تداعيات أحداث تطاوين

احتجاجات الفقراء في مواجهة «حيتان» التهريب

تداعيات أحداث تطاوين
TT

تداعيات أحداث تطاوين

تداعيات أحداث تطاوين

سمع كثيرون من مثقفي العالم وساسته بمدينة تطاوين التونسية قبل نحو 13 سنة، بعد النجاح الكبير الذي لقيه الشريط السينمائي عن «حرب النجوم»، الذي تحدث عن «كوكب تطاوين». وكانت قد صوّرت 6 من حلقاته في صحراء الجنوب التونسي، معظمها في منطقة الواحات الحدودية التونسية – الجزائرية، في موطن شاعر تونس الكبير أبي القاسم الشابي، بمحافظة توزر. إلا أن محافظة تطاوين التونسية، الواقعة على الحدود التونسية – الليبية، شدت أنظار العالم إليها خلال الأسابيع القليلة الماضية لأسباب مختلفة تماماً، إذ شهدت تحركات احتجاجية شبابية غير مسبوقة تطالب بالحق في التشغيل والتنمية في موقع صحراوي عسكري نفطي يدعى «الكامور»، يبعد عشرات الكيلومترات عن عاصمة المحافظة.
وكان المحتجون ينقلون إليه عبر سيارات وشاحنات تقول مصادر حكومية إنها مؤجرة من قبل مجموعة من كبار المهربين والمورطين في الفساد المالي. ورغم التنازلات الكبيرة التي اتخذتها السلطات لفائدة هذه المحافظة التي تغطي مساحتها ربع مساحة البلاد، ولا تضم أكثر من 150 ألف ساكن، تطورت فيها الاحتجاجات إلى أعمال عنف ومصادمات مع قوات الأمن، ثم إلى حملة اعتقالات غير مسبوقة لمئات من كبار المتهمين بالفساد المالي والسياسي، وبركوب احتجاجات العاطلين عن العمل، من بينهم عدد من أبرز صناع القرار السياسي والاقتصادي في البلاد منذ سنوات.

بدأت تحركات الشباب العاطل عن العمل في محافظة تطاوين الصحراوية الحدودية التونسية مع ليبيا سلمية، وكانت أبرز مطالبها براغماتية، بينها الحق في التشغيل، وفي رصد مبالغ مالية أكبر من قبل الدولة من أجل تنمية مدن المحافظة وقراها وأريافها، حيث استفحل الفقر لأسباب كثيرة، بينها تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في ليبيا. وللعلم، كان جلّ أبناء الجهة يعتمدون طوال عقود على المبادلات التجارية القانونية وغير القانونية مع ليبيا، «الجارة» إلى الشرق.
إلا أن التحركات سرعان ما تطورت إلى اعتصام شبابي في نقطة صحراوية حدودية قاحلة، دعمه آلاف النشطاء في «فيسبوك» وبقية المواقع الاجتماعية. ونجح هؤلاء في إقناع تيار من الإعلاميين وآلاف النشطاء السياسيين والحقوقيين من ميول مختلفة في العاصمة وكامل البلاد بالانحياز إلى مطالبهم التي تصاعدت تدريجياً إلى حد رفع مطالب وصفتها السلطات بالتعجيزية، من بينها تخصيص خمس مداخيل آبار النفط الموجودة في الجهة لمحافظة تطاوين وحدها، وتوظيف 3 آلاف عاطل عن العمل من أبناء الجهة في مؤسسة النفط التي تقول السلطات إن إنتاجها تراجع بنسبة فاقت الـ90 في المائة عما كانت عليه قبل 30 سنة.
وتعقدت أوضاع المحتجين أكثر لما تبنى بعضها قياديون في نقابات العمال وبعض الأحزاب السياسية اليسارية الراديكالية القريبة من «الجبهة الشعبية»، بزعامة حمة الهمامي، ثم حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وقياديون في حركة النهضة الإسلامية، بينهم رئيس الحكومة الأسبق علي العريّض ورئيس مجلس الشورى في الحركة الوزير السابق عبد الكريم الهاروني. وأوشكت تحركات تطاوين أن تصبح خارج السيطرة عندما تعاقبت التظاهرات السياسية والاجتماعية والإعلامية المساندة لها في العاصمة تونس وفي محافظات كثيرة، بينها محافظات سيدي بوزيد والقصرين وقفصة ومدنين وقابس، التي كانت وقود الانتفاضة الاجتماعية في 2010 ومطلع 2011.
وعلى غرار ما جرى في تونس في تحركات اجتماعية احتجاجية شبابية شهدتها البلاد عامي 2014 و2015، تجدد الحديث عن «ثورة ثانية»، وعاد بعض المتظاهرين لرفع شعارات ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، وبينها: الشعب يريد إسقاط النظام، وخبز وحرية وكرامة وطنية، وثورة مستمرة، إلى غير ذلك من الشعارات التي يرفعها خصوصاً النقابيون والطلاب والشباب المحسوب على التيارات اليسارية.
* ازدواجية في المواقف
بعدها، تخوف المراقبون في تونس من مخاطر التصعيد الخطير الذي وصلت إليه الأحداث بعد تفاقم العنف في عدة مدن جنوبية وحدودية مع ليبيا والجزائر، وسط قلق حقيقي من أن يستغل آلاف المسلحين والإرهابيين الفارين من حرب ليبيا الوضع كي يتسللوا إلى تونس. وفي هذا السياق، تحولت مناقشة هذا الملف في البرلمان ووسائل الإعلام إلى مناظرات وتبادل علني للاتهامات بالخيانة الوطنية والضلوع في العنف والإرهاب من جهة، مقابل اتهامات بالضلوع في الفساد والسرقة والرشوة وجهت إلى رموز الائتلاف الحاكم من قبل بعض الحقوقيين والمعارضين، مثل الوزير السابق محمد عبو وزوجته البرلمانية سامية عبو، والأمين العام لحزب الرئيس السابق المرزوقي الوزير السابق عماد الدايمي.
هذا المناخ ورّط كبرى الأحزاب والأطراف السياسية، وبينها قيادات أحزاب الائتلاف الحكومي، مثل النداء والنهضة وآفاق والجمهوري والمسار، في ازدواجية المواقف. وتراوحت تصريحات بعض تلك القيادات بين مساندة ما وصفته بشرعية تحركات الشباب المضربين والمعتصمين في الطرقات المؤدية إلى المدن ومضخة النفط، وانتقاد هجومها على مؤسسات الأمن والإدارة والنفط وحرق مقرات مؤسسات أمنية وإدارية وسيارات تابعة للدولة.
ولعل هذه الازدواجية برزت، خصوصاً، في التصريحات الصادرة عن قيادات حزب النداء، الذي يتزعمه حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وبعض زعامات حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها راشد الغنوشي، ونائب البرلمان التونسي عبد الفتاح مورو. وبرزت التناقضات أكثر بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي يوم 10 مايو (أيار) الحالي، وأعلن فيه عن تكليف الجيش بحماية المؤسسات الاقتصادية الوطنية، وبينها مضخات النفط ومناجم الفوسفات، إذ رد عدد من الساسة وزعمائها النقابيين بانتقادات لاذعة، واتهموا السلطات بمحاولة عسكرة البلاد، ودفع الأوضاع نحو إلغاء الديمقراطية والتعددية، وتسليمها إلى الجيش.
وكانت المفاجأة أن كان من بين من صدرت عنهم تلك الانتقادات الرئيس السابق المرزوقي ورئيس حكومة النهضة عام 2012 حمادي الجبالي وحقوقيون ونقابيون، بينهم سامي الطاهري، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل.
* المنعرج الأخطر
هذا الاستقطاب داخل النخب السياسية دفع الأوضاع في محافظة تطاوين وعدد من المحافظات الجنوبية نحو تجاوز كل الخطوط الحمراء، من حيث نوعية العنف المستخدم. وكان المنعرج الأخطر إقدام مجموعة من الشباب المعتصمين على غلق مضخات نفط في محافظتي تطاوين وقبلي، وحرق عدد من المؤسسات الأمنية والإدارية، ما تسبب في مواجهات وأعمال عنف كانت حصيلتها عشرات الجرحى بين الأمنيين والمتظاهرين، ومقتل الشاب أنور سكرافي بعدما دهسته سيارة أمن. ويومها، قالت السلطات إن السيارة كانت تتراجع للفرار من المداهمين الذين أحرقوا سيارات أمن وإسعاف مجاورة لها. كما تسببت تلك التطورات في إيقاف عشرات المشتبه فيهم والمتهمين.
ومن ثم، أعلنت السلطات أن التحقيقات مع الموقوفين في تطاوين والعاصمة وبقية المحافظات «تورّط» مجموعة من المهرّبين و«الحيتان الكبيرة» السياسيين في إشعال فتيل الأحداث، وقالت إن بينهم رجال أعمال وتجاراً يؤثرون في الحياة السياسية وفي توجهات وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية الخاصة منذ سنوات.
* أكبر «بركان سياسي»
وبعد أسابيع من الاتهامات المقنعة التي وجهها الرئيس التونسي قائد السبسي وبعض أعضاء حكومة يوسف الشاهد إلى أطراف يسارية وإلى حزب المرزوقي، وكذلك إلى «المتشددين» الإسلاميين، بركوب الاحتجاجات الشبابية وتأجيج الأحداث، كان «البركان السياسي» الأكبر في تاريخ تونس منذ انهيار حكم زين العابدين بن علي في يناير 2011، إذ تطور نسق الأحداث بسرعة، وعقدت جلسات طارئة في البرلمان والمجلس الأعلى للأمن، وفي مستوى رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة والقيادات المركزية للحزبين الكبيرين النداء والنهضة.
وبدأت إشارات «البركان» بتصريح مثير صدر عن عماد الحمامي، الأمين العام المساعد في حزب النهضة الإسلامي وزير التشغيل المكلف من قبل الحكومة، بالتفاوض مع شباب تطاوين.
الحمامي، الذي عرف بهدوئه المبالغ فيه، وبدوره في تهدئة الأوضاع ميدانياً عبر تصويت وافق فيه 90 في المائة من المعتصمين على وقف التحركات مقابل وعود مالية واجتماعية وسياسية كبيرة قدمتها الحكومة للجهة وشبابها، أطلق نار التهم على حزب المرزوقي وعلى عدد من المهربين ورجال الأعمال الفاسدين.
وتسارع النسق عندما صدرت تصريحات مماثلة عن رئيس الحكومة الأسبق العريّض ووزير الزراعة والقيادي اليساري سمير الطيب، ثم عن نواب وساسة من أحزاب ليبرالية مشاركة في الائتلاف الحاكم.
وفي الوقت نفسه، انطلق مسلسل إيقافات شمل شخصيات مؤثرة في عالمي المال والإعلام، وفي اللعبة السياسية، وعشرات من التجار في «السوق السوداء» وضباط الجمارك الحاليين والسابقين، ومتهمين بامتلاك مخازن للسلع المهربة وبتزعم عصابات «بارونات» التهريب وتبيض الأموال.
وفي وقت قياسي، تغير إيقاع الأحداث في عموم تونس بنسبة 180 درجة، من التحركات الرامية إلى إسقاط «حكومة الوحدة الوطنية» برئاسة يوسف الشاهد، إلى تنظيم تحركات شعبية وحملة إعلامية مساندة لحربها الشاملة ضد الفساد.
ومع حلول شهر رمضان، وموسم الإجازات والمهرجانات الصيفية، وابتعاد التونسيين عن الشؤون السياسية، تكون الحكومة قد ضمنت خروجًا بأقل الأضرار من الأزمة التي فجّرتها احتجاجات الشباب العاطل عن العمل في الجنوب التونسي. وتعود تطاوين مجدداً إلى حجمها الطبيعي، في شكل مدينة سياحية تاريخية صغيرة، بعدما حاول بعض شبابها أن يصنعوا منها عبر «فيسبوك» والمواقع الاجتماعية «كوكباً سياسياً» جديداً يضاهي كوكب تطاوين في فيلم «حرب النجوم» الواسع الانتشار.
* تطاوين: مهمشون على ربع مساحة تونس
مدينة تطاوين، في الجنوب التونسي، هي عاصمة محافظة تطاوين الصحراوية التي تجمعها حدود مشتركة مع غرب ليبيا وشرق الجزائر، وهي أكبر محافظات تونس مساحة، إذ تمثل نحو ربع مساحة البلاد، وتمتد على نحو 40 ألف كلم مربع، على الرغم من أن تعداد سكانها يحوم حول 150 ألف نسمة فقط.
معيشياً، يعتمد أبناء هذه المحافظة، على غرار نسبة كبيرة من سكان الجنوب التونسي عامة والجنوب الشرقي خاصة، على عائدات العمالة التونسية في أوروبا، وخصوصاً في فرنسا وليبيا، والمبادلات التجارية القانونية وغير القانونية مع ليبيا. وللعلم، تنتمي معظم عائلات المحافظة وقبائلها إلى القبائل والعائلات المنتشرة في غرب ليبيا نفسها، خصوصاً في الجبال الصحراوية الليبية الممتدة إلى سلسلة جبال مطماطة في محافظة قابس التونسية، على مسافة 400 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس.
وتعتبر محافظة تطاوين منذ عشرات السنين أهم مركز لمضخات النفط، وموطناً رئيساً للسياحة الصحراوية والثقافية. كما تعد السلسلة الجبلية المعروفة باسم جبال الضاهر من أهم المشاهد الطبيعية في تطاوين وعموم الجنوب الشرقي التونسي. ولقد كانت تلك الجبال مخبأ رئيسياً للثوار الوطنيين التونسيين والليبيين ضد الاستعمارين الفرنسي والإيطالي بعد الحرب العالمية الثانية. غير أن نحو نصف أراضي محافظة تطاوين صحراوية قاحلة، تعاني مثل غالبية جهات الجنوب التونسي من نقص فادح في الأمطار والموارد المائية السطحية ومراعي الأغنام.
* قرارات بالجملة لفائدة المحافظة
أعلنت رئاسة الحكومة التونسية عن حزمة من الإجراءات، نصت على أكثر من 60 قراراً لفائدة محافظة تطاوين، على هامش زيارة عمل أداها إليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد رفقة عدد من الوزراء ورجال الأعمال والبرلمانيين، منها:
- الإعلان عن تمويل 453 مشروعاً (223 عن طريق البنك التونسي للتضامن ومؤسسات التمويل الصغير وبنك المؤسسات الصغرى والمتوسطة، و40 مشروعاً فلاحياً و190 مشروعاً عن طريق الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل).
- الإعلان عن 350 وظيفة في إطار عقد الكرامة (حصة تطاوين 1042).
- تأسيس لجنة بإشراف وزارة التكوين المهني والتشغيل تتولى إسناد البطاقة المتعلقة بالتشغيل في الصحراء.
- الانتداب الفوري لـ500 عون بشركة البيئة والبستنة.
- تمويل 670 مشروعاً صغيراً في إطار المسؤولية المجتمعية للمؤسسات.
- تمويل 150 مشروعاً في إطار التمكين الاقتصادي للمرأة قبل نهاية 2017.
- إحداث مركب للتشغيل والعمل المستقل سنة 2018.
- انطلاق أشغال إعادة تهيئة المناطق السقوية بمعتمديات رمادة والبئر الأحمر وغمراسن والذهيبة سنة 2018.
- انطلاق أشغال حماية مدينة تطاوين من خطر الفيضانات.
- إحداث مناطق سقوية جديدة بمعتمديات غمراسن ورمادة والبئر الأحمر.
- انطلاق أشغال تعزيز وتجديد قنوات جلب المياه بالجنوب الشرقي في نهاية 2017.
- انطلاق تدعيم التزويد بالماء الصالح للشراب بمنطقة تلالت من معتمدية تطاوين الشمالية والمناطق العليا من مدينة غمراسن ومنطقة قصر الحدادة من معتمدية غمراسن سبتمبر (أيلول) 2017، بكلفة 0.72 م.د.
- فتح مطار رمادة العسكري للطائرات المدنية، وذلك قبل 25 مايو 2018.
- الانطلاق في بناء ورشة جهوية لصيانة الحافلات سنة 2018.
- انطلاق الأشغال المتعلقة بوصلة الربط بين تطاوين والطريق السيارة أ1 بولايتي مدنين وتطاوين، وذلك بداية سنة 2018.
- انطلاق أشغال تهذيب الطريق الجهوية رقم 111 بين الصمار وحدود ولاية مدنين بطول 23 كلم.
- انطلاق أشغال بناء جسر على وادي تلالت بالطريق الوطنية رقم 19 في يوليو (تموز) 2017.
- انطلاق أشغال تدعيم الطريق الجهوية رقم 115 الرابطة بين منطقة واد الغار وحدود ولاية مدنين بطول 26 كلم.
- انطلاق أشغال تعصير وتدعيم الطرقات داخل المناطق البلدية بكل من بلدية تطاوين وبلدية غمراسن وبلدية الصمار في يونيو (حزيران) 2017.
- الانطلاق في تهذيب حي وسط المدينة ببلدية رمادة (طرقات - تنوير عمومي - ماء صالح للشراب).
- انطلاق أشغال تأهيل وتوسعة وتجهيز المستشفى الجهوي بتطاوين (عيادات خارجية، والاستعجالي، ومبيت للأطباء، وقطب جامعي إقليمي في طب النساء والأطفال، وإحداث صيدلية) سنة 2018.
- إحداث وحدة طب استعجالي بالمركز الوسيط ببني مهيرة نهاية 2017.
- انطلاق أشغال إحداث مركز تكوين في الطاقة والمواد الإنشائية في سبتمبر المقبل.
- إحداث المنطقة الصناعية ببونمشة بولاية تطاوين تمتد على 50 هكتاراً، وانطلاق الأشغال في مايو 2018.
- إحداث مسلخ بلدي سنة 2018.
- انتهاء أشغال توسيع وإعادة تهيئة محطة التطهير لمدينتي تطاوين وغمراسن قبل نهاية 2017.
- انتهاء أشغال تطهير 3 أحياء شعبية بتطاوين أبريل 2018.
- انطلاق توسيع شبكة التطهير بمدينة تطاوين قبل نهاية 2017.
- إعادة بناء دار الثقافة برمادة سنة 2018.
- إحداث متحف للتراث الثقافي والطبيعي بتطاوين سنة 2018.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».