قس مصري يرد على إهانة مستشار بالأوقاف للمسيحيين

الأوساط المسيحية استنكرته... ومطالبات بمحاكمته

قس مصري يرد على إهانة مستشار بالأوقاف للمسيحيين
TT

قس مصري يرد على إهانة مستشار بالأوقاف للمسيحيين

قس مصري يرد على إهانة مستشار بالأوقاف للمسيحيين

في الوقت الذي حذر فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي من خطورة استغلال الدين أداة للتفريق بين أبناء الوطن، أثار مقطع فيديو مُتداول لقس كنسي داخل إحدى الكنائس بمصر تضمن تصريحات اعتبرها البعض مسيئة للإسلام، جدلا في البلاد، وسط مطالبات بمحاكمة القس بتهمة تهديد السلم الاجتماعي، وازدراء الأديان. وذلك بوصفه أول رد فعل لقيادي كنسي على مُهاجمة الدكتور سالم عبد الجليل مستشار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية للعقيدة المسيحية وإساءته للمسيحيين قبل أيام.
وهاجم القس مكاري يونان رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى في القاهرة، الشيخ سالم عبد الجليل، وزعم مكاري خلال اجتماعه الأسبوعي في الكنيسة، أن «الإسلام انتشر بالسيف والرمح».
وكان الرئيس السيسي قد قال في حوار له نشر أمس مع رؤساء تحرير الصحف القومية، إن «الفتاوى غير المسؤولة ضد المسيحيين تؤكد تخلف الفهم الديني... وإن رد فعل الشعب عليها أبلغ رد».
وسبق أن حذر السيسي من خطورة استغلال الدين أداة للتفريق بين أبناء الوطن الواحد... الذي يتنافى مع قدسية وسماحة الأديان. وهو ما عده مراقبون إنذارا شديد اللهجة من السلطات المصرية لمن يستغلون الأديان في إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين.
وأثارت تصريحات القس يونان غضبا داخل الأوساط المسيحية وعلى المواقع المسيحية على ««فيسبوك»» و«تويتر»، ودعت قيادات مسيحية إلى ضرورة محاكمة القس يونان بتهمة تهديد السلم الاجتماعي في مصر، والحض على التفرقة بين المصريين، وازدراء الأديان.
ويمثُل الشيخ سالم عبد الجليل أمام السلطات القضائية في 24 يونيو (حزيران) المقبل، بتهمة ازدراء الأديان وتهديد الوحدة الوطنية وتقويض السلام الاجتماعي والتحريض على قتل المسيحيين، عقب تصريحاته المثيرة للجدل عن الدين المسيحي.
وسبق أن أثار بابا المسيحيين تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، الجدل بتصريحات له خلال استقبال اللجنة الدينية له بالبرلمان المصري في يوليو (تموز) الماضي، أكد فيها أن «الكنيسة تسيطر حتى الآن على غضب الأقباط في الداخل والخارج، لكنها لن تصمد كثيرا أمام الغضب».
ورجح مراقبون وقتها أن «كلام بابا المسيحيين يؤكد وجود توتر بين المسلمين والمسيحيين». وعانى المسيحيون من استهدافهم خلال أعيادهم، منذ عدة سنوات، كان أحدثها ما وقع في أبريل (نيسان) الماضي، في حادثي تفجير استهدفا كنيستين في طنطا والإسكندرية، أسفرا عن مقتل وإصابة العشرات، فضلا عن استهدافهم في الكنسية البطرسية بضاحية العباسية وسط القاهرة نهاية العام الماضي، عن طريق أحد عناصر تنظيم داعش الإرهابي.
وشهدت القاهرة في نهاية أبريل الماضي أكبر تجمع للقيادات الدينية من أنحاء العالم في مقدمتهم البابا فرنسيس الثاني بابا الفاتيكان، والبابا تواضروس الثاني خلال مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، الذي دعا لترسيخ السلام والانفتاح والحوار مع جميع المؤسسات الدينية العالمية. ووجه المجتمعون من قادة الأديان رسالة مشتركة للعالم لنبذ التعصب والكراهية وترسيخ ثقافة المحبة والرحمة والسلام والحوار بين الناس.
وقال القس مكاري يونان إن «الشيخ (أي سالم عبد الجليل) لا يستأهل الرد عليه؛ لكن من الناحية القانونية أذكر البلد أن مرة مجموعة أطفال في الصعيد عملوا تمثيلية صغيرة، فاتهموهم بازدراء الأديان، وهذا إنسان على الملأ يكفر الأقباط اللي هما أصل مصر». مضيفا أن «عقيدتنا المسيحية التي تصفها بالفاسدة هي عقيدة الطهارة ونقاوة القلب».
وكان المجتمع المصري قد ثار ضد تصريحات سالم عبد الجليل، فعاقبته وزارة الأوقاف بالحرمان من صعود المنابر؛ وتبرأ مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر من تصريحاته، معتبرا أنها تعبر عن رأيه فقط، ولا تعبر عن رأي الأزهر وهيئاته، فضلا عن محاكمته بتهمة ازدراء الأديان. لكن لم يصدر عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية حتى الآن أي بيان تعليقا على تصريحات القس الكنسي، وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع متحدث الكنيسة الرسمي القس بولس حليم؛ لكن لم يتسن له الرد.
ووفقا لتقديرات غير رسمية تتراوح نسبة المسيحيين في مصر بين 10 إلى 15 في المائة من عدد السكان البالغ أكثر من 90 مليون نسمة. ودائما ما تسود المحبة بين المسلمين والمسيحيين؛ لكن تطرأ بين الحين والآخر خلافات بينهما سواء بسبب تصريحات القادة الدينين التي تحض على الكراهية، أو بسبب خلافات تتعلق بالسكن والجيرة في بعض المحافظات.
ويطالب رجال دين مسيحي ومنظمات مسيحية دائما بإيجاد حل للفتن الطائفية، وإعداد مشروع قانون في مجلس النواب (البرلمان) يغلظ العقوبات التي تمس الوحدة الوطنية، فضلا عن إعداد مشروع قانون يجرم التمييز تطبيقا لأحكام الدستور والقانون.
في غضون ذلك، طالب مصدر كنسي، فضل عدم ذكر اسمه لحساسية منصبه المسلمين بـ«تفويت الفرصة على أي محاولات تستهدف بث الفرقة والانقسام وعدم السماح بأي تجاوزات أو سلوكيات تضر بالنسيج الوطني»، وذلك على خلفية احتواء «غضب المسلمين» عقب تصريحات القس يونان. مضيفا أن «هناك أيادي خفية تحاول بين الحين والآخر إحداث انشقاق بين المسلمين وأشقائهم المسيحيين».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.