التفسير النفسي للتطرف والإرهاب

انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)
انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)
TT

التفسير النفسي للتطرف والإرهاب

انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)
انتشار امني مكثف في شوارع مانشستر عقب التفجير الانتحاري للحفلة الغنائية الشهر الماضي (رويترز)

في توقيت مواكب للحادث الإرهابي الشنيع الذي شهدته مصر وتحديداً في محافظة المنيا في صعيد البلاد، والذي أودي بحياة نحو 30 شخصاً جلهم من الأطفال الأبرياء، بالإضافة إلى عشرات المصابين، وكان قد سبقه حادث إرهابي آخر في مدينة مانشستر البريطانية أودى كذلك بالكثير من الآمنين وروع المواطنين المسالمين صدر عن مكتبة الإسكندرية كتاب قيم للغاية، ضمن سلسلة الكراسات العلمية المحكمة التي تصدر عن وحدة الدراسات المستقبلية، ويبحث في «التفسير النفسي للتطرف والإرهاب»، ومؤلفه الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ علم نفس الإبداع، ووزير الثقافة المصري الأسبق والكاتب والمفكر صاحب المؤلفات الكثيرة والقيمة.
الكتاب الذي يقع في نحو مائتي صفحة من القطع الكبير جدا يحتوي على خمسة فصول: الأول مفاهيم أساسية، والثاني يتحدث عن التطرف وتقسيم العالم، فيما يتناول الثالث النظريات المفسرة للتطرف، أما الرابع فمجاله الإرهاب والعنف السياسي، والجزء أو الفصل الأخير يخصصه لإشكالية التطرف والتسلط.
وينهي المؤلف عمله بخاتمة بها مسارب أمل عن ثقافة الإبداع في مواجهة ثقافة التطرف والإرهاب.
ولأن المسطح المتاح لا يتسع لاستعراض أو لمناقشة أبعاد الكتاب دفعة واحدة، لذا فقد اخترنا التوقف أمام الفصل الرابع تحديداً، الذي يتناول العلاقة الجدلية بين الإرهاب والعنف السياسي، وهو المشهد الذي يؤلم العالم برمته في الآونة الأخيرة من مانشستر في بريطانيا إلى المنيا في صعيد مصر، في محاولة لفهم أبعاد ما يجري من دوائر جهنمية حول العالم المعاصر.
وفي كل الأحوال فإن الصور التي خلفها الحادثان الإرهابيان الأخيران، أكدت على أن الإرهاب يعمل على نشر الخوف والرعب والشعور الدائم بالتهديد، وذلك لأنه ظاهرة يصعب التنبؤ بحدوثها، فلا أحد يعرف على وجه الدقة متى ستقع الأحداث الإرهابية وأين.
هذه الأزمة كما يرى المؤلف تدفعنا دفعاً في طريق البحث عن نشأة الإرهاب، والبيئة المرسبة أو المهيئة لظهوره، وكذلك الدلالات الرمزية والأبعاد السياسية التي يحاول توصيلها من خلال سردياته وإشاراته التي لا تتوقف عن الظهور هنا وهناك.

إشكالية تعريف التشدد
يعمق الدكتور شاكر البحث عن حول مسألة تعريف الإرهاب والتي أضحت بالفعل إشكالية أمام المنظرين لهذا «الوباء» الذي انتشر في عالمنا، سيما وأن ما يراه البعض إرهاباً قد تعتبره جماعات أخرى مقاومة شرعية ومن هنا تبقى الإشكالية قائمة.
ومثلما توجد صعوبة في تعريف الإرهاب، فإن هناك صعوبة أيضاً في تصنيف الجماعات الإرهابية، وذلك لأن هذه الجماعات كثيراً ما تكون ذات هويات مختلفة، تشتمل على تعريفها لنفسها، وتحديدها لعددها، وكذلك معاييرها الجمعية وقيادتها وأهدافها وغير ذلك من الأمور.
وعلى الرغم من تعقد الموقف الخاص بتعريف الإرهاب، فإن هناك محاولات قد بذلت في تعريفه، وقد اتفق معظمها على أن الإرهاب هو الاستخدام المنظم للعنف على نحو ممنهج ولأهداف سياسية من قبل جماعة أو منظمة، والتي تقوم باستخدام للعنف أو التهديد باستخدامه على نحو منظم، من أجل أن تحقق أهدافها السياسية، وغالبا ما يكون ذلك الاستخدام، من جانب الجماعات الإرهابية استخداما رمزيا، أي موجها على نحو خاص نحو رموز الدولة.
والشاهد وبحسب سطور الكتاب القيم ومن خلال التقييم الموضوعي والتحليل العلمي للظاهرة، تظل هناك صعوبات في الوصول إلى تعريف مقنع أو يحظى بالقبول التام ويميز بين الإرهاب والسلوك العنيف، ومع ذلك فإن هناك وبشكل عام، نوعاً من الاتفاق على أن الإرهاب هو: «ذلك الاستخدام المتعمد والمنظم للعنف، والذي تقوم به أعداد صغيرة من الأفراد، أما العنف المجتمعي فيتسم بأنه سلوك تلقائي وغير منظم ويتطلب مشاركة كبيرة».
على أن العنف والإرهاب حول العالم من الشرق إلى الغرب ومن شمال المسكونة إلى جنوبها باتا يدفعان المفكرين إلى ما هو أبعد وأعمق من محاولات العلاج الأمني أو الاستخباراتي، على أهميتهما، فتأصيل الظاهرة، قد يقود إلى المنابع، وتجفيفها يقطع سيل الإرهاب المنهمر صباح مساء كل يوم.

أسباب ذيوع العنف والإرهاب
يفرد المؤلف سطورا عميقة للأسئلة التي طرحها «روبون وأوروز» في كتابهما «ثقافة تحت الحصار» و«العنف الجمعي والصدمة» عام 2000م، وهي أسئلة ينبغي علينا أن نعرف إجاباتها عندما نتصدى لمحاولة الفهم والتفسير لذيوع العنف الآن في بعض المجتمعات البشرية، ومن أهم هذه الأسئلة ما يلي:
1. ما الدوافع التي تقف وراء العنف عادة والعنف السياسي المرتبط بالتطرف والإرهاب على نحو خاص؟
2. ما الثقافة التي تكون حاضنة للعنف، ومفرخة، أو مولدة للعنف أكثر من غيرها؟
3. ما السرديات الثقافية المرتبطة بالعنف والعدوان وكيف يتم ترميز وتشكيل شفرات العنف الجماعي في هذه السرديات؟
4. كيف تلعب التشكيلات الثقافية التي تشتمل على الرموز والفولكلور والتراث وأنماط القدوة أو النماذج والطقوس وعلاج إحدى الصدمات؟ وكذلك ما العمليات الثقافية السيكولوجية المتضمنة في تربية الأطفال وفي استجابتهم للعنف؟
5. ما دور ما يسميه «إيريك أريكسون» بالثقة الأساسية؟ ما دور الثقة، أو فقدان الثقة، في المؤسسة الاجتماعية والممارسات الثقافية التي تشكل خبرات تضفي المعنى على حياة الإنسان؟
هنا يلفت المؤلف نظرنا إلى ما يقوله بعض الباحثين من أن العنف واسع المدى أو الجماهيري، وكذلك الإرهاب، قد يكمن وراءه نوع من فقدان الثقة الأساسية في هذه المؤسسات والممارسات، وكذلك محاولة البحث عن مؤسسات وممارسات أخرى بديلة تتوجه إليها مثل هذه الثقة التي تشكل جانبا مهما من الاستقرار السياسي.
كذلك قال الباحثان «ماتوسيان وشيفر»: «إن العنف السياسي ينشأ نتيجة لخيبة الآمال التي يشعر بها الصغار والكبار، ولقد تعددت دوافع العنف والعدوان عبر التاريخ، كما طورت بعض الآيديولوجيات الحديثة أفكاراً عامة أساسية تتمسك بها حول الدونية الثقافية للآخرين، في مقابل التفوق الثقافي لها ولأعضائها، مثل تلك الخاصية المتعلقة بمعاداة المهاجرين، وكذلك الحركات المتميزة عرقيا في أوروبا والولايات المتحدة، وأيضاً تلك الاتجاهات المدججة بالكراهية حتى الإبادة والقتل الجماعي كما حدث في يوغسلافيا السابقة.
وهناك أيضاً تلك الاعتقادات النازية التي كانت - ولم تزل - تقوم على أساس أفكار مثل نقاء الجنس الآري، وألمانيا فوق الجميع.
هنا يؤكد صاحب الكتاب على قيام قدر كبير من الكراهية الآيديولوجية تجاه الآخر المختلف، على أساس من تلك الأفكار السياسية المستحوذة أو القهرية المسيطرة المرتبطة بالقتل، الستالينية في الاتحاد السوفياتي السابق مثلا، وكثير من الحكومات المعادية للشيوعية خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبعده في أميركا اللاتينية أيضاً.
ويقول بعض الباحثين كذلك أن النصوص الدينية قد عملت على تغذية الآيديولوجيات السياسيات بالكراهية، كالنظر إلى اليهود على أنهم قتلة المسيح أو أنهم أبناء القردة والخنازير، أو نظر اليهود إلى غيرهم على أنهم أنجاس أغيار أو أقل درجة... اإلخ».

لمن ينتسب الإرهاب؟
ويتناول المؤلف قضية حساسة للغاية وهي محاولات البعض لا سيما في الدوائر الاستشراقية الغربية إلصاق الإرهاب بالإسلام والمسلمين وكأن العالم قد خلا أو كاد من المتطرفين الهندوس أو البوذيين أو المسيحيين أو اليهود أو غير ذلك من الديانات.
غير أنه وفي درجة عالية من الأمانة والموضوعية، يشير إلى أنه وإن كان التطرف موجوداً في الديانات كلها، لكن الصورة الدموية المخيفة الحالية تكاد ومن أسف شديد أن تضحى مرتبطة بالإسلام فقط، ويساعد المسلمون أنفسهم بأفعالهم وسلوكياتهم على ترسيخ هذه الصورة في أذهان العالم، على نحو يدعو للدهشة.
يطرح المؤلف أسئلة حساسة وجوهرية وتمثل أعلى درجات نقد الذات، وليس جلد الذات، من عينة قوله: «ما الذي يجعل لاجئا سوريا عندما يتم رفض طلبه اللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية أن يقوم بتفجير نفسه أمام أحد المطاعم؟
ولماذا عندما يشعر المسلمون بالتهميش في البلاد الأوروبية يقومون بارتكاب أعمال تفجيرية إرهابية بدلا من أن يكونوا قدوة في العمل والسلوك.
الحقيقة التي يؤكدها المؤلف، هي أن الإرهاب لا ينتسب إلى دولة دون أخرى، ولا يمكننا أن ننعت به دينا دون آخر، ولا ينتمي الإرهاب لطبقة اجتماعية واقتصادية معينة، ولا لاتجاه فكري أو سياسي ماركسي يساري أو فاشي يميني، والإرهاب ليس حكراً على العسكريين ولا هو مصمم للمدنيين الغوغاء، لهذا كان البحث في موضوع الإرهاب مغرياً بالبحث عن مكامن الخوف وهويته ودافعاً إلى رحلة تثبر فيها أغوار النفس البشرية.

هل الآيديولوجيات تدفع للإرهاب؟
هناك تعبير يقول: «إن تحت جلد كل آيديولوجي يوجد إرهابي»... ما صحة هذا الكلام، وهل يعني بالضرورة أن الآيديولوجيات هي مسبب رئيسي للإرهاب؟
بحسب شرح المؤلف فإنه يقصد بالآيديولوجيات وجود أفكار أو نظريات سياسية واجتماعية وعلمية، تزعم أنها تقود تبريرات للتراث والحياة، ومن أكثر أنواع الآيديولوجيات قوة ما يسمى القومية، حيث يعتقد الأشخاص أن أممهم متفوقة على الأمم الأخرى، كما يحدث الآن في الولايات المتحدة، فيعتقد الناس بأن دولتهم استثنائية متفوقة أقوى من غيرها.
في هذا السياق يستخدم الذعر كاستراتيجية تتعلق بخطاب العنف، من أجل تدعيم الأيدلوجيات اليسارية واليمينية ومن جانب ممثلين للدول وغير ممثلين لها أيضاً.
باختصار يمكن النظر إلى الإرهاب على أنه: «استراتيجية تخاطب عنيفة يقصد من ورائها أن يحدث الخوف»، ويقصد من وراء العمل الإرهابي أن يحدث نوعا من التفاعل معه، هكذا يريد الإرهابيون إثارة نوع من العداء في استجابات الأفراد على نحو يحقق أهدافهم، ويكون الإرهاب عادة نوعاً من الهجوم الذي لا يمكن التنبؤ به على نحو كبير.
الآيديولوجية هنا تتمثل في أن الإرهابيين، وعلى العكس من المجرمين العاديين يؤمنون بأن أفعالهم العنيفة صحيحة ومبررة ومطلوبة وموجهة نحو سلطات غاشمة أو ظالمة ومن ثم يكون الطابع السياسي لها مميزاً وواضحاً وأنهم يهاجمون المشروعية التي تقوم على أساسها هوية الدول الحديثة.

الفكر «الجهادي» وأزمة العنف
ربما لكي نفهم الهجوم الأخير الذي جرى في المنيا، وقبله هجوم مانشستر يتعين علينا - كما يشير المؤلف - الرجوع إلى كتاب «الشباب وجماعات العنف... رؤى شبابية» الصادر عن منتدى البدائل العربي في القاهرة، ذلك لأنه لخص الدوافع التي تقف وراء العنف الديني كما يتجلى لدى تنظيمي «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» والإخوان المسلمين في مصر وغيرها من الجماعات داخل مصر وخارجها، أي في الوطن العربي وخارجه، على النحو الذي تبين من ميثاق العمل الإسلامي الذي أصدره تنظيم الجهاد، ودعا إلى ضرورة الحرب المقدسة على العلمانية بوصفها دعوة إلى فصل الدين عن الدولة عقيدة وفكرا ونظاما وحكما في التشريع والحكم والقضاء والتعليم والإعلام، علمانية ثبتتها أجهزة التثقيف والتوجيه، علمانية بغيضة، دست علينا وغرست قسرا في تربيتنا، فأتت هذه الأنظمة الكافرة التي تستبدل بشرع الله شرع الشيطان، بحسب مفهومهم، من هنا كان تقسيم العالم إلى قسمين: قسم علماني يقوده حكام لا يطبقون شرع الله، ويؤيده فقط خصوم مختلفون في الدين كالأقباط، أو التوجهات السياسية (الماركسيون)، وأضيف إليهم المثقفون والفنانون والسياح الأجانب وغيرهم، ولأنهم علمانيون فهم بالضرورة كافرون، وهذه مغالطة منطقية ينبغي توضيحها، فالعلمانية ليست ضد الدين، بل ضد إدخال أمور الدين في كل أمر من أمور الدنيا، وهذه مسألة تحتاج إلى توضيح.
وهناك قسم آخر يمتلك الحقيقة المطلقة والنعيم والإيمان، ويقوم بتكفير كل آخر ويحوله إلى شيطان، مجرد من الإنسانية، ينبغي الخلاص منه، وهكذا انطلقت آلة القتل.
كذلك رأي أستاذ النثروبولوجيا الفرنسي «آلان بارتو» أن هل التحول إلى الفكر «الجهادي» هو أحد الخيارات الممكنة للتعبير عن الصورة ضد الأحوال المعيشية الراهنة؟
هذا ما يؤكد عليه أستاذ الأنثروبولوجيا الفرنسي «الآن بارتو» لا سيما وأن الفكر الأصولي العنفي هو اليوم أحد آخر العروض المتوفرة في سوق الأطروحات السياسية الراديكالية. هل الخلاص من جانب كبير من الإرهاب المعاصر يتصل بثقافة الإبداع والابتكار؟



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».