الخط العربي... عودة للأصالة وتشبث بالهوية

كان للخط العربي ولا يزال قيمة جمالية لا تقدر بثمن، إلا أن الملاحظ في السنوات الأخيرة أنها اكتسبت قوة أكبر. فمع اقتراب شهر رمضان المبارك، يبدو أن شهية السعوديين لاقتناء القطع المزينة بعبارات مطرزة بالخط العربي انفتحت على الآخر، من باب العودة إلى الجذور والاحتفال بالأصالة، وهو ما يُفسر ظهوره في الإكسسوارات والأزياء السعودية، الأمر الذي يجعله أحدث توجه في مجال العباءات والجلابيات وغيرها من الأزياء الشعبية.
جولة في الأسواق أو نظرة للصورة المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي تؤكد هذه الحقيقة. فما بين التعابير الشاعرية والمقولات المأثورة وأحيانا العبارات الطريفة والساخرة اكتسبت الموضة التقليدية، التي تمثلها العباءات والجلابيات والعصرية التي تمثلها «التيشيرتات» والحقائب وما شابه، حيوية وديناميكية تعبر عن نبض الشارع، وفي الوقت ذاته تحترم جماليات الخط العربي بكل مدارسه. بهذا الصدد تُعلق أماني رضوان، مالكة «دار سجاف» للأزياء الشرقية في السعودية: «إنه من أجمل ما دخل في تصاميم الأزياء الشرقية، نظرا لتنوع أشكال حروفه وتنوعها، وهو ما يضفي على الأقمشة والخامات الأخرى فنية بلمسة تراثية ساحرة».
وتتابع رضوان حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «طبيعة الأحرف العربية وما تمتاز به من استقامة وانبساط وتقوس وخطوط عمودية وأفقية مكنت المصممين من استغلالها بسهولة في تصاميمهم، علما بأن المسألة ليست فنية فحسب، بل أيضا لها علاقة بربط التراث العربي بالجيل الجديد وتحبيبهم فيه كجزء من ماض يعكس هويتهم، ويجب أن يعبر عن اعتزازهم بهذه الهوية».
ما لا يختلف عليه اثنان أن الأوضاع السياسية والتغيرات التي يشهدها العالم تجعل هذا الجيل يبحث عن جذوره ومتشبثا بها أكثر. وعندما يُمسك بأي خيط منها فإنه يستعمله كوسيلة تعبير عن ذاته وهويته على الملأ. بدأت هذه الموجة منذ سنوات مع أمثال الفنان التونسي السيد الذي غطت رسماته كثيرا من البنايات، وشكلت عدة لوحات جعلت حتى بيوت أزياء كبيرة مثل «لويس فويتون» تتعاون معه من خلال قطع إكسسوارات. كانت نية الدار الفرنسية مخاطبة السوق العربية والتودد لها بلغتها، وهو ما نجحت فيه، لكن ما يجري حاليا أن المصممين المحليين ركبوا الموجة بعد أن رأوا مدى تقبل السوق لها، وأثبتوا أنهم فهموها وأتقنوا فنونها. ليس هذا فحسب بل أيضا سوقوها بأسلوب شبابي من خلال «تيشيرتات» وحقائب لكل الأيام.
وتشير المصممة رضوان إلى أن مصممين عالميين جذبهم جمال الخط وأشكاله، ولم تقف العملية عند «لويس فويتون». وفي كل الحالات كانت النتائج مُذهلة تعبر عن نظرة كل واحدة منهم لجمال الخط العربي وتصورهم للثقافة العربية ككل. طبعا مرونة خطوطه تجعل تطويعه سهلا، وهو ما شجعها شخصيا على تقديمه في تصاميم مُبتكرة طُرزت عليها عبارات تعرف أنها ستروق لزبوناتها. فهي إما تعبر عن شخصياتهن وإما تعكس نظرتهن للحياة.
بيد أنه لا يجب الإنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها فضل كبير في الترويج لها، حسب رأي رضوان. فقد ساعدت على انتشارها بين الشباب وانتقالها من بلد إلى آخر. فهي الآن موضة عالمية لا تقتصر على جنسية بقدر ما تعبر عن جمالية وفنية.
وتشرح أماني رضوان، أن «الخط العربي أنواع ومدارس، كل واحدة ترتبط بجغرافيا معينة. فهناك مثلا خط (الجزم) الذي استخدمته شبه الجزيرة العربية، وكان من أوائل الخطوط التي استخدمت في الأزياء والخط (المدني)، و(الكوفي) و(الثلث) و(النسخ) وصولا إلى خط (الريقاء) الذي يتميز ببساطته وسهولة كتابته ورسمه».
غني عن القول إن الحروف العربية لم تعد تقتصر على الأزياء والإكسسوارات فحسب ودخلت بعض المجالات الاستهلاكية في رمضان تحديدا. فقد ظهرت مثلا في الحلي والخزفيات والأواني حتى تُضفي عليها طابعا شرقيا. وتتم عملية التخطيط والتزيين غالبا على يد خطاطين متمرسين، عشقوا جمالياته أو توارثوها أبا عن جد.
الخطاط حسن آل رضوان، رئيس جماعة الخط في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، يؤكد انتعاش الخط العربي ودخوله عدة مجالات تمس حياتنا اليومية قائلا: «لم يعد حضوره مقتصرا على اللوحات والمعارض الفنية، بل امتد لتفاصيل الحياة العامة، بما في ذلك الملابس والقطع المنزلية، فضلا عن تزيينه جداريات ومرافق بعض مراكز التسوق والأماكن العامة. وكون النتيجة دائما إيجابية تحبب المتلقي والناظر فيها وتريحه نفسيا».
ورغم أن هذا الانتشار ساهم في انفتاح العالم على جانب من الثقافة العربية وتلاقح الحضارات من باب الموضة، فإن البعض يُنوه إلى ضرورة الانتباه لكي لا تسيء بعض العبارات لأحد، ولو من باب الخطأ أو السهو. وهذا يعني أنها يجب أن تتم على يد متخصصين يفهمون اللغة، بمعنى آخر يجب إعطاء الخبز لخبازه حتى تكون النتيجة موفقة وفنية.