للخلف دُر... من عفريتة إسماعيل ياسين إلى «عفريتة» عادل إمام

مسلسل «عفاريت عدلي علام» يتثاءب درامياً

عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام» - عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام»
عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام» - عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام»
TT

للخلف دُر... من عفريتة إسماعيل ياسين إلى «عفريتة» عادل إمام

عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام» - عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام»
عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام» - عادل إمام في لقطة من «عفاريت عدلي علام»

«أنتم عملتوا ثورة، يبقى ح تشوفوا أيام سوده» كان هذا هو تعقيب عادل إمام أو شخصية عدلي علام في مسلسل «عفاريت عدلي علام»، على العفريتة «سلا»، التي أدَّت دورها غادة عادل، عندما أخبرته أنهم في عالمها السفلي قد قاموا بثورة أطاحت بملك الجن.
ربما يراها البعض مجرَّدَ كلمة عابرة لا تحمل موقفاً سياسياً، إلا أن عادل إمام بتكوينه الشخصي، لا يمكن أن يعتبِرَها عابرة، نظراً لحساسية الموقف سياسياً، فأنا أراها مقصودة، لتحمل أيضاً رأي عادل إمام، وليس فقط عدلي علام، المسلسل كتبه يوسف معاطي، وأخرجه رامي إمام، هذا هو اللقاء السادس الذي يجمع بين معاطي وعادل. سبقه بالترتيب «فرقة ناجي عطا الله» و«العراف» و«صاحب السعادة» و«أستاذ ورئيس قسم» و«مأمون وشركاه»، فهو لم يخلف موعده مع جمهور الشاشة الصغيرة منذ عام 2012. هو أيضاً اللقاء الخامس التلفزيوني مع ابنه المخرج رامي إمام. لم يسمح عادل لابنه بإخراج مسلسل «أستاذ ورئيس قسم»، والسبب أن المسلسل ينتقد التوريث في زمن الرئيس السابق حسني مبارك، الذي كان حريصاً على أن يمنح مفتاح مصر لابنه جمال، ووجد عادل أنه ليس من المنطقي أن يقدم ابنه كمخرج في مسلسل، بينما هو ينتقد درامياً التوريث.
عموماً، هناك حالة من التشبع وصلت للذروة بين فكر يوسف معاطي وعادل وصار الطلاق بينهما حتمياً بل وبائناً، وهو أبغض الحلال الفني، لكنه هو الحل المتاح حتى تستمر مسيرة كل منهما. الأمر بيد عادل إمام فهو الذي يملك ترشيح الكاتب، وبالطبع المفروض أن يحدث هذا أيضاً مع المخرج رامي إمام حتى يفتح أمامه مجالاً إبداعياً آخر، ولكن تركيبة عادل إمام ستجعله يتمسك أكثر برامي، لا سيما أنه لن يكتفي بالإخراج في رمضان المقبل، بل سينتج أيضاً المسلسل المقبل لأبيه، وهو من تأليف الكاتب الشاب محمد ناير.
عادل إمام قامة كبيرة وتاريخ عريض في السينما والمسرح وأخيراً التلفزيون، مشوار مرصَّع بالنجاح يصل إلى 55 عاماً، بينها أربعة عقود من الزمان على القمة، في داخل كل إنسان عربي مع تعدد الأجيال التي واكبت عادل من المؤكد ستلمح هناك ضحكة رَشَقَت في القلب ولم تغادره حتى الآن، ولكن السؤال: هل ما يقدمه عادل إمام على شاشة التلفزيون يضيف لرصيده، وهل يضيف لنا شيئاً جديداً؟ أم أنه يبدو وكأنه يكرر المقرر ويقدم نفس الإيفيهات التي عاشت عليها السينما والمسرح والتلفزيون وعاش هو عليها أيضاً ردحاً من الزمن؟! نعم، يجب أن نضع خطاً، ونحن نتناول عادل إمام، وألا يختلط علينا الأمر بين فنان له رصيد وتاريخ وحضور طاغٍ وكاريزما غير مسبوقة في تاريخنا، وعادل إمام الذي نتابعه الآن بعد أن فقد كثيراً من تألقه، ولكنها قوة الدفع التي لا تزال تضعه في صدارة المشهد الدرامي عربياً.
أنا ضد أن نطلب من الفنان في أي مرحلة عمرية أن يتوقف، الإبداع لا يعرف ولا يعترف أبداً بسن المعاش، ولا بالتقاعد، فلا عمر افتراضياً للموهبة، بل ينطبق عليها قانون التجدد، على شرط أن يملك الفنان القدرة على القراءة الصحيحة للمشهد العام، حتى يحدد خطوته المقبلة.
الناس هي التي تملك قرار الاستمرار أو التوقف، لو نظرت للوجه الآخر للعمل الفني فستجده يخضع لمعادلة اقتصادية، يحكمه قانون صارم، لا يعرف أبداً المجاملة... إنه قانون العرض والطلب، تستطيع أن تحيله إلى رقم يحمل دلالة، والرقم يقول إن عادل لا يزال هو الأول على المستويين العربي والمصري، فهو صاحب ليس فقط الأجر الأعلى، بل هناك معدل دائم للزيادة في كل عام، وهذا يعني أن لديه كثافةً جماهيريةً تؤدي إلى زيادة عدد مشاهديه، تلك الشعبية تتحول من خلال شركات التسويق إلى سعر أكبر في دقائق الإعلان المتاحة، المؤشر الرقمي يعني أنه يحقق لشركة الإنتاج أعلى مردود إعلاني.
عادل يخوض معركته الرمضانية ومعه أسلحة يعتقد أنها ستضمن له تحقيق عدد ضخم من الإيفيهات والضحكات، لتصبح هي البؤرة التي تدور حولها الدراما؛ فهو الشخصية المحورية. عادل يقدم في أغلب أعماله دراما الشخصية وليس القضية، العام الماضي كان «مأمون» البخيل هو «الكاركتر» الذي أمسك به، بينما هذه المرة كان معه «عفاريت عدلي علام». القائم على الفانتازيا فهو من البداية قرر أن يلعب مع جمهوره من خلال صورة العفريتة «سلا بنت الأسد الغضوب»، التي تظهر له بين الحين والآخر، لتعيدنا مرة أخرى لزمن الخمسينات في السينما المصرية وأفلام مثل «الفانوس السحري» لإسماعيل ياسين، و«عفريتة إسماعيل ياسين»، و«عفريته هانم» لفريد الأطرش، و«طاقية الإخفاء» لعبد المنعم إبراهيم، وغيرها. كانت الحيل السينمائية في تلك السنوات، نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات، لا تزال في بدايتها، ورغم ذلك فإنه بمقياس الزمن القديم، كانت تعتبر أعمالاً مبهرة تثير اهتمام الجمهور بهذا الاختفاء والظهور اللحظي، ورغم التقدم التقني التلفزيوني في السنوات الأخيرة، فإن المخرج رامي إمام قدم رؤية خيالية خالية من الخيال.
هناك خيط درامي آخر، وهو العلاقة مع مي عمر ابنة حبيبته القديمة في الكلية، التي كان يهديها الكتب مثل «العبرات» لمصطفى لطفي المنفلوطي، فتقرر الذهاب إليه، وعندما يشاهدها يتذكر حبه الأول. وتبقى المأساة التي يعيشها مع زوجته هالة صدقي التي يقدمها المسلسل قبيحة المنظر منفِّرَة لا تشجعه على الحياة.
ونتوقف أيضاً أمام رجل دجال يؤدي دوره أحمد حلاوة يخدع زبائنه بدعوى الألعاب السفلية، تُشبه العديد من الشخصيات التي اقتاتت عليها الدراما واستنسخَتْها كثيراً، هناك كسل يصل لحدود القصور في الخيال جعل المسلسل غير قادر على الحركة، فهو يقف محلك سر وكأنه يتثاءب دراميّاً، وتتعدد المشاهد داخل شقة عادل إمام، حيث يعيش معه أخي زوجته، الذي أدى دوره محمد ثروت، ويتكرر الموقف ذاته؛ يبحث محمد ثروت عن حقوقه الشرعية مع زوجته، بينما عادل يتلصص عليهما، كل ذلك من أجل تحقيق أي ضحكة عابرة أظُنّها عزيزة المنال. المسلسل حتى الحلقة السابعة لا يزال إيقاعه الدرامي متعثراً ويترنح، لا يجد الكثير أو حتى القليل ليضيفه، فيبدو أمامنا وكأنه يملأ فقط مساحات زمنية تربو على الأربعين دقيقة في كل حلقة. عادل طبقاً لأحداث المسلسل لا يزال يتبقى له عام على المعاش التقاعدي، أي أنه في سن الـ59، وطبعا بملامح عادل لا يمكنك أن تصدق أنه لم يبلغ بعدُ الستين.
لا تزال قناعتي أن عادل رغم التقدم في العمر فإنه لا يزال قادراً على الأداء والعطاء، على شرط أن يبحث عن مساحات درامية تليق به وتليق أيضاً بجمهوره العريض الذي يستحق بالتأكيد ما هو أفضل بكثير من «عفاريت عدلي علام».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)