انتخابات تشريعية وسط إجراءات أمنية مشددة في بريطانيا

انتخابات تشريعية وسط إجراءات أمنية مشددة في بريطانيا
TT

انتخابات تشريعية وسط إجراءات أمنية مشددة في بريطانيا

انتخابات تشريعية وسط إجراءات أمنية مشددة في بريطانيا

فتحت مراكز الاقتراع في الانتخابات التشريعية الساعة السابعة صباحا، وأغلقت في الساعة العاشرة في المملكة المتحدة، التي هزتها 3 اعتداءات أسفرت عن 35 قتيلا خلال أقل من 3 أشهر. اثنان من التفجيرات تما قبل أسبوعين من بدء العملية الديمقراطية، الثاني منها قبل أيام معدودة، ما أدى إلى تعليق الحملات الانتخابية للأحزاب الرئيسية احتراما للضحايا.
وأدلى البريطانيون بأصواتهم، الخميس، للاختيار بين الاستمرارية الممثلة في تيريزا ماي، أو الثورة مع جيريمي كوربن، في انتخابات تشريعية مبكرة جرت وسط إجراءات أمنية مشددة، وقبل المفاوضات حول خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
وقالت السلطات إنها فرضت إجراءات أمنية «بالغة المرونة» في لندن، ليتاح للناس ممارسة حقهم الديمقراطي. ولم تصدر أمس أي أرقام عن استطلاعات الرأي عند خروج الناخبين من مراكز الاقتراع قبل انتهاء التصويت في العاشرة مساء.
وجرى هذا الاقتراع الذي دعي أكثر من 47 مليون بريطاني للمشاركة فيه، قبل 3 سنوات من انتهاء ولاية رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماي، التي تأمل في تعزيز أغلبيتها في مجلس العموم لتتمكن من التفاوض من موقع قوة بشأن «بريكست» مع الدول الـ27 الأخرى في الاتحاد الأوروبي.
وبالأمس أدلت ماي وزوجها فيليب بصوتيهما في مسقط رأسيهما قرية سونينغ غرب لندن. وتردد أن ماي وصلت لمركز الاقتراع حاملة بطاقة تعريف الناخب الخاصة بها، والتي يستخدمها كثيرون للتعريف بأنفسهم في مراكز الاقتراع. وهذه البطاقة ليست مطلوبة من الناحية القانونية ليدلي الناخب بصوته. وتأمل ماي في توسيع الأغلبية البرلمانية لحزبها «المحافظين» من خلال هذه الانتخابات.
وطلبت ماي من الناخبين طوال حملتها: «امنحوني تفويضا واضحا للتفاوض حول أفضل اتفاق ممكن للمملكة المتحدة». لكنها واجهت صعوبة في شحذ حماسة مؤيديها واكتفت بتكرار خطبها في تجمعات صغيرة.
تناولت الحملة التي سادها التوتر وكانت قصيرة جدا وتخللتها اعتداءات، قضايا مثل الدفاع عن النظام الصحي الوطني الذي يعزز عادة موقع المعارضة العمالية. ومع أن الدعوة لانتخابات عامة كان سببها هو «بريكست» الذي يشكل إحدى القضايا الرئيسية للبريطانيين، فقد غاب الموضوع عن المناظرات. وباستثناء الجدل حول المسؤول الأفضل لقيادة المفاوضات حول «بريكست»، لم يقدم كوربن ولا ماي رؤية مستقبلية للمرحلة التالية، وكلاهما قال إنه من الصعب التكهن لأن المفاوضات تعتمد أيضا على موقف الطرف الآخر، أي الاتحاد الأوروبي. وحدهما، حزب الديمقراطيين الأحرار والحزب الوطني الاسكوتلندي، وضعا القضية في صلب الحملة. لكن لا يشغل الأول سوى نحو 10 مقاعد، بينما الحزب الوطني الاسكوتلندي هو حزب جهوي يبقى هدفه الرئيسي استقلال اسكوتلندا.
وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم المحافظين في بداية الحملة الانتخابية، لكن تقلص الفارق بينهم وبين المعارضة العمالية، بعدما كان أكثر من 20 نقطة عند الإعلان عن الانتخابات المبكرة في أبريل (نيسان) الماضي. لكن مع إعلان النتيجة اليوم بدأت تتضح الصورة بشأن تأثير الاعتداءات على الاقتراع.
وبالأمس أدلى جيريمي كوربن زعيم حزب العمال منافس ماي بصوته في الانتخابات، في مدرسة ابتدائية بشمال لندن. وقال كوربن للصحافيين لدى خروجه من مركز الاقتراع في منطقة هولوواي في العاصمة: «إنه يوم ديمقراطيتنا. لقد أدليت بصوتي، وإنني فخور بحملتنا الانتخابية». وبدا كوربن مرتاحا بعدما أدهش حزبه الذي حاول 80 في المائة من نوابه الإطاحة به وهم على قناعة بأن الحزب لا يملك أي فرصة للفوز إذا بقي على رأسه.
كوربن (68 عاما) لم يتبوأ أي مركز وزاري سابقا، رغم وجوده عضوا في البرلمان عن منطقة أزلينغتون في شمال لندن لأكثر من 30 عاما. ظل طيلة حياته السياسية بعيدا عن السلطة بسبب مواقفه اليسارية الاشتراكية، ومعاداته للأسلحة النووية، ونهج حزبه في السياسة الخارجية. بالأمس لم يتردد في مهاجمة ماي في الملف الأمني، مشيرا إلى الاقتطاعات التي فرضتها على ميزانية أجهزة الشرطة عندما كانت وزيرة للداخلية. ويرى المحللون أن المحافظين الذين يعتبرون «أكثر صلابة» في القضايا الأمنية، يواجهون انتقادات لأنهم لم يتمكنوا من منع وقوع هذه الهجمات؛ ولأنهم ألغوا 20 ألف وظيفة في أجهزة الشرطة منذ 2010.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟