آدامسون يعيد كتابة تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي

كانت الدولة فضاء تلاق عابر للطوائف والعواصم واللغات

صورة متخيلة للفارابي  -  غلاف الكتاب
صورة متخيلة للفارابي - غلاف الكتاب
TT

آدامسون يعيد كتابة تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي

صورة متخيلة للفارابي  -  غلاف الكتاب
صورة متخيلة للفارابي - غلاف الكتاب

قلما اعترف الغرب بمساهمة الشرق العربي الإسلامي في مجال الفلسفة. وإذا كانت هنالك استثناءات فإنها كانت على الأغلب مناقشات جانبيّة لتأثير الإسلام على الفلسفة الأوروبيّة في العصور الوسطى، أو سردا لسيرة حياة قامات الفلسفة المسلمين الكبار كالكندي (805 - 873) والفارابي (874 - 950) وابن سينا (980 - 1037)، مع التركيز دوماً على الضغوطات التي واجهها هؤلاء من قبل مجتمعاتهم المحافظة والنخب السياسية الحاكمة.
من هنا يأتي كتاب بيتر آدامسون «الفلسفة في العالم الإسلامي» (مطبعة جامعة أكسفورد - 2016) وكأنه ثورة تامة في مجاله، وإعادة صياغة مفصليّة لحكاية صنعة الحكماء كما عاشت في ظل الحضارة الإسلاميّة عبر عصورها وإلى القرن العشرين. فالفلسفة في العالم الإسلامي كما يصورها آدامسون كانت بمثابة فضاء فكري مفتوح تلاقت فيه أهم عقول هذا العالم من كل الأديان والطوائف واللغات لتصنع معاً مناخ جدل فلسفي حضاري، طرحت فيه أسئلة الوجود الكبرى، وحوكمت فيه كل الافتراضات والعقائد.
يقول آدامسون إنك لو تساءلت اليوم عن أهم فلاسفة بغداد في القرن العاشر لقيل لك «الفارابي». والفارابي بالطبع قامة فلسفيّة كبرى اشتغلت على إعادة صياغة فلسفة اليونان ونظرياتهم السياسيّة. لكن مثقفي بغداد في ذلك الزمان لربما ذكروا لك اسم تلميذ للفارابي يقال له يحيى بن عدي (893 - 974) وهو مسيحي من تكريت كان في وقته أهم أساتذة فلسفة أرسطو في العالم الإسلامي وربما بكل أرجاء المعمورة. ففي عهد الدولة العباسيّة كانت أغلبيّة معتبرة من الفلاسفة المطلعين على فلسفات اليونان ومنطقهم من المسيحيين، واليهود والأقليات الأخرى، وقد نقلت المصادر التاريخيّة العربيّة مراسلات فلسفيّة عميقة بشأن مسائل تحدث فيها أرسطو بين يحيى بن عدي وفيلسوف يهودي يدعى أبا سعيد الموصلي. فالدولة الإسلاميّة في عصورها الزاهرة - كما يذهب آدامسون - كانت بمثابة فضاء تلاق للفكر عابر للطوائف والعواصم وحتى اللغات. وهو يعرفنا بكتابه إلى جانب الفلاسفة المسلمين بمجموعة من الفلاسفة المسيحيين واليهود وغيرهم بوصفهم أيضاً فلاسفة من العالم الإسلامي، عاشوا وتفلسفوا وأنتجوا أعمالهم ضمن الحضارة الإسلاميّة، وهي ظاهرة إنسانيّة فريدة في تاريخ الفلسفة حين تلاقى المُفكرون من كل الأديان حول فكرهم، دون قيود مرجعيات طوائفهم أو قومياتهم ليقدموا للأمة جميعها خلاصة فلسفة البشريّة وخبرتها، وهي الظاهرة التي استمرت عدة قرون إلى ما بعد سقوط آخر معاقل الأندلسيين في غرناطة (1492). وآدامسون اختار من أجل ذلك بالتحديد أن يدعو كتابه الفلسفة في العالم الإسلامي - لا الفلسفة الإسلاميّة، قاصداً إلقاء الضوء على تجربة فضاء التشارك، هذا الذي قدمته الحضارة الإسلاميّة نموذجاً إلى العالم.
وبالتأكيد فإننا يجب ألا نذهب إلى التصور بأن كل قطاعات المجتمع الإسلامي في مراحلها المختلفة تعاملت مع الفلسفة والفلاسفة - مسلمين أو غيرهم - بتسامح وقبول، بل هم كانوا معظم الوقت أهدافاً ربما سهلة للمتزمتين، والمتطرفين والغوغاء، لكن الروايات التاريخيّة تتقاطع على حقيقة أن النخبة المتنورة وبعض الخلفاء والفلاسفة أنفسهم كانوا منفتحين على تقبل الآخر المغاير في فضاء العمل الفلسفي والفكري، وكان هناك نوع من إدراك مبكّر بين ذوي العقول الراشدة بأهميّة الاستفادة من حكمة الحضارات السابقة التي كانت مفاتيحها لغويّاً بأيدي العلماء البيزنطيين في سوريا، مما استدعى الاستفادة منهم لنقل تلك المعارف إلى العربيّة ومن ثم خوض نقاشات فلسفيّة حول ما ترجموه مع أقرانهم المفكرين من المسلمين. ويبدو - بحسب آدامسون - أنه كان هناك توجه عام في مؤسسة الدولة الإسلاميّة طوال أوقات كثيرة إلى تشجيع تلك الترجمات والمحاورات حرصاً على امتلاك أدوات الفكر - والمنطق اليوناني خاصة - لتوظيفها في الجدالات الدينيّة بين الفرق الإسلاميّة ومع أتباع الديانات الأخرى، بغرض دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة. ويروي آدامسون أن يحيى بن عدي نقل عن الكندي نصاً – لم يعثر له على أثر في مكان آخر - كان يجادل به عقيدة التثليث اعتماداً على المنطق اليوناني، وقد نقله عنه ابن عدي في معرض دحضه لوجهة نظر الكندي. وهناك مصادر تاريخيّة تذكر أن الكندي – حتى في استخدامه للمنطق اليوناني للدفاع عن الإسلام – واجه انتقادات واسعة من مثقفين مسلمين محافظين اعتبروا المنطق سلاحا فاسدا، إذ إنه لم يمنع علماء بيزنطة من قبول عقيدة التثليث. لكن وعلى رغم ذلك فإن المشهد كله يشير إلى أجواء من النقاش المتحضر والمتنور تحكم جدالات فلسفية وفكريّة حساسة بين المثقفين منتصرين ومهزومين وتلك مسألة غير مسبوقة في تاريخ الفلسفة على هذا النسق الواسع والمستمر.
يقول آدامسون إن الفلاسفة في ظل الإسلام تجاوزوا حتى نظراءهم المسيحيين في جرأتهم على طرح الأسئلة الفلسفيّة الكبرى التي ما زال بعضها موضوع بحث فلسفي حتى اليوم: ماهية الشيء واللاشيء، هل ما يمكن تخيله موجود بالضرورة، هل يمكن فهم الله من خلال العقل أو أن العقل البشري عاجز عن استيعاب الخالق؟ هل الأخلاقيّات مطلقة في الزمان والمكان؟ وغيرها من القضايا التي كان اشتغال الفلاسفة في العالم الإسلامي عليها بمثابة رافعة بنى عليها فلاسفة العهود اللاحقة في الغرب.
ما قدمته عواصم الإسلام من فضاء لازدهار الفكر لم يقتصر بالطبع على الفلسفة، بل إن أجيالاً من العلماء والأطباء وأصحاب الصناعات والحرفيين والفنانين والمعماريين والموسيقيين من مختلف الخلفيات والمرجعيات عاشت أجواء تشارك مماثلة، أنتجت محصلتها روائع التراث الحضاري الإسلامي في مجالات الحياة كافة.
ولعل ما يميّز كتاب آدامسون إلى جانب نظرته البانورامية تلك، أنه لم يتوقف بتغطيته لتطور الفلسفة في العالم الإسلامي على عصور الإسلام الكلاسيكيّة في بغداد وحواضر الأندلس، بل تابعها لاحقاً عبر الهند وإيران والدولة العثمانيّة وإلى الأوقات المعاصرة، وقدم تعريفاً بمساهمات رجال - ونساء - من مختلف أنحاء العالم الإسلامي اشتغلوا في الفلسفة وأضافوا إليها.
وضع آدامسون كتابه في ثلاثة أقسام، اختص أولها بمرحلة التأسيس الأولى التي شهدت نشأة الفلسفات الإسلاميّة وتلاقحها مع فلسفات الأمم السابقة - لا سيما فلسفة اليونان - وهي المرحلة التي تصل قمتها في أعمال ابن سينا، ثم قسم ثان محوره الفلسفة في الأندلس الإسلاميّة حيث مرحلة ازدهار غير مسبوق للعمل الفلسفي بين أجيال من مختلف الديانات – وهي فترة تعد أيضاً عصراً ذهبيّاً للفلاسفة اليهود -، قبل قسم ثالث أخير خصص لمتابعة غير مسبوقة للفلسفة عند العثمانيين والمغول والصفويين وصولاً إلى القرنين التاسع عشر والعشرين، وهما قرنان شهدا تحديّات معرفيّة وسياسيّة صاخبة من قبل قوى الكولونياليّة الأوروبيّة إلى جانب التساؤلات الفلسفيّة المعتادة.
مادة الكتاب الأصليّة كانت نصوصاً ألقاها البروفسور آدامسون على شكل مدونات صوتيّة على الإنترنت عبر سنوات، ولذا تبدو مقاطع الكتاب الكثيرة مختلفة الأسلوب في تعاطيها مع الشخصيات والأفكار مع نوع من افتقاد سرديّة واحدة متناغمة فيما لو قرئ الكتاب بشكل متصل، مما يدفع للتعامل معه بوصفه مرجعا شموليا يُؤخذ منه بحسب الاهتمام والحاجة، ومن دون -حتى- ترتيب زماني. وربما من الأفضل كمقدمة لموضوع الكتاب الاطلاع على كتاب آدامسون الآخر المختصر «مقدمة قصيرة إلى الفلسفة في العالم الإسلامي». كما يُلحظ عموماً نوع من هيمنة غربيّة على سرد تاريخ الفلسفة دون استكشاف تأثيرات محتملة من اختلاط المسلمين بفلسفات الصين والهند وجنوب شرقي آسيا. ومع ذلك، فإن هذا المجلد الثمين يعدّ دون شك أشمل ما كتب عن موضوعة (الفلسفة في العالم الإسلامي) حتى الآن.



«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس
TT

«كتاب وخنجر»: أكاديميون في سلك الجاسوسية

أليس
أليس

يطيح «كتاب وخنجر: هكذا أصبح الأكاديميون وأمناء المكتبات الجواسيس غير المتوقعين في الحرب العالمية الثانية» للباحثة الأميركية إليز غراهام بالنموذج التقليدي الذي غلب على أذهان الجمهور حول شخصيّة الجاسوس عميل الاستخبارات، والتي تكرّست عبر مئات الروايات والأفلام السينمائيّة والمسلسلات التلفزيونيّة على مثال «جيمس بوند» - بطل روايات الكاتب البريطاني إيان فلمنغ - فيقدّم من خلال سيرة أربع من عملاء مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS) - كان نواة تأسيس وكالة الاستخبارات الأميركيّة لاحقاً - الذين لم يأتوا من خلفيات أمنية أو عسكريّة، ولا حتى من أقسام الفيزياء والتكنولوجيا بالجامعات الأميركية والبريطانية المرموقة - كما كان الحال في مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة النووية، بل من أقسام الأكاديمية النظريّة في الأنثروبولوجيا والتاريخ واللغات، فكأنما تضع «أقل الناس لمعاناً في العالم، في المهنة الأكثر بريقاً في العالم»، على حد تعبير المؤلفة.

تعود بدايات هذه العلاقة غير المتوقعة بين العلوم النظريّة ووكالات الجاسوسية إلى أيّام الحرب العالميّة الثانية، التي دخلتها الولايات المتحدة دون جهاز استخبارات مدني كما كان الحال في بعض أمم أوروبا - تأسس جهاز الاستخبارات البريطاني في عام 1909 – إذ اعتمدت دائماً لجمع المعلومات الاستراتيجية والحساسة من العالم على جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الأميركي.

على أن الحاجة إلى نهج جديد يوسع دائرة جمع المعلومات لما وراء الإطار العسكري بدت ماسة بعد اندلاع الحرب على البر الأوروبي في 1939 مع غزو ألمانيا لبولندا، فعمد الرئيس فرانكلين روزفلت إلى تكليف المحامي البارز ويليام دونوفان بتأسيس ما سمي وقتها بمكتب الخدمات الاستراتيجية الذي استمر في نشاطه عامين بعد انتهاء الحرب عام 1945 ليخلفه في مهماته وكالة الاستخبارات المركزية من 1947 والتي تعد اليوم أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم على الإطلاق.

غلاف الكتاب

وتقول غراهام إنّ تصور دونوفان عن جهاز مدني للاستخبارات تمحور حول بناء منظومة لجمع كميات هائلة من البيانات وتحليلها للوصول إلى استنتاجات ذات فائدة، مما يحتاج إلى مهارات احترافيّة في التعامل مع المعلومات والأرشيف إلى جانب أساسيات العمل الميداني، ولذلك استقصد البحث عن مهنيين متخصصين من عالم الأكاديميا والسعي لتجنيدهم كعملاء.

كان أساتذة الجامعات وأمناء المكتبات وخبراء الأرشيف منجماً غنياً للمواهب التي يمكن أن تلعب دور الجاسوس المفترض ببراعة: أذكياء ويمكنهم التعلّم بسرعة، يحسنون التعامل مع المعلومات، ومعتادون على العمل المضني، ويتسمون عادة بالتحفظ في سلوكياتهم، مما يسهل ذوبانهم في الأجواء من حولهم دون لفت الانتباه، ومنهم بنى دونوفان أول شبكة تجسس أميركيّة محترفة في الفضاء المدنيّ.

تتبع غراهام في «كتاب وخنجر» دونوفان بينما يتصيد هذه المواهب في أروقة الكليّات النظريّة للجامعات الأميركيّة، وتضئ على قصص أربع منهم ممن تم تجنيدهم بأسلوب أدبي رفيع يمزج بين حقائق التاريخ ورومانسيّة الدراما، لتكون الولادة الأولى للجهد الاستخباراتي الأميركي في أجواء من الرّفوف المديدة من الكتب ورائحة الورق، وصناديق الوثائق والبحث عن معلومة في كومة من البيانات بعيداً عن الأنظار بدلاً من الصورة التلفزيونية لمطاردات العميل رقم 007 بالسيارات الرياضيّة الفارهة، والقفز من الطائرات، وترك المغلّفات للعملاء في نقاط الالتقاط. وبالنسبة للمؤلفة فإن كتابها بمثابة تذكّر لهؤلاء الكوادر الذين ساعدوا الولايات المتحدة على كسب الحرب، وتالياً مد مظلّة الهيمنة الأميركيّة على العالم لعقود.

الشخصيّات الأربعة التي اختارتها غراهام لسرد هذه المرحلة كانوا لدى تجنيدهم قد سلكوا في حياتهم خطوطاً مهنيّة أكاديمية في عدد من جامعات النخبة عندما تحدث إليهم موظفون فيدراليون لطلب مساعدتهم في المجهود الحربيّ. جوزيف كيرتس كان يدرّس اللغة الإنجليزية في جامعة ييل، وأديل كيبري أستاذة تاريخ العصور الوسطى في جامعة شيكاغو والخبيرة بعبور الأرشيفات وأقسام المحفوظات، وكارلتون كون أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة هارفارد، وأيضاً شيرمان كينت الباحث الملحق بقسم التاريخ في جامعة ييل.

تلقى المجندون الأكاديميون الجدد تدريبات مكثّفة على أساليب الخداع، ومراوغة المطاردين وطرائق التشفير وأساسيات القتال الفردي، ويبدو أنهم لم يجدوا صعوبة في التقاط هذه المهارات الجديدة، لكن الجزء الأصعب كما لاحظ مدربوهم كان تعليمهم نسيان خلفيّة اللياقة والتهذيب التي قد تمنعهم من ضرب الخصم تحت الحزام أو استغلال نقاط ضعفه.

أرسل بعدها كيرتس وكيبري تحت غطاء مهمّة أكاديمية لشراء الكتب من دور النشر المحليّة. كيرتس إلى إسطنبول - التي كانت تمور بالجواسيس من كل الدّول - وكيبري إلى استوكهولم - للبحث في مكتبات دولة محايدة عن مواد ألمانية قد تكون ممنوعة من التوزيع في مناطق أخرى من أوروبا: مثل الصحف والمجلات، والصّور، والخرائط.

أكوام المواد الأوليّة التي جمعتها كيبري كانت بحاجة إلى تنظيم وتحليل، وتلك كانت مهمة أوكلت لكينيث، الذي قاد فريقاً من المحللين تولى مثلاً تحديد مواقع المطارات ونقاط توزيع الكهرباء ومحطات السكك الحديدية ومكاتب التلغراف على امتداد الأراضي الفرنسيّة للعمل على منع قوات الاحتلال النازي من الانتفاع بها، وفي الوقت ذاته تحديد مبانٍ ومساحات قد يتسنى للحلفاء الاستفادة منها عند الحاجة لإنشاء مستشفيات ميدانيّة ونقاط ارتكاز.

وتقول غراهام إن فريق كينت نجح مستفيداً من الخرائط السياحيّة وأدلة الأعمال التي أرسلتها كيبري في تحديد مواقع معامل تنتج مكونات أساسيّة لصناعة أسلحة المحور والتي استهدفها الحلفاء بالتخريب بشكل ممنهج. أما كون فيبدو أنّه لم يكن مفيداً كثيراً خلال فترة الحرب، وكانت أفضل فكرة له كما تقول غراهام هي إخفاء العبوات الناسفة في أكوام الفضلات التي تتركها البغال على جوانب الطرق.

عاد هؤلاء الأكاديميون إلى جامعاتهم بعدما وضعت الحرب أوزارها: كيرتس استعاد وظيفته أستاذاً في جامعة ييل، واستأنفت كيبري عملها في عبور المجموعات الأرشيفية المغلقة التي تحتفظ بها الحكومات ومراكز البحث وجهات ذات حيثية مثل الفاتيكان. أما كينت فلم يعد يجد نفسه في عالم الأكاديميا، فالتحق بعد عدّة سنوات بوكالة الاستخبارات المركزية وأسس مجلتها البحثية الداخلية، «دراسات في الاستخبارات»، فيما تورط كون في نشر نظريات أنثروبولوجيّة ذات نفس عنصري ما لبثت أن فقدت قيمتها العلميّة خلال الخمسينيات فخسر سمعته وانتهى إلى الإهمال.

وتقول غراهام إن هذه البدايات المشجعة للتقاطع بين عالمي الكتاب والخنجر جعلت من مجموعة جامعات النخبة الأميركيّة - التي تسمى برابطة اللبلاب - بمثابة مزارع مفتوحة لاستقطاب المواهب المميزة إلى العمل الاستخباراتي، وهو الأمر الذي لا أحد ينكر أنه مستمر إلى الآن.