{أوبك} صخرة أمان نفطية لا تفتتها الخلافات الداخلية

في الساعة 6:16 من صباح أمس الاثنين بتوقيت السعودية، بدأت أسعار النفط تتحرك شمالاً، أي بمعنى أنها بدأت في الارتفاع. وفي خلال نصف ساعة تقريباً ارتفع سعر نفط برنت من 50.13 دولار إلى 50.71 دولار بحلول الساعة 6:44 صباحاً.
لقد كان السبب في ارتفاع أسعار النفط هو العناوين الصادرة من السعودية والإمارات والبحرين بقطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع قطر إحدى الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
في البداية، تفاجأت الأسواق من القرار ولم يكن واضحاً لدى المتعاملين في السوق النفطية مدى تبعات هذا القرار على موقف قطر في منظمة أوبك أو حتى موقفها من الاتفاق الذي أبرمته مع السعودية وباقي دول الخليج وروسيا ودول أوبك من أجل خفض الإنتاج وإعادة الاستقرار للسوق.
لكن سرعان ما تراجعت الأسعار بعد أن تأكد الجميع أن الاتفاق وأوبك في أمان، وبحلول الساعة 18:35 كانت أسعار نفط برنت في لندن تتداول عند 49.22 دولار للبرميل.
ما حدث أمس يظل دليلا على أن منظمة أوبك لا تزال هي صخرة الأمان في السوق النفطية التي لا تفتتها الصراعات الداخلية السياسية أو حتى العسكرية بين الدول الأعضاء.
لقد شهدت أوبك خلال تاريخها الذي يمتد لسبعة وخمسين عاماً الكثير من الحروب والنزاعات بين أعضائها ابتداء من حرب العراق وإيران في عام 1980 والتي امتدت لثمانية أعوام، مروراً بالاجتياح العراقي للكويت في عام 1990، وانتهاء بالصراع العسكري بين السعودية والقوات الموالية للنظام الإيراني في اليمن الذي اندلع في عام 2015 وما زال مستمراً.
ويقف وراء هذا الاستقرار للمنظمة طيلة هذه السنوات دور السعودية القيادي والتي كانت وما زالت تبذل قصارى جهدها لضمان تدفق النفط إلى الأسواق والحفاظ على السوق النفطية من أي اضطرابات تؤثر على استقرارها.
ورغم كل الخلافات السياسية بين السعودية وإيران حول الكثير من المواقف في البحرين واليمن وسوريا ولبنان وغيرها، فإن السعودية في أوبك تنظر إلى مصالح أبعد من مصالحها الذاتية وتفكر في مصالح السوق النفطية والاقتصاد العالمي بشكل عام. هذه السياسة السعودية هي التي ساهمت في جعل البلدين يتفقان في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي مع باقي دول المنظمة على تخفيض إنتاجهم بواقع 1.2 مليون برميل يومياً.
وطمأنت روسيا، الحليف الأول للسعودية في الاتفاق الحالي لخفض إنتاج النفط بين أوبك والدول خارجها، الأسواق بأن ما يحدث بين قطر والدول في الشرق الأوسط لن يؤثر على الاتفاق. ونقلت وكالة ريا نوفستي الروسية عن الممثل الروسي للمنظمات الدولية في فيينا أمس أنه لا يرى تؤثر الاتفاق مع أوبك بما يحدث.
ويقول رئيس الأبحاث في مركز الخليج للدراسات الدكتور جون اسفاكياناكيس لـ«الشرق الأوسط» إن السعودية لن تنقل صراعها السياسي إلى أسواق النفط بأي شكل من الأشكال، خاصة أن لديها التزاما عالميا مع 23 دولة من أجل خفض الإنتاج للحفاظ على استقرار السوق.
وأضاف: «لقد التقى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام في موسكو وأكد الجميع على أن البلدين سيعملان على الحفاظ على استقرار الأسواق النفطية، وليس من المعقول أن تقوم السعودية بفعل العكس الآن».
وقال اسفاكياناكيس إن روسيا الآن باتت جزء من الاتفاق وبسبب علاقاتها القوية مع قطر والسعودية يمكن القول إنها لن تجعل الاتفاق ينهار لأي سبب من الأسباب.
ويضيف الدكتور جون إنه حتى في حالة خروج قطر في أسوأ الاحتمالات فإن هذا لا يعني أن الاتفاق سيتأثر بصورة كبيرة، إذ إن حجم إنتاج قطر لا يتجاوز 700 ألف برميل في أفضل حالاته بينما تستطيع السعودية وروسيا أن ينتج كل منهما 11 مليون برميل يومياً.
وتبقى قطر رغم ذلك أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم إلى جانب روسيا التي تأتي في المرتبة الثانية، وتصدر قطر الغاز الطبيعي إلى الإمارات عن طريق خط أنابيب وتقوم بشحنه في صورته السائلة إلى بعض الدول في المنطقة ومن بينها مصر التي أعلنت كذلك عن مقاطعة قطر أمس.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين في قطاع الغاز إن خط الأنابيب دولفين المتجه من قطر إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان يعمل بشكل طبيعي يوم أمس على الرغم من الخلاف السياسي بين الدوحة وبعض الدول العربية.
ويربط حقل دولفين للغاز حقل الشمال القطري العملاق بالإمارات وسلطنة عمان وكان أول مشروع غاز عابر للحدود في منطقة الخليج ويضخ نحو ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميا إلى الإمارات.
ونقلت رويترز عن مصدر روسي مطلع أن موسكو لا ترى سببا للقلق على صعيد الطاقة، مضيفاً أن دول أوبك تعاونت في الماضي رغم نشوب خلافات دبلوماسية. وتابع المصدر أن موسكو تخطط لمناقشة الوضع المتعلق بقطر في اجتماع لجنة المراقبة المشتركة بين أوبك.