الممنوع مسموح في الانتخابات الإيرانية

رئيسي يخطب ود مغني راب وروحاني ينال تأييد غالبية الفنانين

المغني سالار عقيلي يغني قبل خطاب روحاني بملعب تختي في مشهد الأربعاء (خردادنيوز)
المغني سالار عقيلي يغني قبل خطاب روحاني بملعب تختي في مشهد الأربعاء (خردادنيوز)
TT

الممنوع مسموح في الانتخابات الإيرانية

المغني سالار عقيلي يغني قبل خطاب روحاني بملعب تختي في مشهد الأربعاء (خردادنيوز)
المغني سالار عقيلي يغني قبل خطاب روحاني بملعب تختي في مشهد الأربعاء (خردادنيوز)

اتخذ الوسط الموسيقي في إيران من الأجواء الانتخابية متنفسا لفتح نوافذ جديدة على جمهوره عبر الحملات على مدى أكثر من أشهر قبل موعد الاقتراع اليوم وتسابق المرشحان الرئيسيان المحافظ إبراهيم رئيسي وحسن روحاني على خطب ود الفنانين وأثار ظهور رئيسي مع مغني الراب المثير للجدل أمير مقصودلو المعروف بـ«تتلو» جدلا واسعا بين الإيرانيين.
وتحولت قضية الحريات على رأسها شؤون الصحافة والموسيقى والسينما والرقابة إلى المحاور الأساسية في خطابات المرشح حسن روحاني الذي يسعى للوصول إلى فترة رئاسية ثانية.
رهان المرشحين على إثارة ملف الحريات بهدف كسب ود الإيرانيين وتشجيعهم للتفاعل مع الانتخابات ترجمته المقرات الانتخابية سريعا بتنظيم الحفلات الموسيقية كما تحول هامش الخطابات للمرشحين في مختلف مناطق إيران إلى ساحة لاستعراض الشباب مهاراتهم في الرقص والغناء الجماعي على أوتار الأنغام التي تبثها مكبرات الصوت.
ورغم أن السلطات تفرض حظرا على تعلم الرقص لكنه ينتشر بين الشباب الإيراني خاصة في العاصمة طهران بشكل واسع فضلا عن ذلك فإن المناطق التي تقطنها أقليات عرقية تشهد الرقص الفولكلوري. وكانت الانتخابات فرصة المولعين بالرقص لعرض مهاراتهم أمام العامة وفق المقاطع التي تداولتها شبكات التواصل.
هذا الاتجاه كان لافتا في حملة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني بتركيزه على الدفاع عن الحريات العامة وحرية الإنترنت وكسر القيود المفروضة على معشر الفنانين من موسيقيين وفنانين.
كذلك تسبب الموسيقى والأغاني عامل توازن في المقرات الانتخابية عبر تشجيع تفاعل الشباب في وقت أظهر استطلاع رأي «إيبو» المستقل أن نسبة الأصوات الرمادية بلغت نسبة 46 في المائة. وتحولت الحملات الانتخابية إلى كرنفالات موسيقية بواسطة مكبرات الصوت وحضور فرق موسيقية بما فيها الموسيقى التي تنشط تحت الأرض مثل الـ«دي جي» و«الراب» والـ«هيب هوب».
خلال الأيام الماضية، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من قيام الحملات الانتخابية بتنظيم حفلات موسيقية أمام المقرات بشكل لافت. شملت أنواع الموسيقى بما فيها أنواع يمارسها أغلب الشباب الإيراني تحت الأرض خشية الملاحقات وتجنبا لصفوف الانتظار الطويلة.
وكانت أغنية المناسبات السياسية والحركات الاحتجاجية الطلابية ورمز المتمردين «صديق الطفولة» حاضرة بقوة في حملة روحاني هذه. تعد الأغنية التي سجلها للمرة الأولى نجم البوب فريدون فروغي في 1980 من أشهر الأعمال الفنية في ذاكرة الإيرانيين.
وتعاني الموسيقى في البلاد من معايير مزدوجة بسبب مضايقة ممثلي المرشد الإيراني علي خامنئي بسبب تجاهل تراخيص تصدرها وزارة الثقافة والإعلام للحفلات الموسيقية. أبرز تلك المواجهة كانت خلال العام الماضي بين وزارة الثقافة وإمام جمعة مشهد أحمد علم الهدي والد زوجة المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي. وبسبب التوتر حول منع الحفلات الموسيقية أطاحت بوزير الثقافة السابق علي جنتي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتعد مدينة مشهد معقل إنتاج الموسيقى غير المرخصة في إيران.
وحاول روحاني لدى التوجه إلى مشهد أول من أمس أن يصطحب معه نجم الموسيقى الإيرانية حجت أشرف زادة لكن السلطات منعته من السفر إلى مشهد. وكان أشرف زادة سجل أغنية تمحورت حول شعار روحاني الانتخابي «مرة أخرى إيران».
إلا أن مفاجأة روحاني في خطابه الأخير بملعب «تختي» وسط مشهد كان المغني التقليدي سالار عقيلي.
يوم الثلاثاء أصدر أكثر من مائتي موسيقي إيراني بيانا أعلنوا فيه تأييدهم لروحاني وضمت القائمة أشهر المغنين في إيران مثل محسن تشاوشي وشهرام شكوهي وعلي رضا قرباني وإحسان خواجة أميري ومحمد علي زادة وشهرام ناظري وكيهان كلهر ورضا صادقي.
بموازاة ذلك أعلن أكثر من 35 نجما سينمائيا تأييدهم لحملة روحاني تصدرهم أبطال فيلم «البائع» الفائز بالأوسكار 2016 المخرج أصغر فرهادي والممثلان شهاب حسيني وترانه علي دوستي.
ومن القضايا المثيرة للجدل هذا العام إعلان تأييد مغني الراب أمير مقصودلو المعرف بـ«تتلو» المثير للجدل في إيران وصاحب الشعبية الواسعة بين الفئات العمرية 15 إلى 25، يتجاوز عدد متابعيه في شبكات التواصل نحو خمسة ملايين.
ويعتبر تتلو ظاهرة في إيران بسبب الأحداث المثيرة التي ارتبطت باسمه. نشر أول ألبوماته في 2012 وأصدر ألبومه الثاني في 2013 باسم «تتليتي» واعتقل للمرة الأولى في نفس العام بتهمة «الفساد». سجل أغنية يشيد فيها بالاتفاق النووي على سفينة تابعة للجيش وصور أغنية في قواعد الحرس الثوري يشيد بقتلاها في سوريا وحينها أعلن التوبة.
لكن تتلو أثار الجدل من جديد في سبتمبر (أيلول) الماضي عندما اعتقلته السلطات بتهمة الفساد الأخلاقي وأطلق سراحه بعد 62 يوما بعد ضغوط من أنصاره المراهقين في طهران. ارتفاع شعبيته أدى إلى تحول أنصاره إلى مكتب يعرف باسم الـ«تتلية» وشعاره «بغ بغو» مادة للسخرية في البلاد.
قبل 24 ساعة على «الصمت الانتخابي» تصدر اسم تتلو المواقع الخبرية في إيران بعدما نشرت حملة المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي حوارا وديا بينه وبين تتلو. ورغم حملة السخرية الواسعة من رئيسي لتوسله بشاب في شبكات التواصل فإن الخطوة وصفت بالذكية نظرا لشعبية تتلو التي تفوق كل المسؤولين الإيرانيين في شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي الحوار يشرح تتلو للمرشح رئيسي معاني رسوم الوشم المنتشرة على ذراعيه ويقول له إن بعضها يحمل معاني دينية, ويعتبر رسم الوشم في إيران من القضايا المحظورة على الشباب. وعلى الراغبين العثور على محلات غير مرخصة. خلال العام الماضي فرضت الاتحاد الرياضية عقوبات قاسية على اللاعبين الذين رسموا وشما على أجسادهم وهددت بإبعادهم من المنتخبات الوطنية.
ورد أنصار روحاني على خطوة تتلو بترديد هتاف «بغ بغو، رئيسي، تتلو، نهني التحالف».
وفي عام 2009 كانت الموسيقى أداة الحركة الخضراء. حينذاك وصف محمود أحمدي نجاد المحتجين على نتائج الانتخابات في أول موقف له بأنهم «قذى وغبار». تلك العبارة رد عليها نجوم الموسيقى الإيرانية بأعمال فنية لاقت صدى كبيرا بين الإيرانيين. أبرزها أغنية محمد رضا شجريان وأخرى لحامد نيك بي وأغنية مشتركة لنجمي البوب الإيراني شادمهر عقيلي وإبراهيم حميدي (أبي).



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».