«زان تي في»... من الشادور إلى الشاشة

انطلقت أمس قناة «زان تي في» أو «تلفزيون النساء»، بطاقم عمل نسائي من مذيعات ومنتجات، بعد حملة تسويقية كبيرة على لافتات إعلانية في العاصمة كابل، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي: «فيسبوك» و«تويتر» و«تليغرام»، التي تلقى رواجا كبيرا في أفغانستان.
الجديد في الحدث، أن المجتمع الأفغاني لطالما عُرف بأنه مجتمع محافظ بطبعه، يتمسك بالأعراف والتقاليد القبلية. ومن ضمن تلك العادات، أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا مرتين في حياتها، إلى بيت الزوجية أو على أكتاف الرجال إلى القبر، بعد موتها.
هذا المثل ينطبق إلى حد كبير على القبائل الباشتونية شديدة التمسك بالمعتقدات والعادات التي لا تسمح في كثير من المناطق بحق التعلم للمرأة، وكانت حركة طالبان التي منعت المرأة من التعليم والعمل والخروج من المنزل إلا بوجود محرم، قد طبقت العادات القبلية الباشتونية بحذافيرها بحق النساء.
وسط هذه الصورة شبه القاتمة لحال المرأة الأفغانية، جاءت محاولة فريدة من نوعها، وهي تأسيس أول محطة تلفزيونية خاصة بالنساء لتكون لهن فقط، وأطلق عليها اسم «زان تي في»، أي محطة نسائية. المحاولة بحد ذاتها تعتبر سابقة من نوعها، ومن المتوقع أن تحل كثيرا من مشكلات المرأة، عبر عرض برامج التوعية ونشر التعليم بين النساء من خلال برامج خاصة بهن، توضح للمرأة حقوقها المشروعة، وأنها عنصر مهم في المجتمع، فلا بد لها أن تطالب بكامل حقوقها.
في السياق، تقول الناشطة الحقوقية الأفغانية صبرينا صادقي: إن هذه المحطة إذا كان الهدف منها خدمة المرأة فقط، وليست مشروعا لجمع الأموال وتبرعات الدول الغربية، فإنها ستكون أول محاولة جادة تخدم المرأة الأفغانية المضطهدة على مر العصور.
وتشير صادقي بأن المرأة التي تتعرض للتحرش والتضييق في المكاتب الحكومية والمؤسسات الخاصة، ستجد في هذه القناة منبرا حقيقيا لرفع الصوت وإيصاله إلى المعنيين دون خوف أو قلق. ومن المقرر أن تبدأ قناة تلفزيونية جديدة مخصصة للنساء بثها في أفغانستان لتصبح الأولى من نوعها في بلد لا يزال الرجل يسيطر على جميع وسائل الإعلام. وبدأ بث قناة «زان تي في» أو «تلفزيون النساء» يوم أمس، بطاقم عمل نسائي من مذيعات ومنتجات، بعد حملة تسويقية كبيرة على لافتات إعلانية في العاصمة كابل، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
جدير بالذكر، أن قارئات نشرة أفغانيات يظهرن بصورة منتظمة على شاشات الكثير من القنوات الأفغانية، لكن أن تكون القناة بأكملها من النساء فهذا هو الجديد. ويسلط تدشين القناة الضوء على تغيير يحدث في أفغانستان فيما وراء القصص اليومية للعنف، حتى وإن كان هذا التغيير بطيئا.
من جانبها، قالت خاطرة أحمدي، وهي منتجة في القناة «أنا سعيدة جدا بإنشاء هذه القناة للنساء؛ لأنه توجد نساء في مجتمعنا لسن على دراية بحقوقهن». وأضافت: «ومن ثم، فإن هذه القناة تمثل النساء، ونحن نعمل على رفع صوتهن ليدافعن عن حقوقهن».
وغالبا ما تشير الحكومة ومنظمات المساعدة الأجنبية إلى حقوق المرأة والتعليم، إضافة إلى حرية وسائل الإعلام على أنها من بين أكبر الإنجازات التي حُققت في البلاد منذ الإطاحة بحركة طالبان في 2001.
من جانب آخر، قال حامد سمر، مؤسس القناة، إنه يثق في وجود جمهور كبير محتمل من النساء في المدن الكبرى مثل كابل، تتوق إلى الأخبار والنقاشات التي تعكس خبراتهن. وأضاف: «يوجد الكثير من الحديث عن حقوق النساء وحقوق وسائل الإعلام... لكننا لم نر أي شيء يخص المرأة، وهذا هو السبب وراء إنشائنا هذه القناة».
وتستخدم القناة تكنولوجيا رقمية منخفضة التكاليف وتبث من كابل، وتركز على البرامج الحوارية وبعض البرامج عن الصحة والموسيقى. كما أنها تعتمد بصورة كبيرة ورئيسة على شابات معظمهن طالبات.
ويعمل قرابة 16 رجلا من الفنيين خلف الكاميرات في مجالات مثل الرسوم التوضيحية وتشغيل الكاميرات والمونتاج، إضافة إلى تعليم زميلاتهم من أولئك اللائي حصلن على تدريب بسيط في مجال الإعلام. وكان على بعض العاملات في الفريق مثل أحمدي، التصدي لرفض أفراد العائلة أو حتى تجاهل التهديدات من أجل السعي للعمل في مهن إعلامية.
ولا تزال أفغانستان واحدة من أصعب الأماكن في العالم، بالنسبة لعمل النساء في وسائل الإعلام، ويوجد في البلد الفقير الذي مزقته ويلات الحرب، قرابة 40 محطة، ولا يوجد ما يضمن نجاح القناة.
وعقب تضاؤل سيطرة طالبان حاولت أطراف كثيرة تحسين صورة واقع المرأة الأفغانية عبر تدشين وتأسيس برامج التوعية المختلفة بتمويل غربي، لكن المنتقدين يرون أنه وبعد مضي أكثر من 16 سنة، فإن نتائج الجهود والمحاولات كانت متواضعة، ولم تنجح المرأة في استعادة كامل حقوقها المسلوبة منها، واعتبرت جميع المساعي محض دعاية وتسويق، وأن المشروعات بهذا الخصوص لم تؤسس على أرضية صلبة لتكون منطلقا جيدا لبث الوعي في أوساط النساء الأفغانيات الطواقات لنيل حقوقهن، ونشر ثقافة التسامح والعدالة، وإفهام الرجل أنها نصف المجتمع، وينبغي بالتالي إعطاؤها حقوقها التي كفلها لها الدستور والقوانين.
وحتى اليوم، حاولت المرأة الأفغانية أن تسترجع جزءا بسيطا من حقوقها وضحّت من أجلها بالكثير، حيث قُتلت عشرات الناشطات والصحافيات بسبب مواقفهن السياسية وشجاعتهن بطلب حقوقهن. ولا بد من الإشارة إلى أن أغلب هؤلاء الضحايا سقطن من قبل الأزواج والأقارب الرجال، ضمن العنف المنزلي ومحاولة الرجل السيطرة على المرأة.