«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (7): المسلمون ضحايا الإرهاب والمخاوف... والناسك أشين ويراذو

ثالث أفلام باربت شرادر التسجيلية

الناسك بين أتباعه
الناسك بين أتباعه
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (7): المسلمون ضحايا الإرهاب والمخاوف... والناسك أشين ويراذو

الناسك بين أتباعه
الناسك بين أتباعه

أول رد فعل على العملية الإرهابية البشعة التي وقعت ليل أول من أمس في مدينة مانشستر البريطانية، قيام عدد من المؤسسات السينمائية بإلغاء حفلاتها الليلية المقررة ومن أبرزها الحفلة التي كانت مقررة هذا الأسبوع بمناسبة قرب إطلاق فيلم بيكسار- ديزني الجديد Cars 3.
وفي الوقت ذاته أصدرت إدارة المهرجان بياناً قالت فيه «نود الإعراب عن الرعب والغضب والحزن الشديد الذي أصابنا إثر الاعتداء على الأبرياء في مدينة مانشستر».
والإدارة أصابت حين أضافت: «هذا اعتداء آخر على الثقافة والشباب والمرح وعلى حريتنا وكرمنا وتحملنا وكلها مسائل قريبة إلى قلوبنا نحن في المهرجان والفنانين والمحترفين والمشاهدين».
أما محافظ مدينة كان، ديفيد ليسنارد، فقد قال في بيانه: «هجوم آخر حدث ليلة البارحة في مانشستر. تعازي القلبية تذهب لعائلات القتلى والجرحى ونبعث لأصدقائنا البريطانيين الأعــزاء بمشاعرنا القلبية وبتأييدنا الكامل».
دعوة للإبادة
الواقع أن «كان» المدينة والمهرجان معاً، لم يكن بحاجة إلى هجوم في أي مكان من العالم لكي يستشعر بالمخاطر العظيمة التي عليه أن يحسب حساباتها ويتحصّـن ضدها ويبذل جهد استطاعته لكي لا تقع. الحيطة الشديدة ضايقت البعض من تعدد أشكالها خصوصاً حين دخول قصر المهرجانات أو الصالات المحيطة، لكن معظم الحاضرين قدّروا ما تقوم به الأجهزة الأمنية في الظاهر وفي الخفاء لمنع أي حادث إرهابي من الوقوع.
لكن، وفي المقابل، لا ينقصنا نحن، أي المسلمين وعرب، الأفلام التي تبث مواقف عدائية سواء اكتفت بنقلها أو تبنتها. في الحقيقة تبنيها أعلى خطراً وإساءة من مجرد نفلها لكن الأفضل بالطبع أن تكون هناك وجهة نظر قائمة على المعرفة والتمييز عوض أن يكتفي الفيلم بإبراز العنصر العدائي وترك المشاهد عند تلك النقطة بلا مراجعة وهذا ما حاوله باربت شرودر، في فيلمه الجديد المعروض في المهرجان، مانحاً حق المهاجمين حرية الكلام وموحياً بطريقته الفنية الخاصّـة برفض قبول وجهة نظرهم.
‫بعد مشاهد قليلة ينبري فيلم المخرج شرودر الجديد «المحترم و» (The Venerable W) بمقطع أول من مقابلته مع الناسك البوذي أشين ويراذو الذي لا يستطيع أن يمسك لسانه قبل النطق بآرائه المعادية للإسلام متحدثاً عن تطرفهم وعنفهم وكونهم أبعد من الانتماء إلى باقي البشرية.‬
ويراذو بوذي من بورما والمسلمين الذين يهاجمهم سكان مقاطعة روهينغيا البورمية الذين تصدروا منذ أواخر العام الماضي العناوين في وسائل الإعلام المختلفة تبعاً لهجوم البوذيين من ناحية والسلطات الأمنية والعسكرية عليهم ما خلف كثيرا من القتلى والجرحى ودفع منظّـمة الأمم المتحدة لتشكيل لجنة تقصي حقائق ما أغضب الحكومة البورمية التي تنفي تعرض المسلمين في بلادها لإرهاب البوذيين المتطرف أو لسوء المعاملة من السلطات المحلية.
يحتوي الفيلم على مشاهد تظهر الناسك ‫ويراذو‬ وهو يقوم بالتحريض على مسلمي بلده عبر أفلام دعائية متبادلة وبقيادة حملات لإخراج المسلمين من ديارهم وتشريدهم. كما يظهر كيف يكتفي الجيش البورمي بوقفة تأمل لما يدور ممتنعاً عن الدفاع عمن يتعرضون للظلم.
ويمضي الفيلم في تصويره وجهين متناقضتين للناسك البوذي، واحدة متوقعة من متبعي البوذية المعروفين بحبهم للسلام والتحمل والابتعاد عن العنف، وأخرى له داعياً فيها إلى الانقضاض على المسلمين وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم.
ما يراه ‫ويراذو‬ وينقله شرادر إلى جمهوره أن الدعوة المسالمة وتلك العنيفة تلتقيان عند نقطة واحدة: «المسلمون»، يقول: «ليسوا بشراً. هم أقل من ذلك».
لا يفوت شرادر التعليق على هذا المنحى ومواجهته بالحجة. في الأساس فإن «المحترم و» هو الفيلم الثالث في الثلاثية التي بدأت سنة 1974 بفيلم عن عيدي أمين دادا وتوسطت سنة 2007 بفيلمه الجديد «محامي الإرهاب» وتنتهي، كما هو معلوم اليوم، بهذا الفيلم الذي يريد متحدثه الأول، ‫ويراذو‬، إقناع شرادر والمشاهدين بأن الإسلام خطر على المدينة وشر كبير. طريقة المخرج في تنفيس كل هذا القدر من العدائية هي الإشارة إما إلى الصورة المعاكسة ما يخلق فجوة كبيرة بين ما يكرره المتحدث وما يراه الفيلم، وإما بإظهار المغالاة التي يتصرّف بها العنصريون للحديث عن سطوة الإسلام وحتمية وقوع الغرب في قبضته إذا ما تسنى له ذلك.
لكن مع وقوع الأحداث الإرهابية التي يقوم بها متطرفون باسم الإسلام، يدرك المخرج صعوبة الدفاع عن «المسلم الطيب». ذاك الذي لا يؤمن بالعنف ولا ينتمي إلى عصب التطرف ويعمل على مجابهة عالم معاد بالحوار قدر المستطاع. في هذا الشأن يلاحظ الفيلم كيف أن العمليات الإرهابية التي وقعت في باريس لا تستطيع أن تمنح المسلمين سوى الصيت السيئ وتشعل نار الحذر ضدهم والمعاداة بشكل عام.
يشرح شرادر كيف أن ‫ويراذو‬، الذي خرج من السجن قبل سنوات قليلة بعد أن قضى عدة أعوام بتهمة الاعتداء على المسلمين، حصّـن نفسه بأتباع يساندونه في حملاته ويدافعون عن مبادئه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».