برنامج حزب العمال البريطاني يعد بتأميم المرافق العامة

يرفع الضرائب على الأغنياء ويتعهد بإنفاق «جذري ومسؤول»

برنامج حزب العمال البريطاني يعد بتأميم المرافق العامة
TT

برنامج حزب العمال البريطاني يعد بتأميم المرافق العامة

برنامج حزب العمال البريطاني يعد بتأميم المرافق العامة

تعهد حزب العمال البريطاني بإعادة تأميم المرافق العامة، مثل السكك الحديدية والطاقة والمياه، وإنشاء بنوك تنمية لدعم البرامج الاقتصادية الإقليمية، وذلك خلال إطلاقه البرنامج الانتخابي أمس (الثلاثاء).
وتعهد زعيم حزب العمال البريطاني اليساري المعارض جيريمي كوربن بتبني «برنامج جذري ومسؤول» قائم على الإنفاق على البنية التحتية، وإلغاء أقساط الجامعات، وزيادة العائدات من الضرائب لتمويل الخدمات العامة. وقال كوربن لأنصاره، أمس، بمدينة برادفور في شمال إنجلترا: إن البرنامج الذي يحمل عنوان «من أجل الأكثرية، وليس الأقلية» يتضمن «مخططا لما يمكن أن تصبح عليه بريطانيا» مع «أمل وفرصة حقيقية» للجميع. وأضاف، إنه برنامج «لتغيير حقيقي» للتعامل مع «شعور القلق والإحباط المتزايد» بين الكثير من البريطانيين. وقال: إن حزب العمال سيتفاوض على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصورة تحافظ على وصول التجارة البريطانية إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، وتحمي حقوق مواطني الاتحاد المقيمين في بريطانيا. واعتبر أن حزب المحافظين بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، الذي وعد بتحرير القواعد المالية والتجارية والبحث عن استثمارات أجنبية من الاقتصاديات الكبرى من خارج الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، يقود «سباقا إلى القاع».
وتعتزم ماي إعلان البرنامج الانتخابي لحزبها، حزب المحافظين الحاكم، غدا (الخميس). وكانت قد دعت ماي بشكل مفاجئ الشهر الماضي إلى إجراء انتخابات برلمانية عامة في 8 يونيو (حزيران). وقالت إنها تريد تخويلا حقيقيا من الشعب البريطاني من أجل أن تقود مفاوضات بريطانيا، أي الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتطمح ماي في زيادة عدد مقاعد حزبها في مجلس العموم البريطاني من أجل أن «تقوي يدها في المفاوضات مع بروكسل».
حزب العمال المعارض، الذي تدنت شعبيته، حسب استطلاعات الرأي، منذ أن أصبح كوربن اليساري زعيما له، وعد بأنه سيشن حملة على التهرب الضريبي وسيطبق «ضريبة روبن هود» على المعاملات المالية لتمويل الخدمات العامة إذا فاز في الانتخابات التي ستجرى الشهر المقبل. وقال الحزب الذي يتراجع بشكل كبير خلف حزب المحافظين الحاكم بزعامة ماي: إن بالإمكان جمع 4.7 مليار جنيه إسترليني (6.1 مليار دولار) من خلال ضريبة روبن هود عن طريق تحديث النظام الضريبي على تداول الأسهم.
وسيؤدي ذلك إلى إغلاق ثغرة للبنوك وصناديق التحوط ويتيح أشكالا أخرى من الأصول المالية، ومنها التنوعات المالية مثل الخيارات المتعلقة بالأسهم. وقال جون ماكدونيل، وزير الخزانة في حكومة الظل، في تصريحات لهيئة البث البريطاني (بي بي سي): «كل ما نطلبه هو النزاهة في نظامنا الضريبي». وقال حزب العمال الأسبوع الماضي: إن أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة لن يخضعوا لزيادة الضرائب لتمويل خططه للإنفاق إذا فاز بالسلطة.
وتجدر الإشارة إلى أن أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى أن المحافظين سيحصلون على 48 في المائة من الأصوات، متقدمين بـ20 في المائة على العمال. وأظهر استطلاع أجراه معهد «يوغوف» لحساب صحيفة «صنداي تايمز»، أن حزب المحافظين يتقدم بفارق 18 نقطة على حزب العمال قبل الانتخابات المقررة في الثامن من يونيو. وحصل المحافظون على 49 في المائة بزيادة 3 في المائة عن الاستطلاع السابق الذي أجراه معهد «يوغوف»، في حين حصل حزب العمال على 31 في المائة بزيادة واحد في المائة.
وأوضح الاستطلاع، حصول حزب الديمقراطيين الأحرار الذي يمثل تيار الوسط على 9 في المائة، وحزب الاستقلال المناهض للاتحاد الأوروبي على 3 في المائة، وكلاهما تراجع 4 في المائة.
من جانب آخر، قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون: إن هناك «احتمالا واقعيا» أن تحاول روسيا التدخل في الانتخابات العامة ببلاده الشهر المقبل. وأضاف في مقابلة مع صحيفة «ذا تليغراف» نشرت السبت الماضي: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «سيشعر بالسعادة» إذا فاز جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال في الانتخابات البريطانية.
وقال جونسون، وهو من حزب المحافظين في إشارة إلى بوتين «نعتقد أن هذا ما فعله في أميركا». وقال: إن بوتين يريد «تقويض الثقة في الديمقراطية تماما وتشويه العملية الديمقراطية بأكملها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟