الإرهاب يدفن حملات الانتخابات داخل صفحات الجرائد البريطانية

استطاع «الإرهاب»، وللمرة الثانية خلال أقل من شهر أن يشل حملات الانتخابات التي تقودها أحزاب بريطانيا قبيل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في الثامن من شهر يونيو (حزيران) الجاري. حيث أعلن حزب المحافظين أمس تعليق حملته الوطنية للانتخابات التشريعية حتى آخر النهار بعد الاعتداء الذي أودى بحياة ستة أشخاص على الأقل في وسط لندن مساء أول من أمس. كما قال زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين في بيان إن «حزب العمال سيعلق حملته الانتخابية حتى المساء بعد التشاور مع أحزاب أخرى، احتراما للذين قتلوا وللجرحى». وكانت قد اضطرت الأحزاب تعليق حملاتها لبضعة أيام في أواخر مايو (أيار) في اعتداء إرهابي في مدينة مانشستر استهدف حفلة غنائية وأسفر عن سقوط 22 قتيلا و75 جريحا.
* مانشيت» دموي
وانهمكت الصحف أمس بتغطية تفاصيل الاعتداء في جسر لندن و«بورو ماركت»، إلى جانب تغطية مكثفة على مدار الساعة في مواقعها الإلكترونية، وعلى القنوات التلفزيونية. وأجمعت الجرائد بـ«مانشيت» الصفحة الأولى أن «الإرهاب زلزل لندن». وقالت صحيفة «صنداي تلغراف» إن هجوم لندن يأتي عقب أيام من الهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة مانشستر في 22 مايو الماضي والذي أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عنه. ووضعت الصحيفة صورة لأحد رجال الشرطة على جسر لندن قائلة: «مذبحة على جسر لندن... الإرهاب يضرب مرة أخرى». وقالت صحيفة «صنداي هيرالد» الاسكوتلندية إن الشرطة البريطانية أغلقت العاصمة لندن بعد الهجمات الإرهابية التي ضربتها. بينما نقلت صحيفة «صنداي ميرور» روايات شهود العيان على الحادث الإرهابي. وكما توارت الحملات الانتخابية عن صفحات الجرائد الأولى عقب اعتداء مانشستر، حدث ذلك أيضا بعد هجوم لندن.
* مناظرة ساخنة وانتقادات
وبينما كانت نقاط الاختلاف والقضايا الساخنة التي تساءل عنها الإعلام البريطاني مرتبطة بخطط برنامجي العمال والمحافظين الانتخابية في شؤون الإنفاق ومستقبل الضرائب وتمويل هيئة الخدمات الصحية، تحول التركيز، عقب الاعتداءين الإرهابيين، إلى ملف الأمن القومي وتعامل كلا الحزبين مع قضايا الإرهاب.
وسيطر موضوع الأمن، على أول مناظرة بين تيريزا ماي ومنافسها جيريمي كوربين أدارها الصحافي جيريمي باكسمان، قبل أيام معدودة من الانتخابات التشريعية، فيما تلقت ماي انتقادا حول «الخفض» المدمر في عدد أفراد الشرطة خلال توليها وزارة الداخلية لست سنوات، لم ينج كوربين من الانتقادات حول الأمن أيضا. ويأتي ذلك بعدما تعهد زعيم حزب العمال بتغيير السياسة الخارجية للبلاد إذا فاز حزبه في بهدف «تقليص التهديدات الإرهابية لا زيادتها». وتحدث كوربين عن وجود ارتباط بين انخراط المملكة المتحدة في حروب خارجية والإرهاب في الداخل.
وقال كوربين إن «الكثير من الخبراء، بما في ذلك المتخصصون في مجالات الأمن والاستخبارات، ربطوا بين الحروب التي انخرطت فيها بريطانيا أو دعمتها أو شاركت فيها في الخارج والإرهاب في الداخل». وأضاف: «اللوم يقع على الإرهابيين بالطبع لكننا أيضا يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا بشأن ما يهدد أمننا بالفعل». ووعد كوربين بالتراجع عن القرارات - التي اتخذت في ظل حكومة المحافظين - بشأن خفض نفقات الشرطة. وقال: «سنغير سياساتنا في الداخل وفي الخارج»، مضيفا أن حكومته ستسلك نهجا مختلفا في السياسة الخارجية من ناحية وتجاه ميزانية الشرطة والخدمات الأمنية وخدمة الرعاية الصحية الوطنية «إن إتش إس» من ناحية أخرى.
لكن معارضين له انتقدوا التوقيت الذي اختاره كوربين لتلك التصريحات. وعنونت «الديلي ميل»: كوربين يشعل غضب الناس بعد اعتباره أن الإرهابيين هم مجرد مقاتلين. كما سارعت «الديلي تلغراف» بنشر مقال بعنوان «جيريمي كوربين ينحى باللائمة في هجوم مانشستر على حروب بريطانيا في الخارج». وقالت الصحيفة إن خطاب كوربين حول الإرهاب والأمن تهدده بالتعرض لاتهامات «انعدام المسؤولية ومحاولة استغلال حوادث إرهابية» لتحقيق مصالح سياسية خاصة في فترة الانتخابات هذه.
وتضيف الصحيفة أن كوربين صوت في مجلس العموم ضد المشاركة في حرب العراق عام 2003. وضد نشر جنود بريطانيين في أفغانستان عام 2010. كما صوت ضد إعلان منطقة حظر جوي فوق ليبيا عام 2011. وتعرج الصحيفة على مواقف أخرى لكوربين منذ انضم لمجلس العموم عام 1983 ومعارضته الدائمة ورفض التشريعات التي كانت تعرض على المجلس بهدف «مكافحة الإرهاب». وتقول إن كوربين أيضا عارض ورفض الحملة العسكرية ضد «داعش»، وصوت ضد المشاركة فيها رغم اختلاف عدد كبير من أعضاء الحزب معه بهذا الصدد. وتضيف أن كوربين أجبر قبل أيام على القول صراحة إن هجوم مانشستر كان «عملا إرهابيا» بعدما وصفه في البداية «بالعنف المروع والحادث الرهيب».
* ما بعد هجوم لندن
يبدو أن اعتداء لندن أول من أمس سيؤثر على الناخبين الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراح يوم الخميس الجاري لاختيار الحزب الذي سيؤمن لهم حياة خالية من مخاوف اعتداءات إرهابية محتملة، الأمر الذي ناقشته قنوات بريطانيا أمس خلال تغطيتها المستمرة لأعقاب الهجوم.
وبدورها، أكدت تيريزا ماي أمس أن الانتخابات التشريعية ستجرى كما هو مقرر ودانت ماي الاعتداء وقالت إن بريطانيا تواجه تهديدا جديدا يقوم فيه المهاجمون «بتقليد بعضهم» وإن الاعتداءات الأخيرة وإن لم تكن جزءا من المكيدة نفسها، فإنها متصلة فيما بينها لأنها «نتاج آيديولوجية التطرف الإسلامي الشريرة نفسها».
وأضافت أن «الإرهاب يغذي الإرهاب ومرتكبوه لا يتصرفون بموجب مكائد معدة بعناية وإنما هم مهاجمون معزولون يقلدون بعضهم باستخدام الوسائل الأكثر فظاعة».
وقالت إن محاربة آيديولوجية التطرف الإسلامي، بحسب ذكرها، هي «أحد التحديات الكبرى في عصرنا»، معتبرة أن الرد لا يمكن أن يكون فقط عبر عمليات مكافحة الإرهاب المستمرة وإنما يجب أن يجري كذلك في فضاء الفكر وعلى الإنترنت «لمنع انتشار التطرف والعمليات الإرهابية».
وقالت ماي التي تحدثت من أمام مكتبها في 10 داونينغ ستريت بعد اجتماع أمني إن «الحملة الانتخابية ستستمر كالمعتاد منذ الاثنين (اليوم) والانتخابات العامة ستجري كما هو مقرر».
وسرعان ما انتهت ماي من مخاطبة الشعب أمس، سارع الإعلام بتحليل خطابها وتأثيره على حملة الانتخابات المعلقة. وفي مقال رأي نشرته مجلة «نيو ستايتسمان» على موقعها الإلكتروني، تساءل الكاتب ستيفان بوش من نوايا وتداعيات خطاب ماي وقال، «كلام ماي قدم ضمانات أمنية لمن ينوي أن يختار المحافظين في الانتخابات». وأضاف، «في الوقت الذي علقت فيه الأحزاب الحملات الانتخابية، لا نستطيع إلا أن نعتبر خطاب ماي دعائيا لحزبها». واستطرد، «قد يكون ذلك عادلا كرد صارم للحزب الحاكم حاليا على الهجوم الإرهابي، لكنه منح منبرا للمحافظين فقط لطرح حلول واستثنى توفير فرصة للأحزاب الأخرى». وبدوره، سارع الكاتب في صحيفة «الغارديان» تشارلز آرثر بانتقاد فحوى خطاب ماي وعنون مقاله، «إلقاء اللوم على الإنترنت ليس عذرا كافيا لتبرير وقوع الهجوم يا تيريزا ماي».
ولم يبخل الإعلام على كوربين في هذا السياق، فنال نصيبه من الانتقاد أيضا في مقال نشرته «التلغراف» على موقعها للكاتب تشارلز مور تحت عنوان، «رغبة كوربين في بدء حوار مع المتطرفين ليس فقط خارجا عن المألوف، بل هو اقتراح خطر». وأضاف، «أتفق مع زعيم العمال أن توفر معلومات استخباراتية عن المتطرفين من خلال اختراقهم أمر مهم، لكن بدء حوار معهم يمنحهم شرعية بل وقد يكافئ أفعالهم المشينة». واختتم حديثه، «ما حدث في اعتداء لندن يشير إلى أن الانتخابات ستميل إلى كفة المحافظين لأن ملف الأمن هو الذي يتصدر». ومع تكهنات وتحليلات الإعلام، وكما أثبت لنا أن استطلاعات الرأي قد تخفق في التنبؤ أحيانا، سيظل الحزب الحاكم الجديد مجهولا حتى إعلان نتائج الانتخابات. لكن الأمر الذي يعيه السياسيون، والوسط الإعلامي، أن ملف الأمن القومي سيؤثر وبشدة على تحديد هوية قاطن 10 داونينغ ستريت.