سيارات البنزين ليست أرحم من الديزل على الإنسان والبيئة

بسبب خطر ثاني أكسيد الكربون وذرات السخام

سيارات البنزين ليست أرحم من الديزل على الإنسان والبيئة
TT

سيارات البنزين ليست أرحم من الديزل على الإنسان والبيئة

سيارات البنزين ليست أرحم من الديزل على الإنسان والبيئة

تدرس حكومات بعض الولايات الألمانية إمكانية حظر سيارات الديزل في المستقبل القريب بسبب خطر ثاني أكسيد الكربون وذرات السخام التي تنطلق عنها وتهدد البيئة والبشر على حد سواء. لكن دراسة سويسرية جديدة تقول إن السيارات التي تستخدم تقنية الحقن المباشر للبنزين (الحديثة) أكثر خطراً من سيارات الديزل.
وأجرى العلماء السويسريون دراساتهم على مختلف أنواع سيارات البنزين، التي تستخدم طريقة الحقن المباشر، واتضح لهم أن ذرات السخام التي تنطلق عنها تزيد عن عدد ذرات السخام التي تنطلق عن عوادم سيارات الديزل المزودة بالمرشح. وحينما فحص العلماء ذرات السموم المنطلقة عن البنزين اتضح أنها تزيد 1700 مرة عن الحد الأقصى الذي يرسمه الاتحاد الأوروبي لهذه السموم.
وقد تصحح هذه الدراسة النظرة إلى فضيحة سيارات «فولكس فاغن» في الولايات المتحدة، التي أثبتت أن الشركة الألمانية الكبيرة تلاعبت فعلاً في كميات السخام وثاني أكسيد الكربون التي تنطلق من عوادم سيارات الديزل. ويقدر الخبراء أن هذه الفضيحة يمكن أن تضيف 100 ألف ضحية لعدد ضحايا الأمراض الناجمة عن استقرار ذرات السخام في الرئتين.
وذكرت مصادر معهد فحص المواد السويسري (إيمبا) أن سيارات البنزين، بتقنية الحقن المباشر السائدة في معظم السيارات الحديثة، تطلق مباشرة ثاني أكسيد كربون وذرات سخام أكثر من سيارات الديزل. وكانت دراسة مماثلة في سنة2015 أشارت إلى أن سيارات البنزين تطلق مزيج الغاز والسخام بشكل غير مباشر، بمعنى أنها تتحول إلى ذرات سخام كبيرة بفعل التصاقها بذرات الغبار في الشارع.
أجرى الباحثون السويسريون تجاربهم على سبع سيارات حديثة تستخدم تقنية الحقن المباشر للبنزين. وقارنوا النتائج مع سيارات الديزل بحسب معايير الاتحاد الأوروبي حول الغاز وذرات السخام في السيارات المفلترة.
وتفاجأ العلماء أنفسهم بالنتائج»المقلقة» التي توصلوا إليها. إذ ثبت أن السيارات السبع كانت تطلق ذرات السخام 10 - 100 مرة أكثر مما تطلقه سيارة« بيجو» تستخدم الديزل. واتضح أن فرق ذرات السخام المنطلقة عن محركات البنزين هو أنها ذرات صغيرة من قطر 20 نانوميتر، لكنها تتجمع في عادم الغاز وتتكتل سوية في جزيئات من قطر 80 - 100 نانوميتر.
وتكشف هذه النتيجة أن ذرات السخام المنطلقة عن محركات سيارات البنزين لا تقل حجماً عن مثيلاتها التي تنطلق عن سيارات الديزل. ومعروف أن المعايير البيئية ما عادت تأخذ، في قياسها للضرر البيئي والصحي، عدد ذرات السخام فحسب، وإنما حجمها. هذا، لأن الذرات الصغيرة هي التي تخترق الجهاز التنفسي وتستقر في الرئتين والقصيبات الهوائية.
وقال نوربرت هييب، من معهد «إيبما» إنه يكفي لهذه الذرات أن تصل إلى الرئة كي تستقر بشكل نهائي في النسيج الحي، وتمهد لسرطان الرئة لاحقاً. وأضاف أن هذه الذرات النانوية تدخل في الحويصلات الهوائية وتخترق حاجز الدم وصولاً للدوران في الجسم أيضاً.
الأخطر في الموضوع هو السموم التي تلتصق على ذرات السخام الصغيرة بفعل عملية الاحتراق في المحرك، وخصوصاً المركبات الكيماوية العطرية الحلقية. فهذه المركبات السامة، بحسب تعبير هيب، تستخدم ذرات السخام بمثابة «حصان طروادة» كي تتسلل من خلالها إلى الدم.
ومن بين هذه المواد السامة عثر فريق البحث على مادة «بنزوباير» التي تتعامل معها منظمة الصحة العالمية كمادة سامة صحياً بأي تركيز كان. ويرسم الاتحاد الأوروبي الحد الأقصى لهذه المادة في الغاز المنطلق من عوادم السيارات بنانوغرام واحد لكل متر مكعب، في حين عثر عليه العلماء بنسبة تزيد 1700 مرة عن هذا الحد. وهي مادة تصنفها المنظمة العالمية ضمن قائمة المواد المسببة للأمراض السرطانية. ويرى فريق العمل السويسري أنهم أثبتوا بأن سيارة البنزين، بأحدث تقنياتها، لا تقل خطراً على البيئة والإنسان من سيارات الديزل المزودة بالمرشحات. ودعا نوربرت هييب مستقبلاً إلى تزويد سيارات البنزين الحديثة أيضاً بالمرشحات. وأضاف أن التقنيات اللازمة لتنظيف الغازات المنطلقة من عوادم سيارات البنزين لا تقي صحة الإنسان جيداً، ولا بد من تطوير تقنيات أخرى غير الحقن المباشر للبنزين.
وهذا سيضيف مهمة أخرى إلى مهمة مكافحة غاز ثاني أكسيد الكربون وذرات السخام المنطلقة عن السيارات في المدن، لأن هذه الخطط تركز على تزويد سيارات الديزل بالفلترات فقط. وكانت دراسة ألمانية أثبتت أن الصناعة أكثر تلويثاً للأجواء من السيارات. فالصناعة مسؤولة عن 33 في المائة من الأضرار البيئية، والسيارات والنقل عن 20 في المائة، وتتوزع النسب الأخرى بين التلوث القادم من البيوت ومن محطات الطاقة (16 في المائة).
ويقدر الاتحاد الأوروبي وفاة 300 ألف أوروبي سنوياً جراء مضاعفات ذرات السخام، منهم نحو 70 ألفاً في ألمانيا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».