ميانمار تحتضن أول قمة دولية بعد عقود من العزلة

التوترات الحدودية البحرية تلقي بظلالها على اجتماع «آسيان»

عمال يعبدون طريقا في العاصمة نايبيداو أمس عشية احتضانها قمة «آسيان» (أ.ف.ب)
عمال يعبدون طريقا في العاصمة نايبيداو أمس عشية احتضانها قمة «آسيان» (أ.ف.ب)
TT

ميانمار تحتضن أول قمة دولية بعد عقود من العزلة

عمال يعبدون طريقا في العاصمة نايبيداو أمس عشية احتضانها قمة «آسيان» (أ.ف.ب)
عمال يعبدون طريقا في العاصمة نايبيداو أمس عشية احتضانها قمة «آسيان» (أ.ف.ب)

تستضيف ميانمار اليوم قمة تاريخية لقادة رابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان) تدشن معها عودتها إلى الساحة الدولية بعد عقود من العزلة في عهد النظام العسكري. وعشية وصول قادة الدول أقامت الشرطة حواجز للتدقيق في مواكب السيارات التابعة للبعثات الدبلوماسية في نايبيداو، فيما كان عمال محليون يقومون بتشذيب الحدائق استعدادا للقمة التي تعد أول حدث بهذا المستوى في إطار رئاسة ميانمار لرابطة آسيان لمدة سنة. وسيكون الحدث أيضا بمثابة انطلاقة جديدة لميانمار، رغم أنها عضو في التكتل منذ 17 سنة، إلا أنها ظلت تتعرض خلال تلك الفترة لانتقادات في مجال حقوق الإنسان مما أبقاها مهمشة.
ومع تولي نظام شبه مدني الرئاسة في 2011 عادت ميانمار إلى المسرح الدولي مع إصلاحات شملت إطلاق سراح سجناء سياسيين ودخول زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي إلى البرلمان. وتولت ميانمار رئاسة آسيان تحت شعار «المضي قدما موحدين لتحقيق مجتمع سلمي ومزدهر»، غير أن التوترات الإقليمية كالتي شهدها هذا الأسبوع بين بكين والعضوين في آسيان فيتنام والفلبين بسبب بحر الصين الجنوبي، تلقي بظلالها على أول دور دبلوماسي كبير لميانمار.
وأمس، أعرب وزراء خارجية دول «آسيان» عن «مخاوفهم الشديدة» بشأن الخلافات الإقليمية المستمرة في بحر الصين الجنوبي بين دول في منطقتهم والصين. وحث الوزراء خلال اجتماع لهم، عشية القمة، جميع الأطراف على الاعتراف بالقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 وعلى «ممارسة ضبط النفس وتفادي التحركات التي ستقوض السلام والاستقرار في المنطقة». وجاء البيان بعد اتهام وجهته هانوي الأربعاء الماضي لسفن صينية بمهاجمة سفن دورية فيتنامية قرب حقل نفطي في مياه متنازع عليها. ومن المتوقع أن يصادق قادة دول التكتل على بيان حول القضية اليوم.
وتتقاطع في بحر الصيني الجنوبي المتنازع عليه الكثير من الممرات البحرية الاستراتيجية المهمة، ويعتقد أنه يحتوي على احتياطي هائل من موارد الطاقة. والصين التي تؤكد سيادتها على كامل المياه المتنازع عليها تقريبا، أكدت حقها في الحالتين. وطالما كانت بكين أكبر مستثمر في ميانمار، وحليفا نادرا لها خلال سنوات عزلتها الدبلوماسية أثناء حكم الجنرالات. ويقول سايمون تاي، رئيس معهد سنغافورة للعلاقات الدولية إن على ميانمار أن تسعى كي لا تسمح لعلاقتها الوثيقة مع الصين «بإفساد رئاستها الحيادية»، مضيفا أن «ذلك لن يكون سهلا».
وفي 2012 أثارت كمبوديا حليفة الصين الذعر عندما كانت تتولى رئاسة آسيان برفضها توبيخ الصين بشأن موقفها الجازم حيال المنطقة البحرية. وقال وزير خارجية سنغافورة ك. شانموغام أمس إن من الضروري أن تأخذ آسيان موقفا موحدا حتى إن لم تكن تدعم أي طرف في الخلاف. وأضاف للصحافيين: «الحيادية لا تعني الصمت. لا يمكننا البقاء صامتين»، مضيفا أن «مصداقية» الكتلة عانت في السنوات الأخيرة بسبب هذه المسألة.
واضطرت ميانمار العضو في آسيان منذ 17 سنة إلى التخلي عن تولي رئاسة الكتلة في 2006 لعدم تحول نظامها العسكري إلى الديمقراطية، غير أنها تقدمت على لاوس لتولي هذه المهمة هذا العام، مبرزة حماسة لاستعراض صورتها الدولية الجديدة قبيل الانتخابات المرتقبة في 2015 والتي تعد اختبارا رئيسا للإصلاحات التي قامت بها. ونالت جهود ميانمار في مجال الديمقراطية الترحيب من قبل المجتمع الدولي وقادة كبار بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها عن المتحدث الحكومي هتوت قوله إن «الدولة والشعب على حد سواء يتمتعون بمستوى عال من الكرامة السياسية».
وأثار رفع العقوبات الدولية أملا بازدهار اقتصادي في الدولة التي عانت الفقر بعد عقود من سوء إدارة النظام العسكري الحاكم. وبدأت الشركات الأجنبية الطامحة إلى مصادر الطاقة الطبيعية الضخمة ونحو 60 مليون مستهلك، بدخول السوق شيئا فشيئا. وذكرت صحيفة «نيولايت أوف ميانمار» الحكومية هذا الأسبوع أن الاستثمارات الأجنبية خلقت 90 ألف وظيفة في السنة المالية 2013 - 2014. وقال رجيف بيسواس المحلل الاقتصادي في «غلوبال إنسايت» إن ميانمار هي «إحدى الدول التي تمثل فرصة للكثير من الشركات الغربية» غير أن المشاكل المتمثلة في الحوكمة الضعيفة والبنية التحتية الرديئة تعني أنها بيئة صعبة للأعمال. وتحمل نايبيداو علامات التطلعات المتغيرة للدولة.
والمدينة التي يعني اسمها «عرش الملوك» كانت قائمة على أدغال نائية وبعد قرار مفاجئ ومكلف من قبل النظام العسكري في 2005 نقلت العاصمة من يانغون إلى وسط ميانمار القاحل. ولا تحمل المدينة أي تصاميم أو مقاييس تقليدية وتترامى أطرافها إلى مناطق نائية في أشكال معمارية متنوعة لمبان حكومية كبيرة وفنادق تربط بينها طرق سريعة متعددة الخطوط وموحدة. وبعد أن كانت مغلقة أمام العامة، استضافت نايبيداو العام الماضي آلاف الزائرين إلى المنتدى الاقتصادي العالمي لشرق آسيا، ودورة ألعاب جنوب شرقي آسيا. وتضم رابطة «آسيان» إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي والفلبين وفيتنام وكمبوديا وتايلاند ولاوس وميانمار، وتعقد قمتها مرتين كل سنة.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».