شعراؤنا الرواد... هل طواهم النسيان فعلاً؟

السياسة تلقي بظلالها على الشعر وتغيّب وتبرز من تشاء

السيد العيسوي - سيد محمود - براء الشامي - فضل شبلول.
السيد العيسوي - سيد محمود - براء الشامي - فضل شبلول.
TT

شعراؤنا الرواد... هل طواهم النسيان فعلاً؟

السيد العيسوي - سيد محمود - براء الشامي - فضل شبلول.
السيد العيسوي - سيد محمود - براء الشامي - فضل شبلول.

نشرنا في الحلقتين، الأولى والثانية، آراء عدد من الشعراء والنقاد والأكاديميين العرب حول قضية خطيرة، يبدو أننا تقبلناها أو غضضنا الطرف عنها، وهي الغياب شبه الكامل لرواد الشعر العربي الحديث كبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، ونازك الملائكة، وفدوى طوقان في حياتنا الثقافية المعاصرة... فما الأسباب التي أدت إلى ذلك؟ ننشر في الحلقة الأخيرة، هذه، آراء عدد آخر من الكتاب والنقاد والأكاديميين العرب...
من مصر، يقول الشاعر والناقد سيد محمود، رئيس تحرير جريدة «القاهرة» الأسبق: «الشعر هو فن خاص جدا، وأصبح عاما مع الاستخدام السياسي له، فقد كان هو الوسيط الناقل للغة العربية. ولكن مع دخول وسائط أخرى وانتشار النثر منذ القرن التاسع عشر، بدأ الرواد من الشعراء يتحولون عنه عبر وسيط الصحافة، ومنهم العقاد وطه حسين والمازني، وفي الوقت ذاته ظهر الشعر المنثور ليستفيد من إمكانات النثر، ولا يخسر ميراث الشعر».
ويستكمل صاحب ديوان «تلاوة الظل»، «لكن مع ظهور حركات تتمرد على الشعر العمودي بدأت الرواية تصبح فن الطبقة الوسطى، ومع اتساع تلك الطبقة زاد انتشار فن الرواية على حساب الشعر باعتبارها فنا متعددا، وبالتالي تقلصت ظاهرة (الشاعر النجم). بالطبع هناك أسماء ارتبط بمعارك سياسية مثل: أمل دنقل، وصلاح عبد الصبور، وهناك من ارتبط بمعارك اجتماعية كنزار قباني، وتقلص الشاعر النجم وبدأت المعارك الشخصية تظهر بوضوح منذ التسعينات وحتى الآن»
يتفق محمود مع أن هناك أسماء طواها النسيان، ومع ذلك يرى أن الشعر حاضر بقوة، لكنه بات أكثر خصوصية، لافتا إلى أن التعليم لا يساعد على خلق ذائقة شعرية أو تنمية حس شعري،: «بحثت في المناهج الدراسية ووجدت أردأ النماذج الشعرية ونصوصا ضعيفة لأحمد شوقي ومطران، ناهيك عن عدم وجود شعراء معاصرين. في حين أن مناهج النثر بها تطور، وبها نصوص لإبراهيم أصلان مثلا».
وإلى جانب التعليم والسياسة، يُعدد سيد محمود أسباب خفوت نجم عدد من الشعراء، معتبرا أن أغلبها يعزى إلى تحولات فن الشعر نفسه، والطابع الهش للحياة المعاصرة، والصراعات على الجوائز، وعزوف بعض دور النشر عن نشر الشعر».
وهو يعتبر أن الأزمة الكبرى هي وجود «كسل نقدي»؛ فقد عجز النقاد عن تطوير مداخلهم لتناول الشعر ما زالت مرتبطة بموسيقى الشعر، قائلا: إن هناك نقادا لا يزالون يتناولون شعراء الستينات بالنقد، في حين أن هناك تجارب شعرية كثيرة ظهرت واستطاع عدد من الشعراء أن يحقق جماهيرية بحكم ارتباط أشعارهم بتجارب حياتية تمس الجانب الإنساني للمجتمع، مثل: إيمان مرسال وفاطمة قنديل وعماد أبو صالح. إن الشعر، كما يضيف، يحتاج إلى متابعة حقيقة... فجانب أن هناك أزمة في نشر الشعر في الصحف حتى الثقافية، فإن النقاد لا يقومون بدورهم في تتبع التجارب الشعرية أو يبذلون الجهد في تطوير أدواتهم النقدية».
* العيسوي: المنتفعون من صعود الرواية
ويتفق الناقد والشاعر السيد العيسوي، المسؤول عن الصالون الثقافي بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقي، مع سيد محمود في أن التعليم من أحد العوامل التي تلعب دورا في تكريس أسماء شعراء بعينهم، ويقول: «للأسف هناك أسماء منزوع عنها ماء الشعر ويتم تدريسها للأطفال وحتى المراحل الجامعية يجب أن تنفتح مستويات التعلم والتذوق الشعري على شعراء معاصرين؛ لأن الشعر تجربة مشتركة بين الشاعر وبين المتلقي، والمعجم الشعري هو معجم لغوي حي يتغير بتغير الحقب الزمنية». ويعتب العيسوي على القائمين على اختيار النصوص في هيئات ودور النشر التي تنتقي نصوصا ضعيفة، وتبرز أسماء على حساب شعراء مبدعين.
ولكن العيسوي يعتقد أن الشعر العربي حاليا لا يمر بتدهور، بل بالعكس «هناك تجارب شعرية كثيرة في الدول العربية مبشرة، بل وهناك عودة للقصيدة العمودية وشعر الفصحى إلا أن السوشيال ميديا اليوم تعكس صورة مغلوطة بتدهور مستواه؛ لأن هناك الكثيرين ممن يطلقون على أنفسهم شعراء يكتبون خواطر أو كلمات في شكل أبيات شعر ترافقهم شلة من المنتفعين والمهللين باعتبارها أشعارا». ويرى العيسوي أن «الأزمة ليست فنية على الإطلاق، بل لها أبعاد مهنية، بل إن الأمر يتعلق بترسانة من المنتفعين من صعود الرواية؛ لأنها تتحول إلى عمل درامي وتدر عوائد مادية، سواء على المؤلف والناشر، وبالتالي كاتب السيناريو أو المخرج وغيرهم، ويصبح الأمر برمته عملية تجارية وعملية رواج وهمي يساهم فيه إيقاع الحياة الدرامي بعد أن كان إيقاعها شعريا، لكن يبقى الشعر والشعراء الحقيقيون محل دراسة ومحل تقدير وإجلال».

* شبلول: ليسوا شعراء مرحليين
ويقول الشاعر المصري أحمد فضل شبلول: «يبدو أن المشكلة ليست في خفوت حضور هؤلاء الشعراء فحسب، ولكن خفوت حضور الشعر بعامة في المشهد الثقافي العربي، لصالح صعود الرواية بقوة. وحضور أسماء الروائيين أكثر من الشعراء». ويشير شبلول، الذي صدرت له مؤخرا رواية «رئيس التحرير»: «تخيلي أن لي 13 ديوانا شعريا... ما كتب ونشر حتى الآن عن (رئيس التحرير) من أخبار ومقالات أكثر مما كتب عن الـ13 ديوانا مجتمعة».
لكن شبلول يعود ليؤكد أنه «على الرغم من ذلك، فهؤلاء الشعراء الرواد هم الأكثر حضورا في الكثير من الدراسات والمقالات والمقاربات العلمية عن غيرهم من الأجيال التالية، ولا أريد أن أذكر أسماء شعرية لأنها كثيرة جدا.
ويضيف: «ولا أعتقد أن هؤلاء الشعراء كانوا شعراء مرحليين، وإلا اعتبرنا المتنبي وأبا نواس والبحتري وأبا تمام وشوقي والجواهري وغيرهم أيضا شعراء مرحليين، وإنما هم شعراء أخلصوا للشعر وأوقفوا حياتهم عليه، ومنهم من مات بسببه أو بسبب موقفه تجاه بعض القضايا مثل صلاح عبد الصبور الذي يذكّرني رحيله برحيل المتنبي مع بعض الفارق في التفاصيل». ويرى شبلول أن «نزار قباني هو الأكثر حظا بين هؤلاء بسبب قصائده المغناة المنشورة على حناجر عبد الحليم حافظ ونجاة وكاظم الساهر وغيرهم. ومع ذلك فنحن دائما في حاجة إلى المزيد من إلقاء الضوء على كل الأعمال الشعرية الجادة، وليس فقط جيل الرواد».
* الشامي: أهداف سياسية
أما الشاعر السوري براء الشامي، مؤسس «نخبة شعراء العرب»، التي تسعى إلى استعادة مكانة الشعر والشعراء في العالم العربي، فيقول: «الشعر ديوان العرب باقٍ ببقائهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. يمر الشعر المعاصر بحالة مرضية أوجعته كثيراً في ظل غياب الوعي الفكري والاهتمام الثقافي غير أنه لا يموت. والأمة العربية هذه الأيام في محنة عصيبة تعصف بها من حروب مما شغلها عن الشعر والأدب... ولا أنكر أن هناك محاولات لطمس هذا الفن العريق لتحقيق أهداف سياسية، وما أجمل الشعر وهو متفرد على عرشه بعيداً عن السياسة والأطماع والمكاسب الشخصية. وإننا في (نخبة شعراء العرب) تعهدنا منذ اليوم الأول على حمل هذا اللواء لإحياء هذا الموروث العظيم وتوريثه على الشكل الذي يليق به».
ويضيف: «رغم ما ذكرته آنفاً من حملات تشويهية وحروب نرى العرب في كل مكان يرددون (صديقي من يقاسمني همومي ـ ويرمي بالعداوة من رماني) ونراهم يعظمون أمهاتهم ويقولون (الأم مدرسة إذا أعددتها ـ أعددت شعباً طيب الأعراق) وهل مات نزار وفي كل ركن من أركان دمشق يردد (وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح) وما دام الصباح يشرق على أحياء وياسمين دمشق فإن نزار حي».
ويرى الشامي أن «ما يبعث في النفس الأمل أن هناك الكثير من وسائل الإعلام الراقية التي أخذت على عاتقها إحياء هذا الفن؛ فهي لا تكل ولا تمل من النشر بين الحين والآخر عنه، وتستقطب ناصريه وتعلي كلمتهم، وإن هذا الحوار مع صحيفتكم الموقرة لأكبر دليل على ذلك».
ويعتبر الشامي أن «أحد الأسباب الهدّامة للشعر هو (فيسبوك)، وهنا علينا التذكير أنه هدم وبنى.. فلقد أتاح لمن هب ودب ومن لا يعرف من الشعر سوى اسمه أن يستعرض أبياتاً على شكل شطور توحي بالشعر فأوهم، وهو في الحقيقة كلام مرصوف لا روح فيه ولا غاية هناك أيضاً المسابقات الشعرية الكبرى التي تقام على شاشات التلفاز وغيرها من المواقع أصبح البعض منها مستهلكاً لا طائل منه، ولا يخدم إلا المصالح الجغرافية والفردية. ونتمنى على الجهات المعنية أن تعيد ترتيب أوراقها وتسعى لما كانت تسعى إليه في بداية المرحلة».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.