إدوار فيليب... قطعة الشطرنج الأبرز في لعبة ماكرون

رئيس وزراء فرنسا الجديد نسخة قريبة من صفات «سيد الإليزيه»

إدوار فيليب... قطعة الشطرنج الأبرز  في لعبة ماكرون
TT

إدوار فيليب... قطعة الشطرنج الأبرز في لعبة ماكرون

إدوار فيليب... قطعة الشطرنج الأبرز  في لعبة ماكرون

لم تكن تسمية إدوار فيليب، رئيس بلدية مدينة لو هافر الفرنسية، الواقعة في منطقة النورماندي والمطلة على بحر المانش، رئيسا للحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون مفاجأة. فهذا السياسي (47 سنة) الذي تخلى عن مقعده النيابي ليكرّس نفسه لخدمة مدينته التي تعد أول مرفأ للحاويات في فرنسا والثاني - بعد مرفأ مرسيليا - للحركة البحرية العامة، كان الرجل المناسب في المكان المناسب. ذلك أن ماكرون كان يبحث عن رئيس حكومة جديد وشاب لم تطحنه السياسة وتستهلكه الفضائح. وكان يريد خصوصاً رجلا من اليمين بحيث يكون بمثابة الرمز أو الترجمة لفلسفته السياسية ولحركته «إلى الأمام» التي أرادها تخطيا لليمين واليسار معا. والمعروف أن ماكرون بدأ حياته السياسية منتميا إلى الحزب الاشتراكي وكان مستشاراً اقتصاديا للرئيس فرنسوا هولاند ثم أمينا عاما مساعدا للقصر الرئاسي قبل أن يعنيه الرئيس الاشتراكي وزيرا للاقتصاد في حكومة مانويل فالس الاشتراكية. وبكلام آخر، لم يكن ماكرون في حاجة إلى شهادة «حسن سلوك» من اليسار؛ لأنه ترعرع في أحضانه. لكنه كان، في المقابل، في حاجة إلى شهادة من اليمين. واقتناص إدوار فيليب من حزب الجمهوريين اليميني يعد صيداً ثميناً بسبب شخصية هذا السياسي من جهة، وخصوصا بسبب التداعيات التي أحدثتها تسميته وتسمية وزيرين يمينيين آخرين - وزير الاقتصاد برونو لومير، ووزير المال جيرار دارمران - داخل اليمين، واحتمال تشققه عقب الانتخابات البرلمانية يومي 11 و18 يونيو (حزيران) المقبل.
كتب الكثير عن إدوار فيليب، لا، بل خُصص له فيلم وثائقي تحت عنوان: «إدوار، صديقي اليميني». فالرجل الذي لم يسبق له أن شغل منصبا وزاريا في الماضي، دخل السياسة باكرا من باب الحزب الاشتراكي عندما كان طالباً، فتقرّب من التيار الإصلاحي الذي كان يمثله يومذاك رئيس الحكومة الأسبق ميشال روكار. إلا أنه ابتعد شيئا فشيئاً عن الاشتراكيين واقترب من اليمين المعتدل، وأصبح من أشد مناصري رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه.
والحقيقة، أن بين ماكرون وفيليب عدة نقاطا مشتركة: فكلاهما من منطقة النورماندي، الأول من مدينة أميان، والثاني من مدينة روان. وكلاهما سلك المسار الأكاديمي نفسه: معهد العلوم السياسية (سيانس بو) في باريس ثم المعهد الوطني العالي للإدارة (إينا) الذي يخرّج النخبة الإدارية والسياسية الفرنسية. وبين الرجلين «قرابة فكرية»؛ إذ يقول الثاني عن الأول إنه «يفكر مثله بنسبة 90 في المائة». وكلاهما يحب الرياضة نفسها: الملاكمة. فماكرون مارسها لفترة ثم توقف عنها... بينما كان فيليب يتدرّب، حتى تسميته رئيسا للحكومة، ثلاث مرات في الأسبوع.
يقوم التقليد في فرنسا على أن كل المتخرجين من «إينا» يدخلون بداية إلى الوظيفة الحكومية قبل أن يتوزّعوا بينها وبين القطاع الخاص. وهذا ما فعله ماكرون وما فعله كذلك فيليب. الأول، ذهب إلى بنك روتشيلد الشهير، حيث ربح الكثير من المال قبل أن يستدعيه هولاند ليعمل إلى جانبه. والثاني، استهوته مهنة المحاماة فانضم إلى مكتب جماعي يحمل اسم «دوبوفواز ــ بليمبتون إل إل بي». لكن السياسة كانت له بالمرصاد فولجها من الباب المحلي، أي في مدينته لوهافر ملتحقاً بفريق رئيس البلدية السابق أنطوان روفناخت الذي رعى أولى خطواته واحتضنه، لا، بل جعله وريثاً سياسيا له في مقعد رئاسة المجلس البلدي وفي المقعد النيابي.
* تلميذ جوبيه ومستشاره
بيد أن صعود نجم فيليب السياسي يدين به لرئيس الحكومة الأسبق آلان جوبيه الذي استدعاه في عام 2002 عند إطلاق حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» وغرضه تجميع اليمين والوسط، وضمان فوز جاك شيراك برئاسة الجمهورية. إدوار فيليب شغل يومذاك منصب مدير الحزب. ومنذ تلك الفترة بقيت علاقته ممتازة مع جوبيه. وعندما عيّن جوبيه وزيرا للبيئة في عام 2007، كان فيليب أحد مستشاريه. وعندما قرّر جوبيه خوض غمار الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين بغرض تسميته مرشحا عنه للرئاسة طلب من إدوار فيليب أن يكون ناطقا باسمه.
ولاحقاً، شغل رئيس الحكومة الجديد مناصب محلية كثيرة في مدينته ومنطقته. وبما أنه كان مقرّباً من روفناخت، فإنه ورث عنه رئاسة بلدية لو هافر في عام 2010، وقبلها وصل إلى الندوة البرلمانية من خلال النائب عن الدائرة جان إيف بسولا، مساعدا برلمانيا له واحتل مقعده عقب وفاته في العام 2012. وفي الانتخابات التشريعية التي تلت، نجح فيليب في الاحتفاظ بمقعده النيابي. ومع أن حوليات البرلمان لا تدل على أنه كان فاعلاً في المناقشات أو تقديم مقترحات القوانين، إلا أنه كان من بين الأكثر فاعلية على الصعيد العملي من النواب.
عند تسلم إدوار فيليب مهام منصبه الجديد من سلفه رئيس الوزراء الاشتراكي برنار كازنوف، حرص فيليب على تأكيد أنه ينتمي إلى اليمين. وتدل عمليات التصويت التي شارك فيها خلال العهدة النيابية الأخيرة أنه صوّت مع اليمين بشكل مستمر، لا، بل إنه صوّت ضد مشروع قانون يحمل اسم الرئيس ماكرون عندما كان وزيرا للاقتصاد. وفي عام 2016، صوّت فيليب ضد القانون المُسمّى «قانون الخمري» – نسبة لوزيرة العمل السابقة المغربية الأصل مريم الخمري – رغم أنه يسير وفق فلسفة اليمين لجهة تخفيف أعباء أرباب العمل والقيود وتسهيل التسريح. والمفارقة، أن ماكرون عهد إلى فيليب وإلى وزير الاقتصاد برونو لو مير - وكلاهما من اليمين - بالتحضير لقانون جديد للعمل يكون أكثر جذرية في إصلاحاته مما يتضمنه «قانون الخمري» الذي أخذ عليه اليمين وقتها أنه «لا يذهب بعيداً» في الإصلاحات.
من ناحية أخرى، يؤخذ على رئيس الحكومة الجديد قربه من «اللوبي النووي» في فرنسا بسبب الوظائف التي شغلها سابقاً في شركة «أريفا» المتخصصة بالصناعة النووية. ففي عام 2007، التحق فيليب بالشركة المذكورة مديراً عاما للشؤون العامة. وعملياً، كانت مهمته متابعة النواب الداعمين للصناعة النووية والوقوف بوجه المناهضين لها والساعين لأن تتخلى فرنسا - التي تنتج أكثر من 70 في المائة من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية – عن الطاقة النووية. وإلى تلك الفترة، بالذات، تعود سمعة فيليب بأنه معاد للسياسة البيئوية ــ الإيكولوجية. وفيما بعد عارض بصفته نائب قوانين التخفيف من الاعتماد على النووي مصدراً للطاقة. وكانت حجته الدائمة أنه بين المحافظة على البيئة والمحافظة على فرص العمل (في القطاع النووي) فإنه يختار الثانية.
ومن ثم، بسبب مواقفه هذه، تعرّض فيليب - ومعه ماكرون - لانتقادات حادة من البيئويين. والسؤال المطروح الآن على الساحة السياسية الفرنسية يتناول طريقة العمل الجماعي بين فيليب وبين وزير البيئة نيكولا هولو، المعروف منذ سنوات بدفاعه الشديد عن البيئة ودعواته للتخلّي التدريجي عن الطاقة النووية. وللعلم، يُعد اجتذاب هولو أحد النجاحات السياسية اللافتة لرئيس الجمهورية، لأنه سبق لهولو أن رفض عروضاً سابقة بتولي منصب وزاري رغم إصرار رئيسين للجمهورية هما نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند على تعيينه.
* موضوع الشفافية
ثمة مآخذ أخرى على إدوار فيليب؛ إذ إنه لم يجلّ في ممارسة الشفافية المالية المفروضة على كل نائب. فمن جهة، عارض مشروع القانون الخاص بالشفافية الذي طرحته الحكومة الاشتراكية بعد فضائح وزير المالية السابق جيروم كاهوزاك. ومن جهة أخرى، تلقى في عام 2014 «لوماً» من الهيئة المشرفة على شفافية بيانات النواب والوزراء المالية التي أصبحت بموجب القانون إلزامية. ويؤخذ عليه أنه رفض في بيانه تقدير قيمة ممتلكاته غير المنقولة بحجة أنه «لا يعرف» قيمتها. غير أنه حرص لاحقاً، قبل تسميته رئيسا للحكومة، على تسوية أوضاعه مع مصلحة الضرائب. وبعد ذلك، قدم فيليب استقالته من البرلمان بعد التصديق على قانون منع الوظائف التراكمية مفضلاً البقاء رئيساً لبلدية لو هافر على مواصلة شغله مقعدها النيابي. لكنه بات مضطرا للاستقالة من رئاسة البلدية بسب قرار اتخذه الرئيس ماكرون وهو يمنع الجمع بين منصب وزاري وآخر انتخابي (بلدي، نيابي أو إقليمي).
رغم هذه التحفظات، يُعد تعيين فيليب «ضربة معلم» ماكرونية. فالرجل القريب من آلان جوبيه كلّف بمهمة أساسية، هي ليست فقط رئاسة الحكومة، ولكن أيضا أن يكون رئيسا للأكثرية النيابية التي يسعى للظفر بها الرئيس الجديد من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة. وما يراهن عليه ماكرون الآن هو أن تكون استمالة ثلاثة ساسة من ساسة الصف الأول من معسكر اليمين عاملاً لتفكيك صفوف حزب الجمهوريين، وطريقاً لإعادة تركيب المشهد السياسي الفرنسي.
هذا، ومنذ ما قبل الانتخابات النيابية، طرحت عريضة من صفوف اليمين تدعو لـ«تلقف اليد الممدودة» من رئيس الجمهورية، بمعنى قبول التعاون معه عقب الانتخابات. ومن الذين يدفعون في هذا الاتجاه آلان جوبيه، تحديداً، الذي يرى أن فرنسا «لا يمكن أن تبقى في حرب أهلية سياسية دائمة»، وأنه إذا لم يحصل اليمين على الأكثرية المطلقة في البرلمان، فعليه عندها أن «يتعاون» مع رئيس الجمهورية «على القطعة» بمعنى بصدد كل مشروع قانون أو إصلاح على حدة.
* تجديد الطاقم السياسي
وحقاً، يأمل ماكرون الطامح لـ«تجديد» الطاقم السياسي الفرنسي أن تكون الانتخابات العامة (البرلمانية) المقبلة عاملاً مساعدا له على تحقيق هذا الهدف. وبعدما نسف رئيس الجمهورية الجديد اليسار الاشتراكي من الداخل بأن «امتص» ناخبيه في الرئاسيات، حيث حصل الحزب الاشتراكي على أقل من نسبة 7 في المائة من الأصوات في الدورة الانتخابية الأولى، فإنه يسعى الآن إلى تفجير اليمين أيضاً، وهذا ما أدركه قادة «الجمهوريين». وبالفعل، تفيد استطلاعات الرأي أن حزب «الجمهورية إلى الأمام»، وهو الاسم الجديد لحركة ماكرون «إلى الأمام»، سيحل في المرتبة الأولى في يونيو المقبل. لكن لا أحد يستطيع اليوم أن يجزم بحصوله على الأكثرية المطلقة في البرلمان.
في هذا السياق، يعتبر ماكرون أن وجود رئيس حكومة يميني إلى جانبه وتسليم الاقتصاد والمال لوزيرين يمينيين من شأنهما تأجيج أزمة الناخب اليميني الذي سيكون عليه الاختيار، إما التصويت لصالح مرشحي رئيس يقرن القول بالفعل (دفع اليمين واليسار والوسط إلى العمل معاً)... أو التقوقع في إطار حزبي ضيق أثبت انعدام فعاليته في الانتخابات الرئاسية. ويشار هنا إلى أن حركة «الجمهورية إلى الأمام» أحجمت عن تقديم مرشحين منافسين في عدد من الدوائر، حيث يتنافس مرشحون يمينيون أبدوا استعدادهم للانضمام إلى الأكثرية الرئاسية عقب الانتخابات.
هكذا تقترب فرنسا من استحقاق انتخابي إضافي بعد معركة الرئاسية لم يسبق أن شهدت مثلها الجمهورية الخامسة منذ تأسيسها في العام 1958. ولقد لعب إدوار فيليب دوراً مهماً فيها لأنه حجرا أساسيا من لعبة الشطرنج التي يجيدها ماكرون. ذلك؛ أنه يُراد له أن يكون تجسيداً للرغبة الرئاسية في تغيير الممارسة السياسية، وضخ دماء جديدة وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وتمكين المجتمع المدني من الدخول إلى السلطة وتخطي الحواجز والخنادق القديمة.
لقد أراد ماكرون أن تكون حكومته على صورته ومثاله، وأن يكون رئيسها جديداً، لكن في الوقت عينه يتمتع بخبرة سياسية، وبالقدرة على قيادة فريق حكومي والإشراف على عمله اليومي بينما التوجيهات الكبرى تعود إليه. وغير مرة شدد الرئيس الجديد على رغبته بالعودة إلى المفهوم الكلاسيكي للرئاسة، حيث «الرئيس يرأس والحكومة تحكم»... بمعنى أن الأول لن يكون مضطراً إلى الغوص في التفاصيل والاهتمام باليوميات.
هل سيكون فيليب قادرا على «ملء مقعده» وأن يقوم بالدور المنوط به؟
السؤال مطروح... لكن الإجابة عليه صعبة، وهي متروكة للآتي من الأيام.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.