس يو في»، وأنها قدّمت إلى «الفصائل العربية» في الميليشيا ذات الغالبية الكردية. ويوم 4 فبراير (شباط)، أعلنت «قسد» بدء المرحلة الثالثة من حملة طرد «داعش» من ريف الرقة الشرقي.
ثم، بعد نحو أسبوعين، أعلنت «البنتاغون» أن قادة التنظيم بدأوا بمغادرة الرقة على وقع تقدم «قسد»، ويوم 6 مارس (آذار) قطعت الميليشيا طريق الإمداد الرئيسي لـ«داعش» بين الرقة ومحافظة دير الزور شرقاً والواقعة بالكامل تحت سيطرة التنظيم المتطرف.
بعد ذلك، في منتصف الشهر نفسه، أفاد مسؤول في «البنتاغون» بأن واشنطن تفكر في إرسال ألف جندي إضافي من أجل هجوم الرقة لتضاعف بذلك عدد العسكريين الأميركيين المنشورين في سوريا، البالغ عددهم حاليا ما بين 800 و900 عنصر. وفي 22 مارس، أعلن أن قوات أميركية وفرت دعماً نارياً وإسناداً جوياً لعملية عسكرية نفذتها «قسد» لاستعادة السيطرة على سد الفرات. وتحدثت «قسد» عن عملية إنزال جوي «ناجحة» نفذتها قوات أميركية وعناصر من «قسد» جنوب نهر الفرات تمهيدا لهجوم على مدينة الطبقة ومطارها العسكرية وسد الفرات.
وفي 26 مارس، استعادت «قسد» مطار الطبقة العسكري الذي كان يسيطر عليه «داعش» منذ أغسطس (آب) 2014 على بعد 50 كلم غربي الرقة.
في 10 مايو (أيار) 2017، سيطرت «قسد» على مدينة الطبقة وسدها، وإن وُجّهت إليها اتهامات في حينه «بالاتفاق» مع «داعش» على الانسحاب. وخلال يومين، يوم 12 مايو 2017، أعلنت الميليشيا أن الهجوم النهائي نحو الرقة سيكون على الأرجح في يونيو (حزيران)، لتعود بعدها وتعلن يوم 6 يونيو بدء «المعركة الكبرى» للسيطرة على الرقة، ودخلت بعد ساعات الجهة الشرقية من المدينة.
وللعلم، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومصادر عدّة أعلنوا أن هناك مفاوضات بين «قسد» و«داعش» تجري لانسحاب التنظيم من الرقة، وقال «تجمع الرقة تذبح بصمت» إن انسحاب التنظيم من الطرف الغربي ولا سيما سدّ البعث وبلدتي المنصورة وهنيدة تم نتيجة اتفاق بين الطرفين، وهو ما سيمهّد لتطبيق الاتفاق نفسه على مدينة الرقة في وقت لاحق وإخلائها من «داعش»، الأمر الذي ينفيه قياديون في «قسد» نفيا تاما ويؤكدون على الاستمرار في المعركة.
الرقة... من ازدهار العصر العباسي إلى احتلال «داعش»
* بلغت مدينة الرقة أوج ازدهارها في عهد الخلافة العباسية. ففي عام 722، أمر الخليفة المنصور ببناء مدينة الرافقة على مقربة من مدينة الرقة الحالية، واندمجت المدينتان في وقت لاحق.
وبين عامي 796 و809، جعل الخليفة هارون الرشيد الرقة عاصمة ثانية له بجانب بغداد، لوقوعها على مفترق طرق بين بيزنطية ودمشق وبلاد ما بين النهرين. وبنى فيها قصورا ومساجد... في عام 1258، دمر المغول مدينتي الرافقة والرقة على غرار ما فعلوا ببغداد.
في الرابع من مارس 2013 وبعد عامين من بدء حركة الاحتجاجات ضد النظام السوري، تمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على مدينة الرقة فباتت أول عاصمة محافظة في سوريا تخرج عن سلطة النظام. ويومها اعتقل مقاتلو المعارضة المحافظ وسيطروا على مقر المخابرات العسكرية في المدينة، أحد أسوأ مراكز الاعتقال في المحافظة، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان». كما جرى تدمير تمثال في المدينة للرئيس السابق حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي.
إلا أن معارك عنيفة اندلعت بين «داعش» ومقاتلي المعارضة بينهم «جبهة النصرة» في بداية يناير عام 2014، وانتهت بسيطرة التنظيم على كامل مدينة الرقة يوم 14 من الشهر ذاته. ثم في يونيو 2014، أعلن «داعش» تأسيس «الخلافة» انطلاقاً من مساحة واسعة من الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا.
في 24 أغسطس من العام نفسه بات التنظيم يسيطر بشكل كامل على محافظة الرقة بعد انتزاع مطار الطبقة من قوات النظام.
وفي يونيو عام 2015، خسر «داعش» بعض البلدات في ريف المحافظة، أبرزها تل أبيض وعين عيسى التي سيطرت عليها ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية. ومن ثم تمكنت ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» – التي تشكل «وحدات حماية الشعب» عمودها الفقري - خلال الأشهر الماضية من إحراز تقدم نحو المدينة وقطعت طرق الإمداد الرئيسية للتنظيم من الجهات الشمالية والغربية والشرقية.