حوار فني: تيلدا سوينتون لـ«الشرق الأوسط»: التمثيل والرسم والواقع كلها حياتي

تيلدا سوينتون - لقطة من «أوكجا»
تيلدا سوينتون - لقطة من «أوكجا»
TT

حوار فني: تيلدا سوينتون لـ«الشرق الأوسط»: التمثيل والرسم والواقع كلها حياتي

تيلدا سوينتون - لقطة من «أوكجا»
تيلدا سوينتون - لقطة من «أوكجا»

اختلط التصفير بالتصفيق عند نهاية عرض «أوكجا» يوم أول من أمس بعد ساعتين من الأحداث ذات البراعة اللافتة والمضامين الداعية إلى التمعن، ولولا أن الفيلم يقفز بين أنواع ونبرات مختلفة طوال الوقت، بحيث لا تدري كيف تضمّه إلى تصنيف معين غالب، لكان أنجز إعجاباً شاملاً أقوى بكثير مما حصده في النهاية.
«أوكجا» هو فيلم – الحدث، لأنه من إنتاج المؤسسة التي تعد بأن عادة الذهاب إلى السينما ستنطوي، وأن المستقبل هو لتعليب الأفلام وبثها في المنازل فقط. هذا المبدأ أثار، ما ورد هنا قبل أيام من بداية المهرجان، اللغط حول من دافع عن قرار «كان» بعرضه، ومَن دافع عن قرار «كان» بعدم السماح بتكرار التجربة، ومن دافع أو هاجم مثل هذه الإنتاجات من أساسها.
قبل العرض ساد الهرج والمرج. ظهر اسم «نتفلكس» على الشاشة فاستنكر البعض وحيّا البعض الآخر. ثم هب الجميع يصرخون مطالبين بإيقاف العرض، ذلك لأن حجم الشاشة العارضة لم يتم إعداده لحجم وإطار الفيلم نفسه. بعد ربع ساعة من الانتظار انطلق الفيلم مجدداً بالحجم الصحيح، وما إن ظهر اسم «نتفلكس» حتى تعالى التصفير والتصفيق من جديد ولو لمدة قصيرة.
تيلدا سوينتون هي أولى الممثلات ظهوراً على الشاشة. طويلة ممشوقة القوام قوية النبض في الحديث ولديها خطاب تبشر فيه بأن مؤسستها قد وجدت الحل لإطعام البشرية التي بدأت تعاني من مشكلة لا يشير إليها أحد، وهي نقص الطعام.
الحل يكمن في استنباط وتربية خنازير بالغة الضخامة لكي يصار إلى تزويجها والإكثار منها. كل خنزير منها يكفي ليطعم بلدة صغيرة. 26 منها تكفي لإطعام بلد متوسط الحجم.
ما بين التمثيل المدمج بالمؤثرات البصرية وأنظمة الكومبيوتر «غرافيكس» والإخراج المتمكن من الظاهر أكثر من المضمون، تتألق تيلدا سوينتون. إنها المكان الذي يرتاح فيه المشاهد ويتنعم بمشاهدة تمثيل محترف وجيد.
إذ يجلس الناقد معها يجدها على ذات الوتيرة من الحماس والتألق. نسخة حقيقية من تلك المشاهد المتوارثة لها منذ أن امتهنت التمثيل قبل 31 سنة.
* ما رأيك بالضجة التي صاحبت فيلم «أوكجا» من الأساس، كونه فيلم صُنع للاستهلاك المنزلي لكنه حظي بدخول مسابقة مهرجان كبير مثل «كان»؟
- أفهم الدوافع التي حَدَتْ بالمحتجين عليه، وغيرة بعضهم الصادقة على مستقبل السينما، هذا أمر مفهوم، لكن الفيلم فيه طاقة كبيرة وفي اعتقادي أنه يتضمن العناصر ذاتها التي يشتغل عليها أي مخرج سينمائي قدير كما يبرهن المخرج بونغ (دجون - هو) في هذا الفيلم. لا أعتقد أن أحداً يستطيع تمييز هذا الفيلم عن أي فيلم من إنتاج شركات «فوكس» أو «سوني» أو «يونيفرسال». وأعلم علم اليقين بأن «نتفلكس» منحت المخرج كامل حريته. ليس كل شركة إنتاج مستعدة لذلك.
* لكن رئيس لجنة التحكيم، بدرو ألمادوفار، أوحى في مؤتمره الصحافي أنه سيتردد في منح الجائزة لفيلم لا يوزع تجارياً في الأسواق. ما تعليقك؟
- لم أقرأ هذا القول لكني سمعت به لأول مرّة خلال مؤتمرنا الصحافي يوم أمس. نعم، ربما قال ذلك، لكننا لم نأتِ إلى «كان» بحثاً عن الجوائز، بل لأن هذا الفيلم الرائع لديه رسالة يريد قولها و«كان» هو المنصّة الأهم لذلك.
* ما هذه الرسالة في نظرك؟
- إنها مجموعة من الرسائل حول البيئة وحول الإنسان الذي يتم تدجينه ليقبل مرغماً بما تفرضه عليه الصناعات الاستهلاكية. حول العلم وكيف يتم ترويضه ليخدم تلك الصناعات، وحول المؤسسات العملاقة التي تعامل الناس على أساس أنهم مجرد بطون يستطيعون إطعامها ما يشاءون. يريدون منا أن نُقبِل على منتجاتهم لصرف النظر عن احتياجاتنا الحقيقية للغذاء الجيد والصحي السليم.
* باتت هناك علاقة أقوى بين الأفلام والواقع والأحداث الحقيقية. في رأيك هل نحتاج إلى المزيد أو إلى التقليل من هذه الأعمال؟
- أفهم مقصدك، لكن هناك ما يكفي من الأفلام لكل نوع أو لكل فئة. الأفلام الترفيهية يمكن لها أن تحمل ذات الرسائل التي تجدها في الأفلام الجادة أو في الأفلام التسجيلية. لا أرى فاصلاً كبيراً بين الاثنين. مثلت «دكتور سترانج» وهي واحدة من شخصيات الكوميكس. الحقيقة أنني استمتعت بذلك كثيراً، والحقيقة الثانية أن الفيلم يحمل ما يريد أن يوجهه إلى المشاهد من مضمون.
* شاهدته في العام الماضي، لكن بناءً على ما تقولينه أين يلتقي، في رأيك، فيلم «دكتور سترانج» مع الواقع؟
- في كثير من الشؤون. دكتور سترانج نفسه ساحر يريد الزعامة، وفي عالمنا هناك زعماء بعضهم جيد وبعضهم أقل من ذلك، وبعضهم الثالث معدوم الخبرة. لكن دكتور سترانج هو مزيج من هذه العوامل ما يساعده على تجاوز مشكلاتها عندما يجد أن عليه شق طريقه روحانياً وليس مادياً. أعتقد أن الفيلم هو نداء لكي نتخلى عن الماديات ونقبل على الروحانيات.
* في مهرجان «SXSW» ذكرت، كما تناقلت الصحف، أنك لا تملكين مهنة، بل تملكين حياة. ما الذي قصدته بذلك؟
- أعتقد أن السؤال لم يكن حول هذا الموضوع مطلقاً، لكني استغللَتُه لأذكر شيئاً حول كيف أعيش حياتي ما بين التمثيل والرسم والواقع. قصدت القول إنها جميعاً حياتي وبالتالي لا أمتهن التمثيل لأنه حياتي كلها. البعض قد يمثل دوراً ويعود إلى عمل آخر. بالنسبة لي لا عمل آخر. أعيش التمثيل كفن أمارسه لكي أعيش.
* هل الفن قابل للتقسيم؟ هل تعتبرين نفسك فنانة تمثل وترسم أو ممثلة ورسامة؟
- أميل إلى اعتبارهما واحداً. ربما لذلك لا أشعر بأني ممثلة محترفة رغم أن هذا لا يبدو واقعاً. أعمل في التمثيل منذ إحدى وثلاثين سنة لكني في البداية لم أكن أرغب في أن أحترف التمثيل. طلبني المخرج (الراحل) ديريك جارمن بعدما شاهدني في إحدى المسرحيات لكي أكون بطلة فيلمه «كارافاجيو»، ثم لم يتركني أمضي بعيداً. ظهرت في أفلام أخرى له وهذا عوّدني على حب ما أقوم به، لكن التمثيل للسينما لم يكن وارداً عندي أساساً.
* في تلك الفترة مثَّلتِ عدة أعمال بارزة حتى وإن كان قصدك عدم التورط في التمثيل.
- صحيح. نلت تشجيعاً كبيراً فاستمررت.
* ما الدور المفضل لديك، إذا ما كان عندك هذا التفريق بين دور وآخر؟
- هل أستطيع أن أعرف الجواب على هذا السؤال؟ أعتقد أن الدور المفضل هو الذي أختاره. أنا حذرة من التمثيل الذي لا أستطيع ترك شخصيتي ماثلة فيه. بصمتي إذا أردت القول. لا أريد أن أمثل لكي أكون في الفيلم، بل أريد أن أمثل لكي أُسهِم في رؤية صانع الفيلم وإذا ما كان لديه رؤية فهو بالتأكيد صانع أفلام وليس مجرد مخرج عادي ليس لديه ما يضيفه.
* مَن مِن المخرجين الذين تعاملت معهم على أساس رؤيتهم؟
- تحدثت عن ديرك جارمن. كان بلا شك أحد هؤلاء. أستطيع أن أذكر وس أندرسون الذي قدرتُ كثيراً دعوتي له لكي أمثل دور امرأة عجوز في «غراند بودابست هوتيل» ومن قبل «مملكة الشروق»، وجيم جارموش عندما مثلت له «كل العشاق بقوا أحياء».
* كلاهما من المخرجين المستقلين.
- طبعاً، عيناي دائماً ما تبحثان عن أدوار مع مخرجين أصحاب رؤية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».