قضايا الدفاع والهجرة تتصدر اجتماعات بروكسل

مطالبات بإرسال بعثة على الحدود بين ليبيا والنيجر لمواجهتها

قضايا الدفاع والهجرة تتصدر اجتماعات بروكسل
TT

قضايا الدفاع والهجرة تتصدر اجتماعات بروكسل

قضايا الدفاع والهجرة تتصدر اجتماعات بروكسل

قالت الحكومة البلجيكية إنها تؤيد مقترحاً تقدمت به ألمانيا وإيطاليا يتضمن عملية أمنية لحماية الحدود الأوروبية من الهجرة غير الشرعية، وتقضي بحجز المهاجرين الراغبين في القدوم إلى دول الاتحاد الأوروبي في المنطقة الحدودية بين ليبيا والنيجر. وجاء الموقف البلجيكي على لسان ثيو فرانكين وزير شؤون الهجرة البلجيكي على هامش اجتماعات وزراء الداخلية والعدل في دول الاتحاد في بروكسل، التي تنتهي اليوم، وهيمن عليها ملف أزمة الهجرة واللجوء والسياسات الأوروبية المتعلقة بهذا الصدد.
كما عقد وزراء الداخلية اجتماعاً مع نظرائهم لشؤون التنمية لمعاينة سبل الدفع بخطط تنمية داخل الدول المصدرة للهجرة والتعامل مع طرق عبور المهاجرين وتعدل لوائح اللجوء.
سيطرت قضايا تتعلق بـ«الجهود المشتركة لدول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي»، على أجندة لقاء جمع رئيس هيئة أركان الدفاع الإيطالية، الجنرال كلاوديو غراتسيانو ونظيره الألماني الجنرال فولكر ويكر، خلال زيارة رسمية قادت الأول إلى برلين. واستعرض المسؤولان العسكريان القضية «الحسَّاسة المتعلقة بالهجرة غير المنظمة»، حيث تشاطرا الرؤية «على أهمية حل المشكلة من جذورها، من خلال دعم القوات المسلحة المحلية للمساهمة في استقرار المناطق التي ينطلق منها المهاجرون»، حسبما أفاد بيان لهيئة الأركان الإيطالية.
ونوه الجنرال غراسيانو خلال كلمته بـ«استراتيجية إيطاليا الشاملة الهادفة إلى تعزيز سبل التصدي للتحديات الناشئة على الجانب الجنوبي للقارة، مع عدم التهرب من مسؤوليتها في شمال وشرق أوروبا، كعضو فاعل ومهم في حلف شمال الأطلسي».
وطرحت ألمانيا وإيطاليا وثيقة على المشاركين في اجتماعات بروكسل تتضمن مطالبة الدول الأعضاء (وعلى وجه السرعة) بالموافقة على إرسال بعثة لتقوية الحراسة الأمنية على الحدود بين ليبيا والنيجر، وجاء في نص الرسالة التي وُزِّعت على الوزراء: «يجب أن نتجنب وصول مئات الآلاف من الأشخاص إلى تجار البشر واستغلالهم وتعريض حياتهم للخطر في البحر المتوسط».
وقال الوزير البلجيكي إن مثل هذا التحرك ضروري، لأن هناك كلاماً كثيراً قيل حول ما يحدث في المتوسط، ولكن في الوقت نفسه، هناك أعداد كبيرة تأتي عبر الصحراء إلى ليبيا، وهناك مآسٍ تحدث في هذا الطريق من أجل الوصول إلى ليبيا وبالتالي إلى المتوسط».
وأضاف أن أعداداً كبيرة من المهاجرين يأتون عبر النيجر إلى أوروبا، ولكن عدداً قليلاً منهم الذي ينطبق عليه شروط الحصول على الحماية الدولية، ولهذا لا بد من اعتراض هؤلاء الأشخاص هناك وتوضيح الأمور لهم وإقناعهم بعدم وجود فرص للحصول على هذا الحق، واختتم الوزير بالإشارة إلى حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها ليبيا.
وبالتزامن مع هذا، بدأ وزراء الدفاع لدول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين اجتماعاً في بروكسل في حضور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبيرغ، لبحث أولويات الدفاع الأوروبي ومستقبل العلاقات مع الحلف الأطلسي، وتنسيق مواقف دولهم قبل قمة الناتو المقررة الأسبوع المقبل في العاصمة البلجيكية بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وقال مفوض شؤون الأمن الداخلي الأوروبي ديميتريس افراموبولوس في تصريح للصحافيين إن المشاورات بين الوزراء الأوروبيين تتمحور حول الربط بين البعدين الداخلي والخارجي للأمن الأوروبي. من جهته، أوضح مصدر دبلوماسي أوروبي في بروكسل أن المملكة المتحدة رفعت تحفظاتها عن بعض جوانب سياسة الدفاع الأوروبية، ولم تعد تعترض على إنشاء مركز للتخطيط للعمليات غير القتالية على الصعيد الأوروبي بحيث لا يتعارض مع ما يقوم به «الناتو».
وبعد نقاشات مع وزراء الخارجية عقد وزراء الدفاع الأوروبيون اجتماعاً في اليوم نفسه، مع وزراء الداخلية لبحث سبل مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية التي تواجه دولهم.
وحول اجتماع وزراء الدفاع والخارجية في دول الاتحاد الأوروبي، الذي انعقد في بروكسل الخميس، وحسب ما نقلته مصادر أوروبية داخل المؤسسات الاتحادية لـ«الشرق الأوسط»، فإن المشاركين أجروا تقييماً لما جرى تطبيقه، عن طريق تنفيذ ما يُعرَف بالاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي للأمن والدفاع، كما تناول الوزراء التعاون والعمل المشترك بين «الناتو» والاتحاد الأوروبي في قضايا الأمن والدفاع، وفي مقدمتها ملفات تتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟