اتساع الثقوب في النسيج الليبي

نزاع إقليمي على إدارة الملف... وواشنطن تترقب

اتساع الثقوب في النسيج الليبي
TT

اتساع الثقوب في النسيج الليبي

اتساع الثقوب في النسيج الليبي

تتسع الثقوب في النسيج الوطني الليبي. ووصل الحديث، محليا ودوليا، لاحتمالات تقسيم البلاد، أو عودة الحكم فيها إلى نظام الولايات الثلاث، أو النظام الفيدرالي. وفي الوقت الراهن يبدو أن هناك قطبين إقليميين يتنافسان على الملف الليبي. القطب الأول، كما تقول الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يضم مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة، والقطب الثاني، يضم تركيا وقطر. وفي ظل نظام دولي آخذ في التراجع، أدى استمرار الفوضى في هذا البلد الغني بالنفط، إلى تفاقم الصراع على خلفيات ثقافية وعلى إرث قديم يتعلق بمن تكون له الأولوية في تقرير مصير الدولة الليبية. وبينما تترقب واشنطن الموقف، أصبحت مجموعة من القوى الإقليمية والدولية، تبحث عن موضع قدم في ليبيا، للاستفادة من النفط والغاز، وإيجاد نفوذ على الساحل وفي العمق الأفريقي.
اليوم، في عصر المعلومات والمشاعر المتضاربة، يسود التنافس محليا أيضا. يشتعل ويخبو، ثم يعود مرة أخرى للتوهج، بين «القبلية»، وأغلبها في مناطق الشرق، والجهوية ومعظمها في مدن الغرب.

من قصر المنار، مقر إقامة ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي في مدينة بنغازي، إلى باب العزيزية مقر حكم العقيد معمر القذافي في مدينة طرابلس، تعامل كل زعيم من الزعماء الذين أداروا شؤون الدولة الصحراوية المطلة على البحر المتوسط، بطريقة تصب في اتجاه التوفيق بين طبيعة الشرق المتحفزة، وحالة الغرب التي تنزع إلى الاستقرار. ويمكن أن تفهم من رجل عسكري، مثل العميد مصطفى الشركسي، قائد سرايا الدفاع عن بنغازي، أن تحفُّز الشرق أصبح يقترن، في بعض الأحيان، بعملية تشبه التطهير العرقي، لطرد ذوي الأصول الغربية الذين يعيشون منذ مئات السنين في بنغازي.
وأيا ما كانت الظروف، فإن الأوضاع في ليبيا اليوم تُنذر بالخطر على مستقبل الدولة نفسها. وتقول الدكتورة الطويل، إن الخسارة، في هذه الحالة، ستطال الجميع؛ الشعب الليبي، ودول الجوار، وأفريقيا وأوروبا. وتحذر من الصراع على «التورتة الليبية».
في رأي البعض، فإن الفهم العميق ينبغي ألا يستند فقط على قراءة تقارير السياسيين وأجهزة الاستخبارات والتوجيه الإعلامي، ولكن لا بد من استشراف رؤى القيادات المحلية، والاستماع جيدا إلى قصائد الشعراء الشعبيين الذين يحظون باحترام في الأوساط العامة، ويخلطون قصص الحب والوفاء ونكران الجميل، بالواقع والتاريخ واحتمالات المستقبل.
«العقل عندكم والقلب عندي دامي... والعين تدمع والخطى قاصرات». هذا مطلع قصيدة يشكو فيها الشاعر الليبي الشعبي كيلاني عبد الحفيظ المغربي، من ضيق الحال وقلة الحيلة. ويقول إن وضع ليبيا المضطرب، إذا استمر على ما هو عليه، فقد يؤدي إلى التقاء بين أنصار العهد الملكي، وهو تيار صاعد بالفعل، وأنصار نظام القذافي.
* الاعتراف بالاستقلال
في منتصف القرن الماضي كان الملك يُحضِّر للحصول على اعتراف دولي باستقلال ليبيا. كانت العقبة الوحيدة هي الخلافات بين قادة الشرق وزعماء الغرب، واستطاع أن يذيب الفوارق بين هذين التكتلين المتنافسين، عن طريق إدارة ليبيا عبر ثلاثة أقاليم: طرابلس وبرقة وفزان.
وحين جاء القذافي للحكم واجهته المشكلة نفسها بعدما قضى على نظام الأقاليم الثلاثة. وتقول الدكتورة الطويل: الذاكرة الليبية ما زالت تحتفظ بفترة نظام تلك الأقاليم الإدارية. وتضيف أن «دولة الاستقلال الوطني على النظم البالية (حكم القذافي نموذجا) ، لم تنجح في تحقيق دولة المواطنة ودولة المؤسسات»، بل اتبع القذافي نظاما شعبويا، عاد بليبيا لتكوينات ما قبل الدولة.
ويقول مصدر شارك في اجتماعات عقدت قبل يومين في لجنة في الكونغرس الأميركي، إن موضوع العودة إلى الأقاليم الثلاثة يعد من ضمن الحلول الموجودة لدى مستشاري الرئيس دونالد ترمب، لكنه أشار إلى ما أدلى به الكولونيل ولفغانغ بوزستاي، وهو عسكري نمساوي ذو خبرة مهمة لحلف شمال الأطلسي «ناتو»، عن إمكانية الوصول إلى تحقيق وحدة الدولة الليبية استنادا إلى شخصية قوية في طرابلس، وليس عن طريق فايز السراج المدعوم دوليا.
ارجع قليلا إلى الوراء... إلى ما قبل العهد الملكي. لقد كانت المشكلة قائمة أيضا منذ أكثر من مائة سنة، أي منذ بداية الصراع بين الإمبراطورية العثمانية المريضة، وتطلعات الدولة الإيطالية إلى شمال أفريقيا. لكل دولة رعايا ومصالح ونقاط عسكرية على البحر وفي الصحراء. وأدى ذلك إلى ظهور «الجمهورية الطرابلسية» في الغرب الليبي، بينما اختار الشرق الصدام مع القادمين من وراء الحدود.
حتى في أيام مقاومة الوجود الإيطالي، بقيادة عمر المختار، ظهرت مشكلة القبائل البدوية والجهويين في الغرب. ويقول أحد أحفاد المختار، الدكتور ولاء خطاب، وهو أستاذ متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، إن المشكلة التي تمر بها ليبيا اليوم، هي نتاج الموروث الثقافي.
ويتابع: «إقليم طرابلس فيه أصول متعددة، بحكم استقرار كثير من رعايا دول البحر المتوسط كتركيا وإيطاليا واليونان ومالطا، في طرابلس ومصراتة... وبينما يعرف المواطن نفسه في شرق البلاد باسم قبيلته؛ برعصي، أو منفي، أو عبيدي، أو مغربي، تجد المواطن في الغرب يحرص على تعريف نفسه باسم المدينة التي ينتمي إليها؛ مصراتي، أو طرابلسي، أو زليتني، وغيرها».
كان آلاف الشبان الذين خرجوا لإطاحة القذافي، في ساحة المحكمة على بحر بنغازي، لا يسيرون على هذا النهج. ويعد الشاب رجب بن غزي، من بين هؤلاء. وهو ناشط ليبي وإعلامي مشهور، ومن الأجيال التي كان لها تطلعات لعهد جديد بعد 2011، لكنه اليوم يعيد قراءة الماضي. ويقول: «كثيرٌ من الليبيين يحمِّلون مسؤولية ما انتهت إليه الدولة اليوم، إلى إرث 42 سنة من حكم القذافي، لكن هذا تبين لي أنه غير صحيح».
* حساسيات محلية وجهوية
وتعج ليبيا بحساسيات قبلية يعود بعضها إلى أكثر من 300 سنة مضت، ليس في الشرق فقط، ولكن في الغرب أيضا. وأغلبية القبائل الليبية ذات أصول عربية، لكن توجد أيضا قبائل وعائلات كبيرة ذات أصول غير عربية. ومن الصراعات القبلية التاريخية، الخلافات القديمة التي تتجدد كل حين وآخر بين «المشاشية» و«الزنتان»، و«تاورغاء»، و«مصراتة»، و«ورفلة»، و«الطوارق»، و«التبو»، و«الأمازيغ»، و«العرب»، وغيرها.
ويقول الدكتور خطاب: كل هذه الصراعات أوقفها القذافي، وسيطر على ما كان يظهر منها في عهده بالحيلة حينا وبالطريقة القبلية حينا آخر.
وعلى مدار عقود كثيرة كان ظهور المنتديات الفكرية والسياسية الصاخبة، يقتصر على مدينتي بنغازي وطرابلس. ولم تكن الطليعة الليبية آنذاك، تعنى بقضية الداخل فقط، لكنها اتسمت بطابع قومي وإسلامي عابر للحدود، ما زالت آثاره باقية حتى اليوم. ويعد هذا، في رؤية البعض، من أسباب ارتباط كثير من سياسيي وزعماء الداخل، إلى الآن، بدول إقليمية أو حتى بأطراف دولية، ما يؤدي إلى صعوبة الوصول إلى حل.
وفي كتابه «التاريخ السياسي ومستقبل المجتمع المدني في ليبيا»، الصادر عن «دار برنيق للطباعة والترجمة والنشر»، يرى الكاتب والسياسي الليبي، إبراهيم عميش، أن بلاده كانت قِبلة لـ«قيادات إقليمية لفروع أحزاب سياسية وقومية ودينية، بكل ألوانها وانحيازاتها؛ اليمينية واليسارية... المتشددة منها والمعتدلة... ومنها حركة الإخوان وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب».
ويشغل عميش في الوقت الحالي رئاسة لجنة العدالة والمصالحة الوطنية في البرلمان الليبي. وكان في عهد القذافي من أعضاء جبهة الإنقاذ الليبية المعارضة في المنفى. ويقول إن الحراك الثقافي والسياسي المشار إليه كان مستمرا في ليبيا حتى منتصف القرن الماضي.
* ... لكنها لا تهدد الوحدة
ولا توجد في ليبيا مطالب عرقية أو مذهبية يمكن أن تهدد وحدة الدولة، مثل تلك التي نراها اليوم في العراق أو سوريا. لكن يبدو من الواقع أن الموضوع يتعلق بحساسيات قديمة حول مناطق النفوذ وحدود السلطة. وهذا ما حاول علاجه عمر المختار والملك السنوسي، والقذافي، لكن كل بطريقته.
ويقول الدكتور خطاب، إن عمر المختار «واجهته مشكلة الإرث القبلي، والإرث الحضري، ولهذا قسَّم عمليات الجهاد ضد الجيش الإيطالي المستعمر، على أدوار بين القبائل... دور لقبيلة العواقير، ودور لقبيلة البراعصة، ودور لقبيلة المغاربة، وهكذا». ويبدو أن هذا كان نظاما مرنا ومتوافقا مع الواقع حينذاك. مساحة كبيرة من حرية الحركة للقادة الميدانيين، مقابل إشراف وتوجيه مركزي من المختار. وظل كل قائد زعيما في منطقته وبين عشيرته.
ويضيف: «لهذا، حركة المقاومة ضد الطليان نجحت في برقة، وفشلت في طرابلس». وفي نهاية المطاف دبت الخلافات بين الشرق والغرب من جديد، وانتهى الأمر بإعدام الإيطاليين للمختار، وبعد ذلك بسنوات بدأ الأمير محمد إدريس السنوسي يجهز لرحلته إلى بريطانيا أملا في نيل الاستقلال وقيادة دولة موحدة.
كان إقليم برقة قد استقل بالفعل. وكان السنوسي يخشى من تقسيم البلاد. وفي قصر المنار الملكي، يوم الأول من يونيو (حزيران) عام 1949، عقدت جلسات المؤتمر الوطني البرقاوي، بحضور وفد المؤتمر الوطني الطرابلسي، برئاسة الشيخ محمد أبو الإسعاد العالم.
وافتتح السنوسي الجلسة الأولى بكلمة قال فيها: «لقد طلبت من بريطانيا العظمى والدول الأخرى، بما فيها البلدان العربية والإسلامية، أن تعترف باستقلال برقة». وأضاف: «أتمنى لإخواني في طرابلس أن يحصلوا على مثل ما حصلنا عليه في برقة، ونعلن وحدتنا معا تحت راية واحدة». وهذا ما حدث. ويقول المغربي: «وحدة ليبيا هو ما نريده اليوم بالفعل».
أما خلال حكم القذافي، فقد بدا أن هناك مراجل تغلي تحت السطح طوال 42 سنة. وتقول الدكتورة الطويل: «كان نظاما شعبويا هدفه الاحتفاظ بالسلطة لفترة طويلة، وعاد لتكوينات ما قبل الدولة. وهذه الشعبوية المسماة الكتاب الأخضر وحكم الشعب، أسفرت عن عدم وجود أحزاب سياسية في ليبيا. كما أن المؤتمر الشعبي (البرلمان أيام النظام السابق)، كان وثيق الصلة بشخص القذافي بشكل مباشر. وبالتالي لم يكن تعبيرا صحيحا عن جموع الناس».
وخرج آلاف الليبيين من البلاد هربا من التعسف والسجن، بداية من سبعينات القرن الماضي، وانصهروا في بوتقتين رئيسيتين في الخارج، بوتقة أنصار الدولة المدنية من يساريين وليبراليين، وبوتقة الإسلام السياسي. وعادوا جميعا في 2011 للالتحاق بانتفاضة الشرق ضد القذافي، وهم يرفعون شعار «لا للقبلية».
وكما يوضح المغربي: «هذا الشعار أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، ولم يوجد بديل له قابل للحياة حتى الآن. وبدأ الليبيون يبحثون عن طريقة للعيش؛ هل يعودون لنظام الأقاليم إبان حكم الملك، أم ماذا؟».
* أي نظام إداري؟
وتضمن كتاب «ليبيا إلى أين» الذي أعده مجموعة من الباحثين، وصدر عن دار «مدبولي الصغير» بالقاهرة، كثيرا من الشهادات التي تعكس حالة عدم اليقين لدى قطاع كبير من الليبيين بشأن شكل النظام الإداري للدولة من فيدرالية، أو كونفيدرالية، أو دولة مركزية. وبشكل عام يتمسك غالبية الليبيين، مع حالة من الوجد يزكيها الشعراء الشعبيون، بخيار العيش معا تحت مظلة نظام واحد، أيا ما كان حجم التضحيات. وفي الوقت الراهن، وعلى غير ما هو شائع، يقول المغربي إن أنصار العهد الملكي، وأنصار نظام القذافي، يمكن أن يتصالحا، و«بالتالي يمكن التحدث حول الأقاليم الثلاثة من جديد، والالتفاف حول الدستور الملكي»، وهذا مما قاله القذافي حين أصيب باليأس من الشعب في آخر أيامه: «ها هو دستور 1951... أعيدوه إذا كنتم تريدونه». وهذا يعطي مدخلا لأنصار القذافي بأنهم لن يعارضوا العودة للدستور القديم.
ويقول المغربي الذي عاصر فترة الانتفاضة، إن من رفعوا شعار «لا للقبلية» في مظاهرات 2011 كان معظمهم من ذوي الأصول الحضرية ممن يعيشون في بنغازي، أو ممن عادوا من المنافي... و«استجاب الناس في البداية لهذا الشعار، وكان مَن تسأله: أنت من أي قبيلة، يقول لك: لا تسأل مثل هذا السؤال... أنا ليبي فقط». ويضيف: «استمر هذا حتى تمت السيطرة على الوضع بمقتل القذافي»، و«وصل الأمر بعد ذلك إلى أن من قام بحكم بنغازي كان من شخصيات ذات أصول تعود إلى غرب ليبيا، وللأسف كان حكما متعسفا تجاه أبناء قبائل الشرق. ومن هنا وقع الصدام في بنغازي».
ومن بين من خرجوا من الشرق، وأقاموا في الغرب العميد الشركسي نفسه، وهو من أصول مصراتية، وكان يعيش في بنغازي مع عائلته التي تقيم في الشرق منذ أكثر من مائة سنة. وهو يسعى حاليا، مع نحو ألف ضابط وجندي، ممن طردوا من بنغازي قبل سنة، للعودة إليها ولو بالقوة.
ومن أبرز الأمثلة على قدرة القبيلة وزعماء المناطق البدوية والحضرية، على تغيير موازين القوى، كما يقول المغربي، تلك الواقعة التي تخص الآمر السابق لحرس المنشآت النفطية في الشمال الأوسط من البلاد، الذي كان يبسط نفوذه على أكثر المناطق حيوية لاقتصاد الدولة.
ويوضح: «حين وقفت قبيلة المغاربة وقالت نحن مع الجيش (بقيادة المشير خليفة حفتر) وجد آمر حرس المنشآت نفسه وحيدا ومعزولا عن قبيلته، واضطر للفرار من المنطقة، رغم أنه كان يحظى بدعم من مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا مارتن كوبلر، ويحظى باهتمام الأميركيين والإنجليز والطليان». ويزيد: «لو كل قبيلة ترفع غطاءها عن ميلشياتها، فستنهار هذه الميليشيات التي تعرقل التفاهم بين الليبيين». ويقول الدكتور خطاب إن المتشددين نجحوا في المنطقة الغربية، لأنها تركيبة مدن، وتهاوت مراكزهم في المنطقة الشرقية، لأنهم لم يجدوا مأوى لدى أي قبيلة. ومن بين الحلول اللافتة لحل مشكلة الحكم والإدارة، تلك التي وردت في كتاب «ليبيا... إرادة التغيير»، الصادر عن «دار العلوم للنشر والتوزيع»، للكاتب الليبي إبراهيم قويدر، حيث اقترح فيه أن يكون التوزيع الجغرافي للإدارة التنفيذية والسياسية مقسما إلى عشرة أقاليم أو عشر ولايات، هي درنة، والجبل الأخضر، وبنغازي، وأجدابيا، والواحات، وسبها، ومصراتة، وطرابلس، وجبل نفوسة، والزاوية، على أن ينتخب من كل إقليم عشرة لعضوية المؤتمر العام (البرلمان) بمقدار مائة عضو.
* دور المصالح العالمية
إلا أن الحنين إلى حل الأقاليم الثلاثة لإنهاء الخلافات بين الأفرقاء، كما تقول الدكتورة أماني الطويل، يأتي في وقت أصبحت توجد فيه مصالح عالمية تخيف الليبيين على مستقبلهم. وتقول إن بعض القوى الدولية تريد إحياء أحزمة نفوذها القديمة في ليبيا. وعلى سبيل المثال «الفرنسيون يريدون إحياء الحزام الفرنسي القديم الممتد في وسط أفريقيا، من إقليم فزان في الجنوب، إلى تشاد وغيرها»، وهو أمر «يعزز بشكل أو بآخر مسألة تقسيم ليبيا».
وتوضح، فيما يتعلق بعدد من دول المنطقة التي يبدو أنها تتنازع حول الملف الليبي، بالقول إنه «في لحظة تشكل النظام الدولي الجديد، تظهر التنافسات الإقليمية بشكل واضح... وهذه سنة تاريخية كما يقال. وتحاول هذه التنافسات سد الفراغ الناجم عن ارتباك النظام الدولي أو انهياره، ولاقتناص الفرصة للحصول على جزء كبير في التورتة». وفي خضم الصراع الدائر في ليبيا، يبدو من جلسة لجنة الكونغرس، وفقا للمصدر ذاته، أن واشنطن تترقب، وتسعى، في الوقت نفسه، لإعادة قراءة المشهد وموازين القوى المحلية، والتشاور مع شركائها في المنطقة «قبل أي تصرف جذري».
ومن جانبها، تشدد الطويل على الاستقطاب الإقليمي بين قطر وتركيا من جانب، ومصر والإمارات من جانب آخر. لكنها توضح أن «العبرة هنا بالنتائج، بمعني مَن مِن المعسكرين، أو القطبين، أو التجمعين الإقليميين، هو الذي لديه مشروع لصالح الشعب الليبي؟». وتختتم: «أتصور أن تكون القوى السياسية الليبية واعية. هل مصلحة الشعب الليبي تتطلب الوحدة أم التقسيم؟ هل تتطلب أن تكون دولة مدنية حديثة، أو دولة دينية؟ هذه أسئلة منوط بالإجابة عنها الشعب الليبي ونخبه السياسية.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.