الخزانة الأميركية تستهدف داعمي الإرهاب في باكستان

الخزانة الأميركية تستهدف داعمي الإرهاب في باكستان
TT

الخزانة الأميركية تستهدف داعمي الإرهاب في باكستان

الخزانة الأميركية تستهدف داعمي الإرهاب في باكستان

اتجهت بوصلة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية إلى باكستان، وذلك في إطار ملاحقة المكتب لداعمي الإرهاب والجماعات المسلحة، حيث أعلن المكتب أمس عن إدراج ثلاثة أفراد ومنظمة واحدة على قائمة الحظر المالي في الولايات المتحدة. وقالت الوزارة إنها قامت بإجراءات لتعطيل قيادات جماعة دعوة القرآن والسنة، المرتبطين بدعم «القاعدة» و«طالبان» و«داعش»، وفرع «داعش» في خراسان، وأعلنت الخزانة عن ثلاثة أسماء يتقدمهم حياة الله غلام محمد حاجي حياة الله، وعلي محمد أبو طراب، وعنايات الرحمن، ومنظمة الرفاه والتنمية الاجتماعية التابعة لجماعة دعوة القرآن.
وأكدت الخزانة الأميركية، أن حياة الله غلام محمد الذي وصفته بزعيم رفيع المستوى قام بتوفير الدعم المادي والمالي لحركة «طالبان» و«القاعدة» و«داعش» و«داعش - خراسان». وأشار البيان الأميركي إلى أن غلام دعم «داعش - خراسان» منذ عام 2015 من خلال توفيره للمال والأسلحة، كما خصص مدرسة في مقاطعة كونار التي يسيطر عليها لتكون مركزا لتدريب «داعش - خراسان»، وفي عام 2014 عمل غلام على تجنيد كثير من المقاتلين وإرسالهم إلى «داعش» في سوريا والعراق، ومنذ عام 2015 كان حياة الله يعمل على مساعدة «داعش» لإنشاء شبكة في أفغانستان، كما قدم غلام الدعم لحركة طالبان، وعمل في أدوار قيادية متعددة، وفي يناير (كانون الثاني) 2010 كان حياة الله جزءا من مجموعة من قادة جماعة دعوة القرآن الذين أعلنوا ولاءهم لحركة طالبان، وتعهدوا بممارسة التمرد الأفغاني تحت قيادة «طالبان»، وفيما يتعلق بارتباطه بتنظيم القاعدة، أوضح بيان الخزانة الأميركية أن غلام قدم دعما ماليا إلى مقاتلي «القاعدة» وكبار قادتها منذ عام 2011، وفي عام 2014 خطط حياة الله، لتوفير التمويل لأعضاء «القاعدة» تحت غطاء المشاريع الخيرية.
كما أوضحت وزارة الخزانة الأميركية، أنها أدرجت علي محمد أبو طراب لتقديمه الدعم المادي والمالي إلى جماعة دعوة القرآن وللشيخ أمين الله الذي تم تعيينه من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة داعما قويا لـ«القاعدة» في عام 2009. ومند عام 2016 كان أبو طراب مساعدا في شركة «جيه دي كيو» وعمل على توفير آلاف الدولارات لقيادة جماعة دعوة القرآن في باكستان، كما سهل حركة عشرات الآلاف من الدولارات من الخليج إلى باكستان، وساهم في جمع التبرعات في الخليج، مستغلا العمل الخيري لدعم المقاتلين والانتحاريين، واعتبرت الخزانة الأميركية أبو طراب المسؤول عن تنقلات الشيخ أمين الله.
وجاء إدراج الشخص الثالث عنايات الرحمن بعد أن عينه المكتب الوطني لحلف شمال الأطلسي في قائمته، حيث إنه كان يقدم الدعم إلى حركة طالبان، ويعتبر عنايات الرحمن زعيما نافذا في جماعة دعوة القرآن اعتبارا من أواخر 2014، ويقوم الآن بإدارة العمليات اليومية للجماعة، كما أنه يقوم بتوسيع نفوذ المتطرفين في شمال شرقي أفغانستان وتدريب المسلحين على أساس الجهاد ضد الحكومة الأفغانية، كما يعتبر عنايات الرحمن شخصية مهمة في مجال التجنيد، حيث كان مع الشيخ أمين الله وعبد العزيز نورستاني يقومون بتجنيد طلاب المدارس في منطقة بيشاور لصالح الإرهابيين، وقدم دعما لحركة طالبان و«داعش - خراسان».
وأوضح بيان الخزانة الأميركية، أن إدراج منظمة الرفاه والتنمية في جماعة دعوة القرآن والسنة جاء بسبب أنها تقبع تحت إدارة عنايات الرحمن، وبالتالي كانت تقدم الدعم لـ«طالبان» و«القاعدة» و«داعش». من جانبه شدد مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية جون سميث على أن بلاده ستواصل ملاحقة كل من له علاقة بالإرهاب، وقال إن «هذه العقوبات تسعى لتعطيل شبكات الدعم المالي للإرهابيين المتمركزين في باكستان الذين قدموا الدعم لـ(طالبان) و(القاعدة) و(داعش)، وقاموا بتوفير الأموال لتجنيد الانتحاريين وغيرهم، وستواصل الولايات المتحدة استهداف المتطرفين بقوة في باكستان والمناطق المحيطة بها بما في ذلك الجمعيات الخيرية والجماعات الأمامية الأخرى التي تستخدم وسيلة لتيسير الأنشطة الإرهابية غير المشروعة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟