فيصل عباس يروي قصته مع العاصمة البريطانية

«عربي ـ إنجليزي» وقعه المؤلف في منتدى دبي الإعلامي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

فيصل عباس يروي قصته مع العاصمة البريطانية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

للزميل فيصل ج. عباس، رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز» الدولية الناطقة بالإنجليزية، صدر كتاب «عربي - إنجليزي» الذي وقعه مطلع الشهر الحالي خلال منتدى الإعلام العربي الذي يقام سنويا في دبي. وقد نشرت الكتاب دار «كُتاب» الإماراتية وقدمه رئيس تحرير «الشرق الأوسط» الأسبق عثمان العمير ومؤسس موقع «إيلاف» الإلكتروني. يقول العمير في مقدمته إن «هذا الكتاب تميز عن غيره لكونه منح القارئ ما يحتاج إليه لتصوير تجربة ثرية وعميقة، إذ جرت العادة في بعض الكتابات أن تنحو نحو السياحة السريعة، كالوجبات سريعة التلف... هذا فضلاً عن إحاطة الزميل فيصل عباس بالحياة الإنجليزية، وهو أمر ذو أهمية بالغة كي يبرز العمل إلى الناس مُتقناً، ومالكاً القدرة على النفع والإمتاع».
عنوان الكتاب «عربي - إنجليزي» يختصر شخصية الكاتب الذي عاش في لندن لنحو عقد من الزمن أثناء عمله في صحيفة «الشرق الأوسط» محررا ومسؤولا عن ملحق الإعلام الأسبوعي، فهو عربي الهوية وغربي الهوى، يمزج ما بين الغرب والشرق، ويكتب بالعربية والإنجليزية. يروي عباس في هذا الكتاب، 224 صفحة من القطع المتوسط، وبأسلوب رشيق بعيد عن التعقيد، قصته مع العاصمة البريطانية معشوقة العرب، كاشفاً خبايا كثيرة، ومواقف مثيرة ومضحكة تحمل في طياتها كثيرا من علامات التعجب والاستفهام لشاب جاء إلى لندن في مقتبل عمره.
شهادتي بالكتاب قد تكون مجروحة لكوني صديقة مقربة من فيصل. بدأنا نحن الاثنين عملنا في صحيفة «الشرق الأوسط» في اليوم نفسه. وهذا ما جعل قراءتي للكتاب ممتعة أكثر ومكنتني من الحكم عليه وعلى طريقة صياغته لأني عايشت نسبة كبيرة من الأحداث التي تعرض لها الكاتب وعايشها في مدينة نتشاطرها - نحن الاثنين -.
وبعيدا عن الأسلوب والقصة في حد ذاتهما فقد قدم عباس كثيرا من المعلومات الإضافية في أسفل كل صفحة مما أثرى المحتوى وجعله أكثر حيوية بعيدا عن تصلب قصص بعض الكتب التي تركز فقط على القصة.
وكما ذكرنا، الكتاب بمثابة مرآة تعكس رؤية الكاتب للأحداث التي تجري من حوله، وهذه قدرة لا يقدر على تحقيقها أيا كان، لأنها تتطلب عينا تنظر وترى في الوقت نفسه. ونتيجة لذلك، استطاع عباس بأن يعرّف من لا يعرف لندن بثنايا ومنعطفات المدينة التي لا يمكن أن يدركها إلا من عاش فيها لفترة من الزمن. ولكن في الوقت نفسه، جمعت القصص التي يرويها عن العاصمة البريطانية ما بين السياحة والثقافة في قالب من الكوميديا والنقد الذاتي أيضا، خاصة في المقطع الذي يتحدث فيه عن الأحداث التي أوقعته في مصائد ينصبها بعض العرب الساكنين في لندن للوافدين الجدد من إخوانهم من دول عربية أخرى.
إضافة لكل ذلك، لا يخلو الكتاب من إشارات طريفة لملصقات وإعلانات يروي عنها الكاتب قصصا غير مباشرة، كما تضمن أيضا كثيرا من الرسائل الشخصية التي احتفظ بها الكاتب لتكون شواهد على ما يرويه.
لقد استطاع عباس من خلال كتابه أن يعكس جوهر الحوار الحضاري الذي كان عنوان منتدى الإعلام العربي لهذا العام، وكما قال في كتابه: «كي يصبح أي حوار حضاريا، فلا بد أن يكون مبنيا على الحقائق وليس على الأوهام أو الأفكار المسبقة. وما نسعى إليه سواء كنا إعلاميين في صحفنا وقنواتنا أو من خلال تأليف مثل هذه الكتب، هو أن نقول للناس إن في إمكانهم حتما اتخاذ موقف إيجابي أو سلبي من أي قضية، إلا أن ما يجب أن يحرصوا عليه هو أن يكون هذا الموقف مبنيا على معلومة موثقة».



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.