من أعالي الجبال إلى القرى وخبز التنور... عادات رمضانية تزداد رسوخاً مع الزمن

أتراك اليوروك ورعاة ديار بكر يعيشون متعة الشهر في خيام المراعي

أتراك اليوروك الرحل في رمضان - الطهي على التنور سائد في محافظة هطاي جنوب تركيا
أتراك اليوروك الرحل في رمضان - الطهي على التنور سائد في محافظة هطاي جنوب تركيا
TT

من أعالي الجبال إلى القرى وخبز التنور... عادات رمضانية تزداد رسوخاً مع الزمن

أتراك اليوروك الرحل في رمضان - الطهي على التنور سائد في محافظة هطاي جنوب تركيا
أتراك اليوروك الرحل في رمضان - الطهي على التنور سائد في محافظة هطاي جنوب تركيا

على الرغم من التطور السريع لمظاهر الحياة في تركيا فإن هناك كثيرا من المظاهر والعادات التي لم تتغير مع مرور الزمن، وهناك مجموعات من السكان تحافظ على طقوس معينة لا سيما في شهر رمضان المبارك.
أتراك اليوروك الرحل في جبال طوروس جنوب تركيا هم إحدى المجموعات التي تحافظ على عاداتها المتوارثة عن الأجداد لمئات السنين، ومنها عادات شهر رمضان ونوعية أطعمة وجبة الإفطار.
وكما جرت عليه عادتهم، يصعد اليوروك إلى جبال أكسيكي في ولاية أنطاليا جنوب تركيا في فصل الصيف لرعي قطعانهم من الأغنام ويقطنون الخيام ويطبخون طعامهم على الحطب بالطريقة التقليدية.
تقول حواء كارا، وهي إحدى سيدات اليوروك، إننا «نصوم رمضان رغم كل الظروف، ونطبخ طعامنا على الحطب، وهو ما يضيف مذاقا متميزا خصوصا للمأكولات التي نحضرها لمائدة الإفطار الرمضانية مثل البرغل والفاصوليا البيضاء، وشوربة الطرهانة، بالإضافة إلى كثير من المأكولات التقليدية».
ويشكل الحليب ومنتجاته أحد الأطعمة الرئيسية على مائدة اليوروك، في مجتمع يعتمد على الثروة الحيوانية في تأمين غذائه.
تقاليد اليوروك في رمضان
وتقول حواء، إن الجوزلمه، وهي فطائر من العجين محشوة بالجبن التي تنضج على صاج توقد ناره باستعمال الحطب، هي أول طعام نتناوله على مائدة الإفطار عادة. نصنع العجينة من الدقيق والماء والملح فقط، من دون استخدام الخميرة، وبعد تركها لنصف ساعة نفردها ونحشوها بالجبن ثم نخبزها.
وعن عادات وتقاليد اليوروك الرحل المتوارثة، يقول فاتح أوصلو، رئيس مركز «أبحاث ثقافة اليوروك»، إن اليوروك يتناقلون عبر الأجيال ثقافة عريقة، وذلك بمحافظتهم على أسلوب حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ويولون أهمية كبيرة لشهر رمضان، ويتناولون على مائدة الإفطار المأكولات التي أحضرها أجدادهم من آسيا الوسطى.
ومن اليوروك إلى الرحل في ديار بكر جنوب شرقي تركيا، الذين يهاجرون من أماكن سكنهم نحو المرتفعات المحيطة بالولاية بحثا عن مراع أفضل لماشيتهم، والذين بدأوا العمل وفقا لتوقيت شهر رمضان.
هؤلاء الرحل يقضون 7 أشهر من كل عام، في مخيمات ينصبونها في سفوح جبال كاراجه داغ في قضاء «جينار» في ديار بكر، بحثا عن المراعي، وينطلقون إلى عملهم منذ ساعات الصباح الباكر ويعودون مساء، ويقضون غالبية أوقات النهار تحت أشعة الشمس الحارقة من أجل رعاية أغنامهم والاعتناء بها، ويقومون مساء بحلبها وتخثير لبنها لصناعة مشتقات الألبان، قبل البدء في تحضير طعام الإفطار.
وبعد يوم شاق، يجتمع هؤلاء عقب تناول الإفطار في خيامهم حيث يتناولون الشاي الذي يحضرونه على نار الحطب.
مهنة الرعي
ويوضح أحمد دومان، أحد هؤلاء الرحل في ديار بكر، أنّهم ورثوا مهنة الرعي عن أجدادهم وسيورثونها لأطفالهم، مضيفا أن لطعام الإفطار في رمضان نكهة خاصة، حيث «نصوم دائما في المراعي، نساؤنا يَقمن بإعداد الخبز والطعام، فطورنا هنا من اللبن والجبن والزبدة والقريش والشوربة والخبز المعد على الصاج». وتابع: «نقضي أوقاتا أجمل في شهر رمضان، ونتعاون في تجهيز مائدة الإفطار، وجو المراعي جميل، ولا نعاني من صعوبات في الصيام».
ومن الجبال والمراعي إلى القرى، حيث قرية كارلي الواقعة في ولاية يوزغات وسط تركيا التي يجتمع أهلها منذ 15 سنة، على مائدة إفطار واحدة، تعبيرا عن تلاحمهم وتضامنهم ونبذهم للشقاق والخصومة خلال شهر رمضان المبارك.
ويتّبع أهل القرية المكونة من 30 منزلا فقط، عادة لم تنقطع منذ 15 سنة، وهي تناول الإفطار معا على مائدة واحدة بمركز الخدمات الاجتماعية التابع لمسجد القرية.
وفي ذلك، يقول رجب ضويغو، عمدة القرة، إننا «لدينا 30 عائلة، كل عائلة تتكفّل بطهي طعام الإفطار يوما واحدا في الشهر، وإعداد الأطباق والمأكولات بمشاهدة باقي الجيران، وبفضل هذه العادة ليس هناك فتور أو شقاق أو خصومة بين سكان القرية، ولا نعاني أي مشكلة، كلنا نجلس معا ونقضي وقتنا معا في الحديث والسمر».
كما عبّر ضويغو عن سعادته لاجتماع سكان القرية على مائدة واحدة، مؤكّدا عزمهم على مواصلة هذه العادة في المستقبل.
فرن التنور
ومن هذه العادة الحسنة إلى عادة أخرى ارتبطت بشهر رمضان المبارك، حيث بدأت عادة إعداد الخبر وطهي بعض أنواع الطعام التقليدية في فرن «التنور»، تنتشر على نطاق واسع في شرق وجنوب شرقي الأناضول لتضفي على مائدة الإفطار نكهة خاصة.
وتحتاج عمليات إشعال «التنّور» عبر استخدام الحطب ومخلفات الحيوانات، وإعداد العجين وطهي الخبز، إلى خبرات لا يستهان بها كما تقول ألماس كوتشوك (45 سنة)، من سكان قرية ياغ باصان التابعة لولاية كارص شرق تركيا التي تعلمت إعداد الخبز وبعض المأكولات التقليدية باستخدام «التنور» من والدتها وجدتها.
وأضافت: «نشعل النار في التنور من أجل إنضاج الخبز ومأكولات تقليدية نتناولها في الإفطار والسحور. حيث نعدّ العجين مساء، وفي الصباح نشعل نار التنور ونصنع الخبز أولا، ثم أنواع الفطائر وغيرها من المأكولات». وأضافت: «الأطباق التقليدية التي تطهى بواسطة التنور، نتعلمها من أمهاتنا وننقلها إلى الأجيال القادمة». كما ينتشر إعداد الخبز في «التنور» على نطاق واسع بولاية هطاي التي تعد أحد أهم مراكز السياحة، جنوب تركيا، من ناحية الطبيعة وتنوع المأكولات والحلويات اللذيذة والفريدة من نوعها والواقعة على الحدود السورية.
ويعمل أهالي هطاي، خصوصا النساء، على بناء التنور من الطين الممزوج بالتبن على شكل حفر تختلف أحجامها بحسب الغرض منها، وتعد أنطاكيا وصامان داغ من أكثر المناطق في هطاي التي تنتشر فيها ثقافة طهي الخبز في التنور، حيث تظهر النساء مجتمعات أمام أو بجوار المنازل وعلى أرصفة الطرقات لطهي الخبز.
ويبدأ صنع التنور عبر خلط التربة الطينية مع التبن وعجنهما جيدا بالماء، ثم يوضع الخليط تحت أشعة الشمس وبعدها يبدأ تشكيل الحفرة البيضوية وتترك مجددا لتجف تحت أشعة الشمس.
وهناك من يصنع التنور بأحجام كبيرة للأغراض التجارية، وآخرون بأحجام صغيرة للأغراض المنزلية، حيث تتراوح أسعارها ما بين 50 و100 ليرة تركية (نحو 17 - 35 دولارا).
الخبز السوري
ومع وجود السوريين بكثرة أصبح «الخبز السوري» يشهد إقبالا من المواطنين الأتراك، في ولايات جنوب شرقي الأناضول، حيث افتتح بعض السوريين، مخابز لإنتاج الخبز الذي تعودوا عليه في بلادهم.
وأفاد خضر مصلح، القادم من مدينة دير الزور، بأنّه واصل مزاولة مهنته، التي مارسها في بلاده طوال 12 سنة، في بلدة أكجه قلعه في محافظة شانلي أورفا الحدودية مع سوريا، التي وصلها قبل نحو 6 أشهر.
ولفت مصلح إلى أنّه بحث عن عمل، لفترة طويلة بعد قدومه إلى تركيا، لكنّه لم يجد، فقرّر أن يفتح مخبزا صغيرا لإنتاج «خبز التنور» قبل نحو شهر، مشيرا إلى أنّ الخبز الذي ينتجه ينضج على نار الحطب، الأمر الذي يكسبه لذة أكثر، كما أنّه أقل سماكة من أنواع الخبز التي تحضر بطرق مشابهة في تركيا. وتابع: «في البداية كان السوريون، فقط، هم من يشترون خبزنا، إلا أنّ الزبائن الأتراك باتوا أيضا يبدون اهتماما به».
وعبّر المواطن التركي يلدز دمير عن إعجابه بطعم خبز التنور السوري، بعدما تذوقه، وأنّ أسرته باتت تستخدمه بكثرة، معتبرا أنّ هذا النوع من الخبز صحي وسهل الهضم، وأنّهم يستخدمونه خاصة مع «الكباب»، ولصنع الساندويتشات.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.