آشوريو سوريا: أقلية مهددة بالزوال... والهجرة تصل لأعلى المستويات

أعداد المتبقين تقدّر بنحو 30 ألفاً بينما هاجر قرابة 80 ألفاً

كنيسة السيدة العذراء في قرية تل نصري الواقعة جنوب غربي بلدة تل تمر («الشرق الأوسط»)
كنيسة السيدة العذراء في قرية تل نصري الواقعة جنوب غربي بلدة تل تمر («الشرق الأوسط»)
TT

آشوريو سوريا: أقلية مهددة بالزوال... والهجرة تصل لأعلى المستويات

كنيسة السيدة العذراء في قرية تل نصري الواقعة جنوب غربي بلدة تل تمر («الشرق الأوسط»)
كنيسة السيدة العذراء في قرية تل نصري الواقعة جنوب غربي بلدة تل تمر («الشرق الأوسط»)

امتدت الحرب الدائرة في سوريا إلى المنطقة التي تقطنها الأقلية السريانية الآشورية في شمال شرقي البلاد، وطالت نيران المعارك بلدة تل تمر التي تعد الموطن الأصلي لهذه الطائفة المسيحية. وباتت شوارع البلدة خالية من سكانها، وأبواب المنازل موصدة، ونوافذها تنتظر عودة من هجرها، فيما أجراس كنيسة السيدة القديسة وسط البلدة لم تعد تقرع.
وبحسب جهات سياسية وحقوقية آشورية سورية، تقدر أعداد السريان المتبقين في سوريا بنحو 30 ألفا من أصل 1.2 مليون مسيحي في سوريا، فيما تقدر أعداد المهاجرين منهم بقرابة 80 ألفا، قصد معظمهم دولاً أوروبية وغربية.
تقع بلدة تل تمر على ضفة نهر الخابور، وتبعد نحو 40 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من مدينة الحسكة، وتعرضت في فبراير (شباط) 2015 لهجوم واسع نفذه عناصر تنظيم داعش، اختطفوا خلاله 234 آشورياً وأحرقوا عدداً من كنائس قرى حوض الخابور، ودمروا وسرقوا منازلهم.
ينحدر فادي جرجس (52 سنة) وزوجته جانيت وابنته الوحيدة سارة، من قرية تل شاميرام، وكانت أولى القرى التي تعرضت للهجوم آنذاك، وكانوا من بين المختطفين حيث بقوا محتجزين قرابة عام مع التنظيم الإرهابي.
ينتظر فادي وعائلته إشعارا من القنصلية السويدية في بيروت للسفر واللجوء إليها، بعد تردي الأوضاع الأمنية في منطقتهم. وفي حديثه معنا، يشرح جرجس قرار عائلته بالقول: «عانينا الأمرّين هنا... خطف وسجن وحرق؛ وفوق كل ذلك، فقدنا ابني الوحيد في المعارك»، ولفت إلى إنهم سيسافرون لبلد يحفظ كرامتهم لإكمال بقية حياتهم بعيداً عن هذه الصراعات.
في حين أن زوجته جانيت (46 سنة) التي اتشحت بملابسها السوداء طيلة العام الماضي بعد أن أفرج عنها، خشية عودة المتطرفين إلى منطقتهم، فقد بقيت ساكتة. أما اليوم فكان الأسود يملأ قلبها وجسدها حداداً على مقتل ابنها عماد ذي العشرين عاماً، في المعارك الدائرة ضد تنظيم داعش المتطرف، فقد كان يقاتل في صفوف قوات «السوتورو» الآشورية.
أما ابنتهم سارة (18 سنة) ذات العينين البنيتين الخائفتين والقامة النحيلة، فقالت إنه «منذ خروجنا من السجن لم نذهب إلى قريتنا، الجيران أخبرونا بأن منزلنا احترق، وقد دمر عناصر (داعش) كنيستنا، لقد أحرقوا ذكرياتنا، فلماذا نبقى في القرية؟».
وبحسب «المنظمة الآثورية الديمقراطية» في سوريا، تقدر أعداد السريان الآشوريين المتبقين بنحو 30 ألفا، يعيش معظمهم في مدينة الحسكة وبلدتي تل تمر والقامشلي، غير أن أعداداً كبيرة نزحت جراء الحرب المستعرة في بلادهم منذ 6 أعوام.
وأكد كبرو رومانوس، عضو «المكتب السياسي للمنظمة الآثورية»، صعوبة معرفة عدد السريان الباقين في مدينة الحسكة وريفها، لكنه قال إنهم يقدرون العدد بشكل تقريبي بين 25 و30 ألف نسمة، من أصل ربع مليون كانوا يعيشون في سوريا قبل عام 2011. ويعزو رومانوس ارتفاع معدلات الهجرة بين أبناء جلدته إلى «اشتداد الصراع المسلح في عموم البلاد، وبروز مجموعات الإرهاب التكفيرية مثل (داعش)، لذا تضاءل الوجود السرياني - الآشوري، وارتفعت معدلات الهجرة لمستويات قياسية».
وشدّد كبرو رومانوس على أنّ «اجتياح عناصر (داعش) قبل عامين وسيطرتهم على قرى القسم الغربي لنهر الخابور، ونهب وحرق بيوتها وتدمير كنائسها، تسبب بإفراغ المنطقة السريانية الآشورية».
ولم يتبق من المدنيين في بلدة تل تمر وقراها المسيحية، إلا عدد قليل من المسنين، أحدهم عمانوئيل شمعون، ذو الستين عاماً، الذي يسكن بمفرده في منزله الكائن بالحي الشمالي من البلدة، بعدما سافرت زوجته وأبناؤه الثلاثة إلى السويد. يقول: «لوين بدي سافر، أنا ابن هالأرض، بدي أبقى هون، ممكن عائلتي تغير رأيها ويرجعوا بيوم ما، وترجع أيامنا الحلوة».
الهجرة إلى الغرب
قصد معظم السريان الآشوريين الذي هاجروا خلال العامين الماضين، دولتي تركيا ولبنان المجاورتين لسوريا في محطات مؤقتة، ومنهما سافروا إلى الدول التي منحتهم اللجوء.
أكلينيا أيوب (34 سنة) وصلت قبل عام إلى ألمانيا، واستقرت في مدينة فرنكفورت برفقة زوجها إيليا وابنتها الوحيدة جاكلين، لكنها لم تنس الأيام العصيبة التي مرت بها خلال سنوات الحرب في بلادها.
وقالت في حديث عبر خدمة «واتساب»: «لم أصدق أنني تخلصت من ذاك الجحيم، فالحرب مزقت بلدنا وحولتها لكتل من النيران»، لكنها لم تخف أنها تشتاق إلى أشجار الزهور والزيتون في قريتها تل جزيرة غرب بلدة تل تمر، وتضيف: «بقيت كل ذكرياتنا هناك، لم يعد لنا ماضٍ».
من ناحيته، كشف الناشط الحقوقي السوري أسامة إدوارد، منسق «الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان»، إنه «بحسب إحصاءاتنا، تقدر أعداد المهاجرين منهم بنحو 80 ألفاً، وقد كانت السويد الأعلى؛ حيث استقبلت 35 ألفا، أما ألمانيا فوصل إليها قرابة 25 ألفاً، في حين قصد أستراليا نحو 15 ألفا، بسبب وجود عائلات وأقارب لهم فيها».
غير أنه، وعلى النقيض من المهاجرين الكثر، رفض المدرس جورج قريو (45 سنة) الهجرة، وقرر زراعة أراضي قريته تل مساس الواقعة جنوب بلدة تل تمر، بعد نزوح كل أبنائها قبل عامين. ويعزو إصراره على البقاء وتمسكه بالأرض قائلاً: «عندما يسمع أبناء قريتي المهاجرون أن موسم الحصاد جاء بالخير، فقد يفكرون بالعودة لجذورهم وأرضهم، أتصل بهم يومياً وأشجعهم على العودة».
وحذر إدوارد في نهاية حديثه من أنّ وجود الشعب الآشوري بات مهدداً بالزوال، وطالب بضرورة الانتقال إلى نظام سياسي علماني ديمقراطي في البلاد؛ «نظام يعترف بوجود الأقليات القومية والدينية ويقرّ بشراكتها في إدارة البلاد، لأنها الضمانة الحقيقية والوحيدة لبقاء السريان والأقليات السورية في موطنهم الأصلي».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.