اجتماعان لماكرون مع ترمب وبوتين والملف السوري يتصدر المباحثات

الخارجية الفرنسية تنفي عزمها على إعادة فتح سفارتها في دمشق

اجتماعان لماكرون مع ترمب وبوتين والملف السوري يتصدر المباحثات
TT

اجتماعان لماكرون مع ترمب وبوتين والملف السوري يتصدر المباحثات

اجتماعان لماكرون مع ترمب وبوتين والملف السوري يتصدر المباحثات

سيكون الملف السوري على رأس المواضيع التي سيثيرها الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون في لقاءين رئيسيين مع زعيمي الدولتين العظميين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. وسيتم الأول في بروكسل يوم الخميس المقبل على هامش القمة الأطلسية وفي إطار غداء عمل حرصت أوساط البيت الأبيض على وصفه بـ«المهم»، وبأنه سيتيح للطرفين فرصة تناول الملف المذكور «في العمق». واللقاء الثاني سيجمع ماكرون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 29 الجاري في قصر فرساي التاريخي حيث سيأتي بوتين إلى فرنسا بمناسبة افتتاح معرض بمناسبة مرور 300 سنة على العلاقات الدبلوماسية الفرنسية - الروسية. وبحسب البيان الصادر عن الكرملين، فإن الرئيسين سيتناولان الملف السوري من بين ثلاثة ملفات أساسية (هي إلى جانب سوريا، ملف الإرهاب والملف الأوكراني).
وتنبع أهمية اللقاءين وفق مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، من أنهما سيتيحان للرئيس ماكرون أن «يكون صورة واضحة عما تسعى له واشنطن وموسكو وعن خططهما في سوريا وعن تصورهما لمستقبل هذا البلد». وحتى اليوم، ما زالت باريس «تشكو» من «غموض» الموقف الأميركي ومن «غياب» الخطة السياسية الواضحة لما ستكون عليه سوريا، فيما التركيز ينصب حتى الآن على محاربة «داعش» والإجهاز على تنظيم الدولة في سوريا والعراق. أما بشأن موسكو، فإن اللقاء بين ماكرون وبوتين سيمكن الرئيس الفرنسي من الاستماع مباشرة من الرئيس الروسي الممسك بكثير من الخيوط السياسية والعسكرية في سوريا لما تسعى له الحكومة الروسية، وللخطوات اللاحقة التي تعول عليها بعد «آستانة4» و«جنيف6» ودور القوى الإقليمية. وتضيف المصادر المشار إليها أن تحديد «سياسة فرنسية جديدة» لا يمكن أن يتم مع انطلاقة العهد الجديد قبل أن «تنجلي» المواقف الأميركية والروسية وقبل أن تكون باريس قد تواصلت بشكل كاف مع شركائها في الاتحاد الأوروبي وفي الشرق الأوسط.
وفق هذه الرؤية، يبدو أن أي تغيير فعلي، في حال حصوله، في السياسة الفرنسية إزاء سوريا وإزاء نظامها، لن يكون سريعا، خصوصا أنه لن يأتي معزولا. ومنذ وصوله إلى وزارة الخارجية، يجري جان إيف لودريان كثيرا من الاتصالات مع نظرائه العرب الذين يعرفهم بشكل جيد، لأنه أمضى خمس سنوات وزيرا للدفاع في حكومات الرئيس السابق فرنسوا هولاند المتعاقبة. وأمس، كان لودريان في برلين من أجل جولة أفق مع نظيره سيغمار غابرييل، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية، إن المسؤولين سيسعيان لـ«تنسيق» مواقف بلديهما خصوصا بالنسبة لمالي وسوريا.
وأمس، نفت باريس ما جاء في تقارير صحافية عن عزمها إعادة فتح سفارتها في دمشق التي أغلقتها في عام 2012 بعد فترة قصيرة على اندلاع الانتفاضة الشعبية. وقال الناطق باسم الخارجية رومان نادال ردا على سؤال في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني، إن «إعادة فتح سفارتنا في سوريا ليس على جدول الأعمال». لكن هذا النفي لا يعني بالضرورة أن باريس لن تحدث أي تعديل في سياستها التي بقيت الأقرب للمعارضة السورية والأكثر ثباتا خلال السنوات الست الماضية. وكان المرشح ماكرون الذي زار بيروت في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي قد استبعد الإقدام على خطوة كهذه.
تستشعر باريس أنها «مهمشة» في الملف السوري. ويقول ماكرون إن بلاده «لا يمكن أن تبقى خارج اللعبة» التي تقودها حاليا روسيا وبدرجة أقل إيران وتركيا. ولعل أبلغ دليل على تهميشها إبقاؤها خارج اجتماعات آستانة وبعيدا عن الاتفاقيات التي حصل فيها «وقف النار ومؤخرا اتفاقية إنشاء أربع مناطق تخفيف النزاع». وترد المصادر الدبلوماسية الفرنسية بالقول إن السبب في ذلك أن الأطراف الضالعة في آستانة هي التي تملك قوات تقاتل على الأراضي السورية وليس بينها فرنسا. وبالاستناد إلى ما قاله ماكرون، فإن أولويات باريس تدور حول محاربة القضاء على «داعش». لكنه يربط ذلك بالحاجة لوضع خريطة طريق سياسية لإنهاء النزاع. ويأتي ذلك بمثابة «ترجمة» لرؤية لخصها كالتالي: «إن أي عمل عسكري لن يكون له معنى ما لم يندرج في إطار (تحرك) دبلوماسي أو (خطة) سياسية». وتريد باريس ثانيا المحافظة على بنى الدولة السورية «حتى لا نقع على عراق آخر أو ليبيا أخرى»، كما أنها تطالب بخطة «بعيدة المدى» بحيث لا تتوقف الحرب على الإرهاب باستعادة الموصل والرقة، لأن «داعش» سيتأقلم ويعيد انتشاره وربما سينبعث في مناطق أخرى وأشكال مختلفة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.