مصادر فرنسية: ترمب يريد اتفاقاً مع بوتين حول سوريا وجنرالات البنتاغون «يفرملون»

قالت إن الرئيس الروسي يرفض الكشف عن أوراقه ما لم يتلق عرضاً أميركياً

ماكرون ....ترمب .....بوتين
ماكرون ....ترمب .....بوتين
TT

مصادر فرنسية: ترمب يريد اتفاقاً مع بوتين حول سوريا وجنرالات البنتاغون «يفرملون»

ماكرون ....ترمب .....بوتين
ماكرون ....ترمب .....بوتين

في حين تستأثر التطورات الميدانية الحالية في الشمال الشرقي في سوريا وفيما يسمى «البادية»، باهتمام اللاعبين الإقليميين والدوليين، بدا بوضوح أن الاهتمام بالجوانب الدبلوماسية والسياسية قد تراجع. وجاء تأجيل اجتماع آستانة الذي كان مقرراً مطلع الأسبوع المقبل في العاصمة الكازخية، وغياب أي أفق لمعاودة المفاوضات في جنيف في جولة سابعة، ليبين أن الأطراف الضالعة في الصراع تعول بالدرجة الأولى على التطورات العسكرية التي ترى فيها الفيصل في رسم صورة سوريا وشكل «الحل النهائي» الذي يفترض أن يأتي.
ورغم أن باريس تعي أن تأثيرها في مجريات الأمور محدود، فإن دبلوماسيتها ما زالت تنشط في كل الاتجاهات امتداداً للاجتماعات التي عقدها الرئيس إيمانويل ماكرون مع رئيسي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ومع قادة آخرين، أكان ذلك في بروكسل أو في صقلية أو في العاصمة الفرنسية. وتقول مصادر رسمية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن مجموع هذه الاتصالات «وفر لفرنسا رؤية أكثر دقة لما تريده العاصمتان الرئيسيتان في سوريا ولهامش التحرك المفتوح أمام باريس».
بداية، تشير المصادر الفرنسية إلى أن «نقطة الانطلاق» بالنسبة لواشنطن هو احتواء النفوذ الإيراني ومواجهته وإضعافه في سوريا، لكن مشكلتها أنها «حتى الآن لم تُبلوِر سياسة متماسكة تبين رؤية واضحة لما تتمسك به ولما تعتبره غير معنية به في سوريا».
ولذا، تؤكد المصادر أن الرئيس ترمب والطاقم السياسي الذي يعمل معه في البيت الأبيض «يعولان كثيراً على دور لروسيا من أجل إزاحة النفوذ الإيراني»، وبالتالي فإن الرئيس الأميركي، رغم الصعوبات الداخلية التي يعاني منها، التي في جزء كبير منها متصلة بدور روسي مفترض في الانتخابات الرئاسية الأميركية، «يريد التوصل إلى اتفاق مع بوتين حول سوريا». لكن بالمقابل، يواجه هذا المسلك معارضة جنرالات البنتاغون الذين «لا يثقون بروسيا ولا بالرئيس بوتين، وبالتالي فإنهم يفرملون أية اندفاعة نحو اتفاق أو تعاون وثيق» مع موسكو. فضلاً عن ذلك، فإن ثمة نقطة خلافية أخرى داخل الإدارة حيث تلحظ باريس وجود تيارين: الأول، يمثله ترمب الذي يريد، إلى جانب احتواء إيران وإضعاف نفوذها، إخراج الأسد من السلطة، بينما الثاني وتمثله ما يسمى «الدولة العميقة» في وزارتي الدفاع والخارجية يعتبر أن تنحية الأسد «لا يجب أن تكون أولوية أميركية»، بل التركيز على القضاء على «داعش»، وترك موضوع الأسد لـ«مرحلة لاحقة» يرفض المسؤولون الأميركيون تحديد سقف زمني لها.
في الجانب الروسي، تعتبر باريس أن صعوبة استكناه الموقف الروسي مردها إلى أن بوتين «يرفض اليوم الكشف عن أوراقه وعما ينوي تقديمه من أجل تسهيل الحل في سوريا، لأنه يريد اتفاقاً شاملاً مع واشنطن». والحال، كما تقول المصادر الفرنسية، أن الكرملين «سمع الكثير» عن رغبة ترمب في التقارب مع روسيا. إلا أنه لا شيء حسيّاً حصل حتى الآن، وبالتالي فإن موسكو «مستمرة في إدارة الحرب في سوريا وفي تجميع أوراقها بانتظار اللحظة التي تبدأ فيها المساومة الحقيقية».
وتصف المصادر الفرنسية المرحلة الدبلوماسية الحالية فيما خص سوريا بـ«المائعة»، وترى أنها سوف تطول «ما دام اللاعبون الدوليون لم يكشفوا عن مطالبهم وخططهم»، وأن الاهتمام منصبّ على التطورات الميدانية التي سيكون لها الدور الحاسم في رسم صورة ما سترسو عليه سوريا مستقبلاً. وتعتبر باريس أن السؤال «المركزي» هو التالي: ما الثمن الذي تقبل واشنطن بتقديمه للرئيس الروسي، وأين، مقابل تسهيله الحل في سوريا الذي يفترض أن يتم التفاهم عليه بينهما بما في ذلك صورة النظام ودور الرئيس الأسد فيه؟ والحال، تقول المصادر الفرنسية إن هذه المناقشة «لم تبدأ بعد».
في الاجتماع الذي ضمه إلى نظيره الروسي في قصر فرساي، عبر الرئيس الفرنسي عن رغبته في أن «يلعب دوراً» في الأزمة السورية، وطرح على بوتين رؤيته المستندة إلى «تجميد النزاع» القائم بين المعارضة والنظام، وتكريس الجهود لمحاربة «داعش»، وتوثيق التعاون الروسي الفرنسي في هذا المجال، والبحث جدياً عن حل سياسي يوفر الظروف لعملية انتقال لم تعد باريس تطالب أن يكون الأسد خارجها. كذلك شدد ماكرون على إيصال المساعدات الإنسانية من غير تمييز وأخيراً معالجة الأسباب التي ما زالت توفر لـ«داعش» قدرة على الاستقطاب. وأشار ماكرون، وفق المصادر الفرنسية، إلى أن باريس مستعدة مع أوروبا للعب دور لاحق في تعبئة الأطراف القادرة على المساهمة في إعادة الإعمار، وهو ما لا تستطيع إيران أو روسيا القيام به. وفي أي حال، تعتبر باريس أنه «لا سلام جدياً في المنطقة يمكن أن يقوم فقط على تفاهم روسي تركي إيراني، بل يجب أن يشمل الجميع» وعلى رأسهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الخليجية ومصر.
من هنا، اقترح «توسيع» صيغة «آستانة» وضم الجميع إلى العملية السياسية. واقترح ماكرون أن «يستفيد» بوتين من العرض الفرنسي ومن قدرات باريس في التأثير على العواصم الأوروبية وفي «التواصل» مع جميع الأطراف. ويمكن اعتبار أن باريس تريد، من جانبها، الاستفادة من الورقة الروسية للعب دور في الأزمة السورية بعد «التهميش» الذي لحقها منذ التدخل العسكري الروسي المكثف في سبتمبر (أيلول) من عام 2015. ولذا، أخرجت باريس من قاموسها المطالبة بإبعاد الأسد، وأعلن ماكرون أن بلاده تقبل التحاور مع ممثلين عنه من أجل التوصل إلى الحل السياسي المطلوب.
هل ستفلح الدبلوماسية الفرنسية «الجديدة» في تحريك الأمور؟ الواضح أن الرئيس الجديد يريد إحداث تغيير، ولا يقبل أن تبقى بلاده متفرجة بينما هي معنية كما البلدان الأوروبية الأخرى بمصير منطقة الشرق الأوسط، أقله من زوايا الإرهاب والهجرات والاستقرار الإقليمي. لكن الرغبات شيء والوقائع والحقائق وموازين القوى شيء آخر.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.