العسل... الذهب السائل

{كيوبيد} غمس به سهام الحب وأطلقها على ضحاياه من العشاق

العسل... الذهب السائل
TT

العسل... الذهب السائل

العسل... الذهب السائل

لطالما اعتبر العسل من الأمور الهامة في تاريخ البشرية، وقد جاء ذكره في معظم الكتب الدينية، من القرآن والإنجيل إلى كثير من الكتب الدينية القديمة والمقدسة في الهند والصين. وأثنت جميع الحضارات وجميع الشعوب على مواصفاته الطبية السحرية التي تعالج كل شيء تقريباً. ولطالما احتل أهمية خاصة في التراث الديني والطبي العربي والإسلامي.
ولأهميته الخاصة، استخدم العسل تاريخياً كنوع من أنواع العملة، أو بديلاً عنها، واستخدم لدفع الجزية وأحياناً كهدايا وأضحية. ويقال إن الألمان كانوا يدفعون الجزية لحكامهم في القرن الحادي عشر بالعسل وشمع العسل.
وحسب الرسوم التي عثر عليها في الكهوف الإسبانية في فالنسيا، فإن تاريخ العسل المسجل يعود إلى 8 آلاف سنة قبل الميلاد. ومع هذا، فإن أحفوريات نحل العسل التي عثر عليها يعود تاريخها إلى 150 مليون سنة.
وظهر العسل والنحل في الكتابات المسمارية البابلية، والرموز الحيثية. أما أقدم خلايا النحل التي عثر عليها، فيعود تاريخها إلى عام 2400 قبل الميلاد، بالقرب من القاهرة في مصر.
ومن المعروف أن النحل ظهر بكثرة في الرسوم الفرعونية القديمة، وكان الفراعنة يحبون النحل ويعتبرونه رمزاً للملوكية. ولطالما استخدم المصريون القدماء العسل كمادة للتحلية، وكهدايا للآلهة، وكمادة من المواد الهامة في عمليات التحنيط. كما استخدم العسل قرباناً لاسترضاء الإله. وخلال الأسرة الأولى في مصر السفلى، استخدم النحل كعلامة للملك.
وتابع الإغريق القدماء هذه التقاليد، وقدموا كعك العسل لآلهتهم أيضا، واحترموا مواصفات وقدرات العسل الطبية الهامة، إضافة إلى أهميته كطعام. وفي نظرة سريعة على كتب الطبخ اليونانية القديمة ووصفاتها، يمكن العثور على كثير من وصفات اللحم الحلوة والكعك المحضرة مع العسل.
وذكر الروائي المسرحي المعروف في أثينا القديمة يوربيديس، الذي عاصر سوفوكليس في القرن الخامس قبل الميلاد، أن العسل كان يخلط بالجبن لتحضير كعك الجبن. وكانت النحلة الشارة المستخدمة على النقود في المدن اليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد، خصوصاً أفسيس. واعتبر النحل رمزاً للإله اليوناني ارتميس الذي كان إله حماية الأطفال والإنجاب والصيد والعذرية والخصوبة. وكان النحل شعار ايروس إله الحب المعروف.
وتقول الأسطورة إن ابن الإلهة فينوس كيوبيد كان يغمس سهام الحب بالعسل، قبل أن يستهدف بها ضحاياه من العشاق ليصيبهم بالحب.
ولحق الرومان بالمصريين وأهل اليونان، وقدموا العسل هدايا لآلهتهم أيضاً، واهتموا باستخدامه في الطبخ، مع انتشار قفائر النحل في جميع أنحاء الإمبراطورية العظيمة. وجاء ذكر النحل والعسل في الكتابات المطبخية الهامة للمؤرخ بليني، والشاعر فيرجيل، والسياسي المحنك والمفكر والخطيب شيشرون، وغيرهم. وازداد إنتاج العسل بنسبة كبيرة مع انتشار المسيحية كدين، وارتفاع الحاجة إلى شمعه لإنتاج الشموع للكنائس. وقد استخدم البابا أوروبان الثامن النحلة شعاراً له.
ويعود أصل كلمة عسل الإنجليزية «هني - Honey» إلى الإنجليزية القديمة «هونيغ - hunig» التي جاءت من النوردية القديمة «هوننغ - honung»، والتي تدرجت بدورها من الألمانية القديمة «هوناغو - huna(n)go»، التي جاءت بالأصل من كلمة «كينيكو - k(e)neko» التي تعني بلغة أهل بحر الشمال قديماً: الأصفر الذهبي.
** أهم الدول المنتجة للعسل في العالم
* الصين: تأتي الصين على رأس لائحة الدول المنتجة والمصدرة للعسل في العالم، وتصل إيراداتها من العسل إلى نحو 2.5 مليار دولار سنوياً. وتصل نسبة واردات الصين من العسل إلى 12.3 في المائة من الصادرات العالمية، حسب إحصاءات عام 2015.
* الولايات المتحدة الأميركية: تعتبر أميركا واحدة من أهم الدول في العالم في مجال العسل. ورغم الجفاف في كثير من الولايات، حافظت على إنتاج ما يكفي من حاجات السوق المحلية والعالمية، خصوصاً مينيسوتا وديكوتا، وفي المناطق الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية.
* الأرجنتين: تعتبر الأرجنتين واحدة من أهم الدول المنتجة للعسل الطبيعي والممتاز في العالم، وتصدر نحو 80 في المائة من إنتاجها إلى الخارج، خصوصاً إلى ألمانيا، ويأتي معظم العسل المصدر إلى الخارج من منطقتي وت بامبا وسانتياغو ديل استرو. وتصل إيرادات الأرجنتين من العسل إلى 163 مليون دولار سنوياً، كما تحظى بنسبة 7 في المائة من صادرات السوق الدولية.
* تركيا: تركيا أيضاً من الدول الرئيسية في عالم العسل، خصوصاً عسل الصنوبر الذي يأتي معظمه من المناطق الإيجية القريبة من اليونان.
* أوكرانيا: بعد حصولها على عدد من الميداليات الذهبية في السنوات الأخيرة، ضاعفت أوكرانيا إنتاجها من العسل بنسبة 50 في المائة منذ عام 2008 حتى عام 2011، ومنذ ذلك الحين حتى الآن بنسبة عالية جداً وصلت إلى 244 في المائة. وتنتج البلاد حالياً ما يساوي تقريباً 70 ألف طن من العسل سنوياً. ويأتي نصف العسل الأوكراني من عسل عباد الشمس، ووصلت صادرات أوكرانيا من العسل عام 2015 إلى 100 مليون دولار تقريباً.
* المكسيك: يعتبر العسل في المكسيك جزءاً لا يتجزأ من المنتج العام والمطبخ المكسيكي منذ حضارة المايا. وتعرف المكسيك وأهلها بعسل البرتقال والأفوكادو أكثر من غيره من أنواع العسل الكثيرة. وفي حين كان يستخدم قديماً لغايات طبية في معظم الأحيان، يستخدم حالياً لتحلية المشروبات والطعام. وتصل حصة المكسيك من صادرات العسل في السوق العالمية إلى 7 في المائة تقريباً، وتصل إيراداتها منه إلى 160 مليون دولار تقريباً.
* روسيا: كان العسل قبل سقوط الاتحاد السوفياتي السابق من المواد المفضلة في البلاد، خصوصاً مع الحليب والشاي والخبز، ولكن بعد التغيير وبعد البرويستريكا، استبدل العسل بالمربى والشيكولاته وشتى أنواع الحلويات الأجنبية. وتستهلك روسيا معظم العسل الذي تنتجه في أسواقها المحلية، رغم ارتفاع نسبة الإنتاج السنوي.
* الهند: علاقة الهنود بالعسل قديمة قدم كتاب «فيدا» الهندوسي المقدس، الذي تم تأليفه طيلة ألف سنة، وقيل 3 آلاف سنة، وهي النصوص المقدسة من الترانيم والتراتيل لدي الآريين الهنود لتكريم الآلهة. ويعتبر الهنود العسل من المواد السحرية والهامة جداً في الحياة، وتصل حصة الهند من السوق العالمية إلى 5.2 في المائة.
* إثيوبيا: إثيوبيا من أهم الدول الأفريقية والعالمية المنتجة للعسل وشمع العسل، رغم تقنياتها القديمة في هذا المجال. وتصدر إثيوبيا معظم إنتاجها إلى اليابان والأسواق الأوروبية والولايات المتحدة، وتعرف البلاد بعسلها الطبيعي والأبيض.
* إسبانيا: تكثر أنواع العسل في إسبانيا، وأهم أنواعه تأتي من الجنوب، من الأندلس، وبالتحديد من غرناطة التي تعرف بعسل الزعتر والبرتقال والأفوكادو والكستناء وإكليل الجبل.
- ومن الدول الأخرى الهامة في إنتاج العسل حول العالم: ألمانيا وفيتنام وبلجيكا والبرازيل وهنغاريا وكندا وتايلاند ورومانيا ونيوزيلندا.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».